تداول عدد من الناشطين السياسيين والقانونيين ما وصفوه بالاستعراض الواضح والصريح للكسب غير المشروع من قبل بعض النواب والسياسيين الذين يوثقون بأنفسهم مواكب عجلاتهم وإمكاناتهم المالية الضخمة، والتي تأتي متزامنة مع الترويج الانتخابي الاستباقي.
ودعا النشطاء هيئة النزاهة إلى التحقق من الموارد المالية لنواب وسياسيين ظهرت مقاطعهم في وسائل التواصل الاجتماعي وهم يتجولون بأرتال من السيارات "الفاخرة" التي لا تتناسب مع الموارد المالية لعضو مجلس النواب، مؤكدين ضرورة ان تلعب الهيئة دورا أكبر في التحقق بالكسب فير المشروع ورصد هذه الحالات عبر فرق الرصد.
وأثارت المقاطع المتداولة استياء كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي، لما تظهره من استعراض فاضح للأموال، تزامنا مع الحملات الانتخابية الاستباقية التي يخوضها بعض السياسيين. وفي الوقت نفسه تنطلق تحذيرات من قيادات سياسيين نافذة في النظام السياسي، من خطورة استغلال المال السياسي ووصول تسعيرة المرشحين الى مئات الملايين.
وكانت هيئة النزاهة أطلقت تزامنا مع ترويج الدعايات الانتخابية قبيل انتخابات مجالس المحافظات، نهاية العام 2023، حملة "من أين لك هذا؟"، التي استهدفت تضخم أموال المرشحين.
وكانت الهيئة قد طالبت مفوضية الانتخابات في حينها بإلزام مرشحي الأحزاب بكشف وتقديم ذممهم المالية، لكن تحقيق ذلك كان يبدو صعبا على المفوضية.
وطبقا لمراقبين، فإن إطلاق حملة استباقية مماثلة قبيل الانتخابات البرلمانية يشكل "خطوة صحيحة" من أجل درء شبهات الفساد وتوظيف المال السياسي انتخابيا. كما عدوا هذه الحملة تزيد من فرص إجراء انتخابات أكثر نزاهة، وتحد من استخدام الأموال من قبل مراكز قوى ومرشحين للتأثير في خيارات الناخبين وتوجهاتهم.
هل يمكن تفعيل "من أين لك هذا؟"
الباحث بالشأن السياسي، الأكاديمي د. غالب الدعمي، يرى ان نقطة الانطلاق الأولى في محاسبة المسؤول المشكوك بأصول أمواله هو الإبلاغ عن هذا المسؤول، وفي نفس الوقت، لا يخفي الدعمي تجنب الكثير من المواطنين الإخبار عن مثل هكذا شخصيات.
وقال الدعمي لـ"طريق الشعب"، ان "هيئة النزاهة تحتاج الى فتح دعوى قضائية بتضخم أموال السياسيين والنواب، حتى تبدأ بالتحقيق في هذا الملف، وقانون الهيئة يجيز لها محاسبة الناس الذين يملكون هذه الأموال".
وأوضح، انه "إذا ما ظهرت على المرشحين أو غيرهم شبهات فساد او تضخم في الأموال، فان النزاهة تتحرك بعد تلقي الأدلة من مبلغين عن ذلك، ليجري تغريم المدان بضعف المبلغ، ويحكم عليه بالسجن من سنة الى سبع سنوات".
وأشار الدعمي الى ان "لا دعوى دون مدعٍ، ولا ملاحقة قضائية دون شكوى وتحقيق، وهيئة النزاهة أيضا جهة تحقيقية وليست قضائية، بمعنى انها تحقق فيما يردها وتعرضه على القضاء والأخير هو من يأمر باستمرار مجريات القضية من عدمه"، موضحا ان "الإخبار يقدم الى الهيئة في دائرة التحقيقات، وهي من تقوم بالتحري بعد الإخبار".
ضرورة تطبيق قانون الأحزاب
من جهته، قال المتحدث باسم هيئة النزاهة، علي محمد، ان "المكلف بوظيفة من منصب مدير عام إلى رئيس الجمهورية يقدم كشفا بحساباته المالية، فيما الموظف العادي، وبطبيعة الحال، إذا تبين هناك تضخم في أمواله وممتلكاته فيجري تدقيق مصادرها، وغالبا ما تكون عن طريق إبلاغ النزاهة بالموضوع".
وعن إمكانية ملاحقة السياسيين غير المكلفين بالخدمة الوظيفية، لا سيما من يقومون بالاستعراض بهذه الأموال، بيّن المتحدث ان النزاهة أيضا تنتظر إبلاغا بحق هؤلاء المسؤولين، فضلا عن إمكانية تطبيق قانون الأحزاب بحقهم فيما إذا كانوا ينشطون في الدعاية الانتخابية الصريحة.
وتعد الانتخابات البرلمانية القادمة بدورتها السادسة، من أكثر الدورات تعقيدا منذ سنوات، بحسب العديد من المراقبين، حيث بات العراقيون يواجهون العديد من المشكلات في اختيار ممثليهم، في ظل ارتفاع أعدادهم، ووجود المال السياسي، الذي يعيق وصول المستقلين للسلطة.
وفي الانتخابات النيابية السابقة، كان المال السياسي أحد أبرز العوامل التي ساعدت بعض الأحزاب على توجيه دعاية انتخابية ضخمة، مستغلة موارد الدولة أو الدعم المالي غير المعلن.
دعوات لمراقبة نشاط المرشحين
القانوني والمحلل السياسي، أمير الدعمي، ذكر لـ"طريق الشعب" انه "في الآونة الأخيرة شاهدنا مظاهر المرشحين بمواكبهم الفخمة ويظهر عليهم الثراء الفاحش ويقدمون عطاءات مادية كبيرة، وبالتالي يجب على هيئة النزاهة ان يكون لها دور في محاسبة ومراقبة المرشحين، وخصوصا أصحاب هذا المواكب التي تثير الانتباه والريبة، عبر تفعيل حملة (من أين لك هذا) التي اطلقتها قبل الانتخابات المحلية قبل عامين".
وقال الدعمي ان "هيئة النزاهة يحق لها استجواب ومساءلة هؤلاء من دون تقديم أي بلاغ"، مبينا ان "الهيئة مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بالمراقبة والمساءلة بخصوص هذه الأموال وتفعيل سؤال (من اين لك هذا؟)، لاسيما في ظل التنافس الانتخابي المحموم ودخول المال السياسي في التنافس".
وأضاف ان "الهيئة الآن، للأسف، بعيدة كل البعد عن مساءلة مثل هؤلاء"، مبينا ان "المغريات التي تقدم للمرشحين والأموال والبازار السياسي لشراء الأصوات والمرشحين يجب ان تخضع جميعها لسؤال النزاهة".
وأنهى الدعمي حديثه بالقول ان "عدم وجود تنافس حقيقي بعيدا عن المال السياسي، يؤثر في مشاركة المواطن بالانتخابات، ومساءلة هؤلاء يعطي اطمئنانا للناخب".