اخر الاخبار

لا يزال القطاع المصرفي العراقي يعاني من حالة من التدهور والضعف المزمن، بفعل تراكم الإخفاقات المالية وضعف رأس المال، وعوامل عديدة، ما عرقل دوره الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني.

ولا مجال للشك بأهمية إصلاح القطاع المصرفي وتطويره في العراق، وبضمنه مصرف الرافدين الذي يشكل حجر الزاوية في النظام المالي للدولة ونظام المدفوعات الحكومية.

شروط الهيكلة الناجحة

ورغم أن هذه الخطوة ضرورية، يؤكد الخبراء ضرورة تنفيذها بحذر وبشكل تدريجي، مع تعزيز الحوكمة والشفافية، لتفادي مخاطر الخصخصة السريعة وعدم ابقاء اي نفوذ سياسي في الادارة الجديدة للمصرف وغيرها، بما يضمن استعادة ثقة المستثمرين والمواطنين على حد سواء.

كيف تتم الهيكلة؟

في هذا الصدد، قال المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، أن مصرف الرافدين – أحد أكبر المصارف الحكومية التجارية في العراق – تعرض في فترات سابقة إلى إخفاقات متراكمة شكلت عائقاً كبيراً أمام تطوره، رغم كونه يمثل العمود الفقري لنظام المدفوعات الحكومية.

وقال صالح في حديث مع "طريق الشعب"، إن “العمليات المالية الحكومية والفردية أصبحت متداخلة إلى حد كبير، في وقت يعاني فيه المصرف من ضعف في رأس المال، واعتماد شبه كلي على السيولة الحكومية، إلى جانب محدودية علاقاته المصرفية الدولية”.

وأشار إلى أن مصرف الرافدين "يشكل بمفرده نحو 60% من إجمالي أصول المصارف في العراق، وهو ما يعكس حجمه الكبير وأهمية إصلاحه ضمن إطار أوسع لتطوير القطاع المصرفي في البلاد".

وأوضح أن “الدراسة التي تعدها حالياً شركة (إرنست أند يونغ) تتجه نحو فصل المصرف إلى كيانين مستقلين؛ الأول يُطلق عليه (الرافدين 1)، وسيكون مصرفاً مساهماً يُفتح المجال فيه أمام مساهمة المواطنين، على أن تبقى حصة الحكومة فيه دون 25%، لتجنّب تحويله إلى قطاع مختلط مختلط أو خاص بالكامل”.

وبيّن أن “الرافدين 1” سيكون مندمجاً بشكل فعّال مع البيئة المصرفية الوطنية والدولية، وسيُدار بمشاركة شريك استراتيجي مصرفي (دولي أو إقليمي)، ويعتمد على التكنولوجيا الرقمية والمالية الحديثة، كما سيعمل على تمويل التجارة الخارجية وتعزيز الاستثمار الداخلي، ليشكل نقلة نوعية في بنية القطاع المصرفي العراقي الذي يعاني من عزلة بين المصارف الحكومية والخاصة.

وأضاف ان “الهدف هو تأسيس مصرف يمتثل للمعايير الدولية، خالٍ من إشكاليات غسل الأموال، ويواكب التطورات التكنولوجية، بما يساهم في تحسين بيئة العمل المصرفي في العراق”.

الرافدين التقليدي

أما الكيان الثاني، بحسب صالح، فسيُبقي على “الرافدين التقليدي” كمصرف حكومي بالكامل، يُعنى حصراً بالعمليات المالية الحكومية، ويكون الذراع المصرفي الرسمي للدولة، مسؤولًا عن إدارة حساب الخزينة الموحد وكافة المدفوعات الحكومية.

وأوضح أن “الرافدين 1 الذي ستتم خصخصته بطريقة ضمانية سيكون منفصلًا تمامًا عن الرافدين 2، وسيتعامل مع السوق المصرفية والمواطنين بصفته شركة مساهمة كبرى، مع شريك استراتيجي مصرفي”، مشيرًا إلى أن "تفاصيل رؤوس الأموال، وعدد الفروع، وحجم الأصول، وآلية التحول، ستُحدد بدقة ضمن الدراسة المتكاملة التي تعمل على إعدادها الشركة الاستشارية، والمتوقع أن تُنجز وتُقدَّم نهاية العام الجاري".

اشراك القطاع الخاص

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن "عملية إعادة هيكلة مصرف الرافدين تمثل خطوة بالغة الأهمية في مسار إصلاح القطاع المصرفي العراقي، لكنها تتطلب تنفيذاً دقيقا ومتدرجاً لتفادي أية تداعيات سلبية".

واوضح عبدربه في حديث لـ"طريق الشعب"، أن “الهيكلة الناجحة يجب أن تبدأ بإصلاحات إدارية وتقنية شاملة، وتنقية الميزانية العمومية من الأعباء المتراكمة، وتعزيز مبادئ الحوكمة والشفافية”، مشدداً على ضرورة "إشراك القطاع الخاص تدريجياً، دون التنازل عن السيطرة الاستراتيجية للدولة على المصرف".

وحذّر من “مخاطر الخصخصة السريعة أو العشوائية، أو بيع الأصول بقيمة تقل عن قيمتها الحقيقية، فضلًا عن إبقاء النفوذ الحكومي داخل الإدارة الجديدة للمصرف، وهي كلها عوامل قد تقوض أهداف الإصلاح بدلًا من تحقيقها”.

وتابع أن نجاح هذه العملية “يساهم في استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، ويعزز جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويرفع كفاءة النظام المالي ككل”، إلا أنه في المقابل نبه إلى أن “أي خطأ في التنفيذ قد يقود إلى أزمات مالية أو اجتماعية يصعب احتواؤها لاحقاً”.

عرض مقالات: