اخر الاخبار

وسط صراع إقليمي متصاعد، وتنافس عالمي على ممرات التجارة والطاقة، ما تزال التحديات الكبيرة التي تواجه  طريق التنمية قائمة، وتتراوح بين غموض الرؤية الفنية والتشغيلية، وضعف البنى القانونية، الى جانب شكوك حول جدواه الاقتصادية في ظل غياب رؤية تنموية متكاملة.

وبينما يُروّج للمشروع باعتباره ركيزة لتحول العراق إلى مركز لوجستي إقليمي، تتعدد التحذيرات من أنه قد يتحول إلى مجرد ممر لعبور البضائع ما لم يُدمج ضمن خطة شاملة تشمل مراكز صناعية وخدمات ذات قيمة مضافة.

المشاكل القانونية قد تعيقه

في هذا الشأن، قال عضو لجنة النقل والاتصالات النيابية، هيثم فهد، إن مشروع “طريق التنمية” يُعدّ مكملاً لمبادرة “طريق الحرير” ويمثل فرصة استراتيجية كبرى للعراق للربط بين الشرق والغرب، لكنه لا يزال في مراحله الأولى من الدراسة والاستملاك والاستشارة، ولم تبدأ الأعمال الفعلية بعد، كما أن الجدول الزمني الخاص به غير واضح المعالم حتى الآن.

وأضاف في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن المشروع يتضمن شقين: "طريق بري مُعبد، وربط عبر السكك الحديدية، ما يتطلب استيعاباً كاملاً لحجم النقل المتوقع عبر الشاحنات ووسائط النقل المختلفة، وهو ما يستدعي ربطاً متكاملاً بين الطريقين البري والسككي".

وأوضح فهد، أن المشروع "يحمل أهمية كبيرة في ظل التنافس الإقليمي والدولي، خاصة في ضوء الموقع الجغرافي المتميز للعراق، الذي يؤهله ليكون محوراً لربط قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا". لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن "السياسات الحكومية السابقة لم تستثمر هذا الموقع بشكل فعّال".

وأشار إلى أن "العراق كان يمكن أن يؤدي دوراً أكبر في تخفيف التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ويستفيد من هذا الدور لتعزيز مكانته السياسية والاقتصادية عبر مشروع طريق التنمية الذي يوفر منافذ بحرية عبر ميناء الفاو، ومنافذ برية عبر الحدود مع إيران باتجاه الصين ودول آسيا".

وتابع قائلاً انه بإمكان العراق أن "ينأى بنفسه عن الصراعات الإقليمية والدولية، وأن يتحول إلى ساحة حوار ومحور تلاق لا صدام، بشرط أن يلتزم بمبدأ الحياد، وهو ما ينص عليه الدستور العراقي، بحيث لا تُستخدم أراضيه أو أجواؤه في أي نزاع”.

وشدّد على أن المشروع "لا يحتاج إلى تشريعات جديدة، لكنه يتطلب تعديل بعض فقرات قوانين الاستثمار القائمة، إلى جانب صياغة بنود قانونية واضحة تُترجم إلى لغات متعددة وتُودع لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لغرض التحكيم في حال وقوع نزاعات".

وأشار إلى أن "العراق غالباً ما يخسر في المحاكم الدولية بسبب ضعف الخط القانوني والدفاعي، مؤكدًا ضرورة وجود خط هجومي قانوني يُحافظ على حقوق العراق في التعاقدات الدولية".

وأوضح أن "ما يُميز مشروع طريق التنمية عن غيره من المشاريع هو التنافس الإقليمي عليه، حيث تبدي دول الخليج وروسيا وإيران ولبنان وتركيا اهتمامًا كبيرًا بالمشاركة فيه، لأنه يمر عبر أراضيها أو يؤثر في مصالحها الاستراتيجية".

وحول الضمانات اللازمة لاستمرار المشروع، شدّد فهد على أهمية "حماية العقود قانونياً لتفادي التلاعب السياسي أو المالي"، مشيرًا إلى وجود "قلق دائم بشأن آلية إدارة الأموال وحصة العراق من العائدات، إضافة إلى شكل الشراكات مع الدول الأخرى، وما إذا كانت هذه الدول ستنخرط فعليًا داخل الأراضي العراقية".

واختتم بالقول إن "المشروع لا يزال في طور الدراسة واستكمال إجراءات الاستملاك في عدد من المحافظات، مع استمرار بعض الإشكالات في محافظة البصرة بسبب مرور الطريق عبر أراضٍ زراعية ونفطية قد تتسبب بزيادة الكلفة، وكذلك في إقليم كردستان عند نقطة الربط داخل الحدود الإدارية، معربًا عن أمله في أن تُحل هذه القضايا قريبًا لتسهيل تنفيذ المشروع.

بحاجة إلى مراكز صناعية

من جانبه، قال الخبير في مجال اقتصاد النقل الدولي، زياد الهاشمي، إن العراق تبنّى منذ بداية طرح مشروع “طريق التنمية” رؤية غير واقعية، تستند إلى أهداف طموحة وغير قابلة للتطبيق، مثل الربط التجاري المباشر بين الشرق والغرب عبر الأراضي العراقية، في وقت تمتلك فيه الصين ممرات سككية مباشرة تربط مصانعها بالأسواق الأوروبية دون الحاجة إلى المرور بالعراق.

ونوه في حديثه مع "طريق الشعب"، أن المشروع بصيغته الأولى لم يكن عملياً، لكنه شهد لاحقًا تعديلات مقترحة من الجانب التركي تهدف إلى صياغة نموذج أكثر واقعية. ورغم ذلك، لا يزال هذا النموذج بحاجة إلى تطوير شامل".

واوضح ان هناك حاجة "لإعادة ترتيب الأولويات والتركيز على إنشاء مراكز صناعية ولوجستية، تكون نقطة الانطلاق الأساسية لأي بنية تحتية للنقل، بما فيها طريق التنمية".

ولفت الى أن استراتيجية المشروع يجب أن "تبدأ من تحديد الأسواق المستهدفة – مثل أسواق شرق أوروبا – ومن ثم بناء خطوط السكك الحديدية والطرق البرية وفق هذا المسار، لتشكّل هذه الشبكات حلقة ربط طبيعية بين المراكز الصناعية العراقية والأسواق العالمية، بدلاً من بناء طريق لا يخدم سوى عبور البضائع الأجنبية".

وتابع أن طريق التنمية "يختلف عن مشاريع النقل الدولية الأخرى، لا سيما أنه يربط دول الخليج بتركيا عبر العراق، بينما يُعد مشروع “الحزام والطريق” الصيني مبادرة أوسع تربط الصين بأوروبا عبر ثمانية ممرات سككية، وهو مشروع عملي وموجود على الأرض، على عكس مشروع “الهند – الشرق الأوسط – أوروبا”، الذي لا يزال افتراضيًا وغير واقعي من الناحية الاقتصادية، ما لم يشهد تغييرات جوهرية، أبرزها تجاوز الكيان الإسرائيلي لتقليل التكاليف والمخاطر الأمنية".

وبيّن أن النقل الدولي اليوم "لم يعد يعتمد فقط على سلاسل الإمداد التقليدية، بل على التكامل بين التصنيع، والخدمات المضافة، والبنية التحتية اللوجستية.

وأكد أن دول الخليج، ومصر، بدأت فعليًا بتأسيس مدن صناعية قرب مصادر المواد الخام، وربطها بموانئ مثل ميناء الملك عبد الله في جدة، لتشكيل منظومة إنتاج وتصدير متكاملة عبر البحر".

وأضاف ان "النقل وحده لم يعد كافياً لتحقيق الإيرادات. مشروع طريق التنمية يجب أن يُدمج ضمن منظومة اقتصادية أشمل، تشمل مناطق صناعية ومراكز خدمات لوجستية، حتى يكون الطريق أداة لخدمة هذه الصناعات، لا مجرد ممر عبور لا يدر أرباحًا تغطي الكلفة التشغيلية العالية".

وأشار الهاشمي إلى أن إيران "تعمل منذ أكثر من عقدين على مشروع استراتيجي يربط ميناء “جابهار” في الجنوب الإيراني بميناء “مومباي” الهندي، ومن ثم بشبكة السكك الحديدية الإيرانية باتجاه روسيا، عبر مسار شمال-جنوب، وقد أنشأت مدنًا صناعية وخدمات لوجستية ضمن هذا المسار".

وقال إن طريق التنمية العراقي "لا يتقاطع مع هذا المشروع، لأن أهدافه ومساراته مختلفة، إذ يسعى لربط الخليج بتركيا وربما دول شرق أوروبا كبلغاريا، وليس روسيا أو الهند".

وفي ما يتعلق بالصراعات الإقليمية، خصوصًا بين الولايات المتحدة وإيران، رأى هاشم أن هذه الخلافات لا تمثل تحدياً مباشراً لمشروع طريق التنمية"، معتبرًا أن "التحدي الحقيقي يتمثل في قدرة العراق على بلورة نموذج عمل واقعي، وجذب مشغلين ومستثمرين قادرين على تنفيذ المشروع، عبر تطوير البنية التحتية، وإنشاء السكك الحديدية، وبناء المناطق الصناعية والخدمات اللوجستية".

عرض مقالات: