اختتمت أمس السبت أعمال القمة العربية في دورتها الرابعة والثلاثين، التي عُقدت في العاصمة بغداد، بحضور قادة الدول العربية أو من يمثلهم، إلى جانب الأمناء العامين لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، وشخصيات من الدول العربية والاتحاد الأوروبي.
وافتتح رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال رشيد أعمال القمة العربية بدورتها الـ ٣٤، مؤكدا ان "قمتنا هدفها توحيد الجهود".
وعلى مستوى رؤساء الدول، شارك في القمة كلٌّ من: الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، والرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
كما شارك رئيسا وزراء حكومتي الأردن ولبنان، ووزراء خارجية الكويت والبحرين وسوريا والمغرب والجزائر وجيبوتي.
وضمّت الوفود أيضًا: رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد محمد العليمي، ورئيس وفد جمهورية جزر القمر المتحدة مباي محمد، ونائب رئيس وزراء سلطنة عمان شهاب بن طارق آل سعيد، وممثل تونس محمد علي بن أحمد الهادي، وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، نائب رئيس مجلس الوزراء الاماراتي منصور بن زايد آل نهيان، وعن السودان عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، في حين أوفدت ليبيا سفيرها لدى جامعة الدول العربية عبد المطلب ثابت.
وشارك في أعمال القمة أيضًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي وصل إلى بغداد مساء الجمعة، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم محمد البديوي، ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي محمود علي يوسف، ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ميخائيل بوغدانوف، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي لشؤون الخليج لويجي دي مايو.
وتُعد القمة الحالية من أقل القمم العربية تمثيلًا للرؤساء والملوك خلال العشرين عامًا الماضية، إذ كانت قمة نواكشوط التي عُقدت في العاصمة الموريتانية عام 2016 قد سجلت أدنى تمثيل على هذا المستوى، حيث حضرها سبعة قادة فقط، في حين لم يحضر قمة بغداد سوى خمسة منهم.
وأعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في كلمته خلال القمة، تخصيص مبلغ 40 مليون دولار لإعادة الإعمار، تُقسم بالتساوي بين لبنان وقطاع غزة.
وقال السوداني: "نعلن عن تقديم مبلغ 20 مليون دولار لإعادة إعمار لبنان، و20 مليون دولار لإعادة إعمار غزة، في إطار دعمنا للأشقاء المتضررين من الأزمات والكوارث".
واختتم القادة العرب، أعمال القمة بإصدار "إعلان بغداد"، الذي تضمن حزمة من القرارات والمواقف السياسية والاقتصادية والتنموية، أبرزها الدعم المطلق للقضية الفلسطينية، والدعوة إلى وقف الحرب على غزة، وتكريس الجهود لتحقيق التنمية المستدامة في العالم العربي.
تثبيت الحقوق الفلسطينية
وطالب القادة العرب بوقف فوري للحرب على قطاع غزة ووقف الأعمال العدائية ضد المدنيين، داعين إلى تحرك عاجل لوقف إراقة الدماء، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى المناطق المنكوبة.
وأكد الإعلان مركزية القضية الفلسطينية كقضية الأمة الجوهرية وعصب الاستقرار في المنطقة، مجدداً الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في الحرية وتقرير المصير، ورفض التهجير القسري باعتباره جريمة ضد الإنسانية.
كما أدان القادة الإجراءات الإسرائيلية التعسفية بحق الفلسطينيين، داعين المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته، ومطالبين بنشر قوات دولية لحفظ السلام في الأراضي الفلسطينية، إلى حين تنفيذ حل الدولتين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
دعم للمواقف الدولية المساندة لفلسطين
وثمّن القادة إعلان دول أوروبية مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، كما أعربوا عن تقديرهم لموقف جنوب أفريقيا في الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، معتبرين هذه المواقف خطوات تعزز العدالة الدولية.
وأعاد "إعلان بغداد" التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي السورية، مشيدًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وداعياً إلى حوار وطني شامل. كما عبّر القادة عن دعمهم الدائم للبنان في مواجهة التحديات، وطالبوا إسرائيل بالانسحاب الفوري من الأراضي اللبنانية المحتلة.
وفي الشأن اليمني، جدّد القادة دعمهم لوحدة اليمن، مؤكدين ضرورة الحل السياسي والحوار الوطني. كما دعوا لتسوية شاملة للأزمة السودانية ورحبوا بجهود "إيجاد" لتوحيد منابر الحل.
وفيما يخص ليبيا، شدد القادة على أهمية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة وإنهاء المراحل الانتقالية، مؤكدين على ضرورة خروج جميع القوات الأجنبية.
دعم العراق والإمارات والصومال
وأشاد القادة العرب بجهود العراق في تنظيم القمة الرابعة والثلاثين، وعبّروا عن دعمهم الكامل لسيادته وأمنه واستقراره، كما جدّدوا دعمهم المطلق لسيادة دولة الإمارات على جزرها الثلاث المحتلة من قبل إيران، داعين إلى حل سلمي عبر الحوار أو اللجوء لمحكمة العدل الدولية.
كما أكدوا دعم جمهورية الصومال الفيدرالية في ترسيخ الاستقرار، ودانوا محاولة اغتيال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، داعين إلى تعزيز القدرات الصومالية في مواجهة التحديات الأمنية والتنموية.
قضايا الأمن العربي والمياه ومكافحة الإرهاب
وشدد القادة على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، ودعوا إيران إلى احترام مبادئ عدم الانتشار النووي. كما أكدوا دعمهم للمحادثات النووية الجارية بين إيران والولايات المتحدة، مثمنين دور سلطنة عمان في تسهيلها.
وأكد "إعلان بغداد" أهمية دعم الدول العربية التي تواجه تحديات مائية، خاصة العراق ومصر والسودان وسوريا، داعين إلى حلول عادلة ومتوازنة تحافظ على الحقوق المائية.
كما نوه القادة بجهود العراق في مكافحة الإرهاب، وأشادوا بقرار إنشاء "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومنع التطرف"، داعين إلى تعميم التجربة وتعزيز التعاون العربي في هذا المجال.
واثار موضوع ضعف التمثيل على مستوى الملوك والامراء والرؤساء في القمة انتقادات متباينة، حيث يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري أن التمثيل الزعاماتي في القمة كان ضعيفاً، مشيرا الى أن انعقادها جاء في إطار السياق البروتوكولي والتزامات العراق حيال الجامعة العربية.
وبرغم أن العراق طرح خلال القمة مبادرة من 18 بنداً، فإن الشمري يرى أن ذلك غير كافٍ، نظراً لغياب التفاصيل الواضحة حول طبيعة تلك البنود، كما أن القمة ناقشت التطورات الإقليمية دون أن تطرح خريطة طريق واضحة أو كافية، ما يجعلها قمة غير مثالية بالمعايير السياسية.
ويعتقد الشمري أن القمة الأخيرة التي عقدت بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية سرقت الأضواء مبكراً من قمة بغداد، خصوصاً لجهة نتائجها، مثل رفع العقوبات عن سوريا، ووضع ترتيبات جديدة في المنطقة، ودفع عملية السلام ووقف الحرب في غزة وفلسطين.
ويشير إلى أن العمل العربي المشترك ما زال أمامه طريق طويل، يبدأ أولاً بإصلاح الجامعة العربية، ومعالجة الخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء.
دبلوماسية مرنة
فيما يرى رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدبلوماسي السابق الدكتور فيصل غازي، أن انعقاد القمة العربية في بغداد يشكل محطة مهمة في العلاقات العربية، في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه الشرق الأوسط، خصوصاً بعد حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتغيرات الجيوسياسية التي ضربت المنطقة.
وقال غازي إن الدبلوماسية العراقية اتسمت خلال هذه الأزمة بالمرونة العالية، وتمكنت من النأي بالعراق عن أجواء الحرب، وكانت دعواتها تركّز باستمرار على السلام وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.