اخر الاخبار

مع تصاعد حدة المواجهات بين إيران وحكومة الكيان الصهيوني واتساع نطاقها الجغرافي، تتصاعد في العراق مخاوف جدية من انزلاق المنطقة إلى حرب أوسع، وسط مشهد مرير يتمثل في انتهاك سيادة البلاد بشكل صارخ، حيث تصول وتجول مختلف أنواع الاسلحة في أجواؤها. هذا الواقع كشف هشاشة المنظومة الدفاعية العراقية، وألقى بظلال قاتمة على فكرة الاتكال على الولايات المتحدة لحماية هذه الأجواء، خاصة بعدما سهلت الأخيرة ـ بحسب اتهامات عراقية رسمية ونيابية ـ ضربات إسرائيلية على أهداف ايرانية عبر الأجواء العراقية.

استنكار حكومي وتضامن مع إيران

ودعا رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الإثنين، المجتمع الدولي والولايات المتحدة إلى "التحرك الفوري لإيقاف التصعيد المتزايد بين إيران وإسرائيل، وإلى اعتماد الحلول السلمية من خلال استئناف المفاوضات". وفي لقائه برؤساء بعثات دبلوماسية آسيوية وأمريكية، حمّل السوداني المجتمع الدولي مسؤولية الحفاظ على السلم العالمي، "في ظل فشله في كبح العدوان المتواصل" الذي ترتكبه "حكومة الاحتلال الصهيوني منذ أحداث 7 أكتوبر، دون أي احترام للقوانين الدولية والإنسانية".

وأكد تضامن العراق مع إيران كـ"دولة إقليمية ذات سيادة"، ودان القصف الإسرائيلي الذي استهدف أراضيها، معتبراً إياه "تهديداً مباشراً لاستقرار العراق والمنطقة بأكملها".

وشدد على أن "أي خرق للسيادة العراقية، سواء من قبل الكيان الإسرائيلي أو غيره، مرفوض تماماً"، كاشفاً عن تقديم بغداد شكوى رسمية إلى الهيئات الدولية والأممية بهذا الشأن.

تواطؤ واضح

من داخل أروقة البرلمان، جاءت المواقف أكثر حدة؛ حيث دان رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية كريم عليوي، القصف الإسرائيلي عبر الأجواء العراقية، مؤكداً أن هذه الأجواء "تقع تحت إشراف الولايات المتحدة بموجب الاتفاقية الأمنية الثنائية". واعتبر عليوي أن "التغاضي عن هذا الخرق يُعد تواطؤاً واضحاً وشراكة في الاعتداء"، محمّلاً الإدارة الأمريكية "المسؤولية الكاملة".

وحذّر عليوي من استمرار الانتهاكات، مؤكداً أن البرلمان "لن يقف مكتوف الأيدي إزاء تحويل أجواء العراق إلى ممر للعدوان". ودعا المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى "التحرك لردع إسرائيل وفرض عقوبات صارمة ضدها"، مؤكداً أن "الشعب العراقي والقيادات السياسية سيواصلون الدفاع عن سيادة البلاد بكل الوسائل المشروعة، ولن يسمحوا بتحويل أجوائه إلى ساحة مستباحة للاعتداءات الخارجية".

تشخيص الخلل: الاعتماد على الخارج

فيما ألقى عضو اللجنة ذاتها النائب علي البنداوي، الضوء على جذر الأزمة. واعتبر أن "ما يفاقم خطورة هذا التطور هو استخدام الأجواء العراقية كمنطلق للهجوم الصهيوني"، ما يضع الحكومة والبرلمان "في موقف حرج".

وانتقد البنداوي بقوة استمرار "اعتماد العراق على الاتفاقيات الأمنية مع الولايات المتحدة التي لم تمنع حدوث هذا الانتهاك"، معرباً عن "يقين" بأن "واشنطن سهلت مرور الطائرات التي نفذت الهجوم عبر أجوائنا".

وشدد البنداوي على أن "الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية أو أي طرف خارجي في حماية الأجواء العراقية والاكتفاء بذلك خطأ لا بد من معالجته"، داعياً إلى "أخذ الدروس والعبر مما يجري الآن".

وكشف عضو لجنة الامن والدفاع النيابية عن عقد البرلمان جلسة طارئة اليوم الثلاثاء لمناقشة التطورات واتخاذ قرار حاسم يدعم إيران ويمنع انتهاك الأجواء، مع توصية الحكومة بـ"ضرورة حماية الأجواء العراقية".

وأوضح البنداوي أن منظومات الدفاع الجوي العراقية الحالية "قصيرة المدى ومحدودة الفاعلية، ولا تستطيع التصدي لطائرات متطورة من طراز F-35 أو F-16 أو F-15".

وانتقد "الضعف المؤسسي في التعامل مع ملف التصنيع الحربي"، مشيراً إلى أن "هيئة التصنيع الحربي تحوّلت إلى مجرد واجهات استثمارية بلا إنتاج فعلي"، مقارنا ذلك بنجاح إيران رغم الحصار في "تطوير منظوماتها الدفاعية محلياً". وختم بالدعوة إلى "تنويع مصادر التسليح".

انهيار منهجي وتحذير من كارثة

وذهب الخبير الأمني عدنان الكناني إلى أبعد من ذلك، محمّلاً "الطبقة السياسية في البلاد مسؤولية الانهيار المنهجي للأمن والسياسة"، محذرا من أن "البلاد تقف على حافة خطر إقليمي وأزمة داخلية قد تتحول إلى كارثة حقيقية مع تفاقم الصراع".

ووصف الكناني منظومات الدفاع الجوي المتاحة بأنها "معدات ميدانية لا تفي بالغرض، عاجزة عن مواجهة الطائرات المتطورة"، مؤكداً أن "ما نُصب منها هو مجرد حيلة شكلية للتضليل الإعلامي".

واعتبر أن "ملف الدفاع الجوي كان ضحية للتسويف السياسي وسوء التخطيط"، داعياً إلى "إعادة هيكلة الصناعات العسكرية وتفعيل التصنيع الحربي المحلي".

وحذّر الكناني من تحول الصراع إلى "حرب استنزاف طويلة الأمد"، مشيراً إلى أن استمرار القصف المتبادل قد يدفع "الفصائل المسلحة في العراق إلى الانخراط في المواجهة"، خاصة إذا تدخلت قوى دولية لصالح إسرائيل. كما نبّه إلى خطر اقتصادي جسيم، محذراً من أن "العراق يفتقر إلى خزين استراتيجي كافٍ للغذاء والسلع الأساسية، وأن وزارة التجارة لا تمتلك خطة طوارئ واقعية"، مما يعني أن "المواطن العراقي سيدفع الثمن باهظاً" إذا تعطلت التجارة العالمية.

وختم الكناني بالقول: ان "ما نعيشه اليوم هو نتاج سنوات من الفساد والعبث وسوء الإدارة. واليوم حتى قوت الفقراء لم يسلم من جشعهم. هذه ليست أزمة أمن فقط، بل أزمة ضمير ووجود".

أما المحلل السياسي أحمد الياسري، فرأى أن "الجلسة الطارئة للبرلمان، رغم أهميتها من ناحية مناقشة التطورات الإقليمية، قد تكون أيضًا محاولة من الكتل السياسية لتبرير فشلها في إدارة الدورة البرلمانية، وفشلها في تقديم ما يخدم مصالح الشعب".

إعادة ترتيب الأولويات

في محاولة لمواجهة التحدي، دعا عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت إلى "إعادة تموضع القوات العراقية، عبر تقليص الانتشار البري وتحويل الجهد العسكري نحو تعزيز قدرات منظومات الدفاع الجوي والطيران العسكري".

وأكد أن "تأمين الأجواء والمنشآت الحيوية بات يتصدر لائحة الأولويات في هذه المرحلة الحساسة".

من جانبه، رأى عميد كلية العلوم السياسية السابق في جامعة بغداد، عبد الجبار أحمد، أن المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل ألغت مبدأ الردع، ودخل الطرفان في مواجهة قد تكون محدودة أو موسعة.

وأشار إلى أن طبيعة العلاقة مضطربة منذ سنوات، لافتاً إلى أن الضربة الحالية "تختلف كلياً عن سابقاتها"، لأنها "لا تخضع لقواعد الاشتباك"، مع "تصاعد متواصل" يسعى فيه كل طرف "لإثبات قدرته على تقويض إرادة الآخر"، ما يجعل الوضع "مصدر خشية إقليمية".

وحذّر أحمد من أن "أبسط سيناريو" محتمل سيكون "عنصر هدم لاستقرار المنطقة سياسياً واقتصادياً وأمنياً".

وسط هذا المشهد، يبدو سؤال المساءلة للطبقة السياسية الحاكمة عن "الانهيار المنهجي" للأمن والدفاع، هو الجوهر. فهل تتحول صيحات الإنذار والجلسات الطارئة إلى إرادة حقيقية لاستعادة زمام السيادة، أم ستظل أجواء العراق ساحة مستباحة في حسابات الصراعات الإقليمية؟

عرض مقالات: