أخفقت الحكومات العراقية المتعاقبة والحالية بضمنها، في التعامل وفق الدستور والقانون مع الاحتجاجات بأشكالها المختلفة، المطلبية والسياسية والخدماتية، واستمرت في اعتماد العنف المفرط وسيلة وحيدة لمواجهتها، وغالبا ما كان هناك ضحايا من بين المحتجين، فضلا عن الاعتقالات التعسفية والملاحقات، وفرض توقيع تعهدات خطية بعدم التظاهر، وهذه كلها إجراءات تخالف القانون والدستور.
الديمقراطية تواجه تحدياً حقيقياً
وقال الرفيق حسين النجار عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ان "الحكومات العراقية جميعاً غير معفية مما يحصل من قمع وحشي للاحتجاجات الشعبية في جميع الأوقات؛ لان الأجهزة الأمنية تتلقى التوجيهات من قيادات العمليات، والأخيرة على اتصال مباشر بالجهات الحكومية العليا".
وأضاف النجار في تصريح لـ"طريق الشعب"، ان "مسؤولية محاسبة المتورطين بهذا القمع تقع ايضاً على عاتق الحكومات، فهي المعنية بإيقافه. لذلك فالسؤال هو عن سبب عدم توقف العنف تجاه كل فعل احتجاجي، وهل هو يجري دون علم الحكومات، ام انها غير قادرة على توجيه زمام الأمور؟ فهي تتحدث في الكثير من المناسبات عن مسؤوليتها عن حفظ الامن واحترامها لحق الناس في التعبير عن آرائهم، لكن ما يحصل هو ان الجهات الأمنية خاصة قوات الشغب حتى وان لم تقمع الاحتجاج بالعنف، فهي تقمعه بالتضييق والمحاصرة".
وتابع ان "أجهزة الدولة الأمنية تطورت في مجال متابعة ملف الاحتجاج، اذ انها ترصد مسبقاً أي فعل احتجاجي، وهناك انتشار للقطعات العسكرية بالقرب من أي مكان يحتمل ان تنظم الاحتجاجات فيه، خصوصاً في ساحة التحرير ببغداد، كما ان الاجهزة الاستخبارية تسعى دوماً الى اختراق صفوف المحتجين، وهذا ما حصل أيضاً في انتفاضة تشرين". ولفت الى ان "المحتجين كشفوا الكثير من هؤلاء الذين اشترت الحكومات ذممهم".
وشدد الرفيق النجار على ان "الديمقراطية تواجه تحدياً حقيقياً في ظل منظومة الحكم الفاسدة التي تريد البقاء في السلطة بأية وسيلة ممكنة، وبالتالي فان الحقوق المكفولة في الدستور والمواثيق الدولية باتت منتهكة من قبل السلطة الحاكمة، ما يتطلب ان تكون هناك وقفة جدية من قبل القوى والجهات السياسية المدنية والديمقراطية ومعها مختلف القوى والنقابات والاتحادات من اجل مواجهة هذا الانتهاك، والدفاع عن الحق في التعبير والاحتجاج والتظاهر".
عنوان للدكتاتورية!
الباحث بالشأن السياسي والأكاديمي د.غالب الدعمي، يرى ان النظام السياسي في العراق وخلال 20 سنة لم يعمل على تعزيز الحريات، بل على العكس جرى تعزيز التعامل بالقسوة والقمع، وهذا متأت من نزعة سلطوية في ادارة الدولة.
وقال الدعمي لـ"طريق الشعب"، ان "الدستور العراقي واضح جدا وهو يكفل الحريات والتعبير عن الآراء، وحق المواطن في ان يكون له دور في مساءلة الحكومة والسعي نحو حكومة رشيدة، والتظاهر بشكل سلمي خال من العنف، وهذا واحد من أهم حقوق المواطن، سواء كانت تظاهرات سياسية او للمهندسين أو الفلاحين أو لطلبات التعيين. ويفترض ان يكون هناك حوار مع هؤلاء بنوع من الشفافية وبالاحترام والتقدير، كون أي قمع لأية تظاهرات هو عنوان للدكتاتورية وليس عنوانا للحرية".
وأضاف، ان "سلطة العشيرة بدأت تنتقل الى سلطة الدولة وحين تكون سلطة العشيرة هي من تمثل الدولة، فان سلطة الدولة او الحكومة التي تمثلها تبدأ برفض أي نزاع او أي خلاف او أي وجهة نظر أخرى، وهذه الثقافة موجودة في المجتمع وانتقلت الى ان تكون ثقافة حكومات، وبالتالي هناك حاجة الى تعزيز الوعي لمغادرة هذه الصفة.
صدمة تشرين حاضرة!
رئيس مؤسسة حق لحقوق الانسان، عمر العلواني قال ان "صدمة انتفاضة تشرين يبدو انها ما زالت حاضرة في ذهن القوى السياسية الحاكمة، ولذلك فإنها تنظر إلى كل حركة احتجاجية بوصفها تهديدًا محتملاً قد يخرج عن نطاق السيطرة".
وأضاف، انه "على هذا الأساس، تلجأ السلطة إلى استخدام أسرع وأسهل الوسائل لقمع الاحتجاجات، مستعينة بأدوات نظام سياسي يفتقر إلى الأسس الديمقراطية، ما يعكس غيابًا واضحًا لاحترام حقوق المواطنين وكرامتهم".
ونوه العلواني في حديث مع "طريق الشعب"، الى أن "أجهزة إنفاذ القانون ما زالت حتى اليوم غير مؤهلة للتعامل مع الاحتجاجات والمتظاهرين بطريقة مهنية، إذ لا تقابل الدولة ومؤسساتها هذه الحركات على أنها تعبير عن مطالب مشروعة، بل يتم التعامل مع المحتجين باعتبارهم خصومًا يجب قمعهم".
إرث سلطوي!
من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي ان "مستقبل حرية التعبير والتظاهر السلمي في العراق يواجه تحديات جسيمة، في ظل تصاعد القمع وتغوّل السلطة على الفضاء المدني".
ولفت الى انه "رغم هذه التحديات، فإن تنامي الوعي الجماهيري وظهور جيل جديد من الناشطين يمنح بارقة أمل. إذ يمكن لاستمرار الضغط الشعبي والدعم الدولي أن يُحدثا تغييرات تدريجية، ولكن من دون إصلاحات حقيقية في بنية المؤسسات الرسمية، ستبقى هذه الحريات مهددة".
ورأى التميمي ان "الأمل ما يزال قائماً، لكنه مشروط بقدرة المجتمع على التنظيم، وكسر دائرة الخوف، وفرض واقع جديد يحترم الدستور ويصون كرامة الإنسان. فحرية التعبير ليست منّة تُمنح، بل حق أصيل لا يقبل المساومة أو القمع".
وبين أن "الحكومة الحالية تكرّر ذات النهج القمعي، من خلال تفريق الاحتجاجات السلمية بالقوة، واعتقال الناشطين، في تجاهل صريح للمادة 38 من الدستور التي تضمن حرية التعبير والتظاهر".
وخلص الى ان "الخروج من هذا المسار يتطلب ضغطاً شعبياً متواصلاً، ودعماً فاعلاً من منظمات المجتمع المدني، إلى جانب إصلاح شامل للمنظومة الأمنية، وتدويل ملف الانتهاكات من أجل ردع السلطات. فلا يمكن الحديث عن ديمقراطية بلا مساءلة، ولا عن إصلاح دون احترام الحقوق الأساسية للمواطنين".