اخر الاخبار

في الوقت الذي بدأ فيه التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل يأخذ منحى أكثر خطورة، مع استهداف متبادل لمواقع استراتيجية ومنشآت نفطية وغازية، تتزايد المخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب طاقة شاملة، قد تتجاوز الحسابات السياسية والعسكرية التقليدية.

اضطراب غير مسبوق

السؤال الذي بات مطروحاً بجدية والذي تتداوله أوساط اقتصادية وسياسية هو: ماذا سيحدث إذا اتسعت رقعة الضربات العسكرية لتشمل البنى التحتية للطاقة في المنطقة؟ وهل اغلاق مضيق هرمز والذي تمر عبره نحو ربع صادرات النفط العالمية، وارد في ظل تلويح ايراني بذلك؟

وفي حال تحقّق هذا السيناريو بحسب خبراء اقتصاد، فإن العالم سيواجه اضطراباً غير مسبوق في إمدادات الطاقة، سيرفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، ويضع الاقتصادات المستوردة في مواجهة تضخم متسارع، وركود محتمل، وسط تصاعد القلق من انهيار سلاسل الإمداد وارتفاع تكاليف التأمين والنقل.

التداعيات الاقتصادية الأوسع مقلقة

في هذا الشأن، يرى خبير الطاقة، د. بلال الخليفة أن تطور الصراع الايراني – الاسرائيلي إلى مواجهة أوسع ينذر بتداعيات خطرة على أمن الطاقة العالمي، لا سيما في حال تدخلت أطراف إقليمية ودولية، الأمر الذي قد يفضي إلى تهديد مباشر لممرات تصدير النفط في الخليج.

وقال الخليفة في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن أحد أكثر السيناريوهات تطرفاً هو إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، الذي تمر عبره نحو ربع صادرات النفط العالمية، ما قد يرفع أسعار برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار في حال توقف الإمدادات بشكل كلي.

لكنه استدرك بالقول: إن هذا السيناريو "رغم انه ممكن لكن قد يكون مستبعداً حالياً لأسباب سياسية، أبرزها مرتبط بسعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بحسب تصوره لتحقيق اختراق دبلوماسي يمنحه مكاسب سياسية، وربما يسعى من خلاله للفوز بجائزة نوبل للسلام كما صرح في اكثر من مناسبة”.

وأشار الخليفة إلى أن "الضربات المتبادلة التي طالت مصافي نفط في إيران وإسرائيل حتى الآن لم تُحدث تأثيرًا جوهريًا على الإمدادات العالمية، لكنها خلقت موجة قلق واسعة لدى المستهلكين، وهو ما انعكس في ارتفاع الأسعار بنسبة 12% خلال أيام قليلة".

وأضاف أن العراق، بصفته دولة ريعية تعتمد على النفط كمصدر أساس للدخل، "قد يستفيد مالياً من ارتفاع الأسعار في المدى القصير، كما حدث خلال الحرب الروسية – الأوكرانية، حين تجاوز سعر البرميل 120 دولارًا، إلا أنه نبه إلى أن "هذه المكاسب لا تخلو من كلفة وتداعيات اقتصادية اوسع".

وأوضح الخليفة، أن اتساع رقعة الصراع "سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين على البضائع المستوردة من الخليج، مما سيُفضي إلى زيادة أسعار السلع في السوق العراقية، خاصة وأن هناك اعتمادا كبيرا على الواردات من دول الخليج".

كما أشار إلى أن "أي اضطراب في إمدادات الطاقة البحرية سيؤدي إلى ارتفاع كلفة الوقود المستخدم في الشحن، وهو ما سيتحمله المستهلك في نهاية المطاف".

واختتم بالتأكيد على أن "العراق ليس طرفا في المواجهة حالياً، لكنه ليس بعيداً عن تداعياتها وتبعاتها، إذ إن أي ارتفاع في منسوب التوتر الإقليمي سينعكس اقتصادياً على المواطن العراقي، سواء من بوابة الأسعار أو من خلال تراجع الاستقرار العام في أسواق الطاقة".

تداعيات خطرة

من جهته، حذّر الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي من تداعيات نفطية واسعة قد تنجم عن تفاقم الصراع بين إيران وإسرائيل، مشيراً إلى أن أي هجوم إسرائيلي على منشآت الطاقة الإيرانية، أو رد انتقامي إيراني يستهدف مضيق هرمز، قد يُفضي إلى أزمة طاقة عالمية حادة.

وقال المرسومي في تعليق لـ"طريق الشعب"، أن "إسرائيل تمتلك القدرة على توجيه ضربات مؤقتة للبرنامج النووي الإيراني، لكنها قد تتجه بدلاً من ذلك إلى استهداف منشآت نفطية تعتبر أكثر عرضة للهجوم".

وأضاف المرسومي أن "طهران، في حال تعرضت لمثل هذه الضربات، قد تلجأ إلى إغلاق مضيق هرمز أو استهداف ناقلات النفط والغاز، ما سيؤدي إلى تعطيل ربع حركة تجارة النفط العالمية".

وتابع أن "منظمة أوبك+ تمتلك طاقة إنتاجية فائضة يمكن أن تُستخدم لسد أي عجز في الإمدادات، إلا أن تصاعد التوترات قد يعقّد الاستفادة من هذه القدرة، خصوصاً إذا تأثر أمن الملاحة البحرية في المنطقة".

وبحسب المرسومي، فإن "أبرز التداعيات المحتملة ستشمل، ارتفاع تكاليف التأمين على شحنات النفط بسبب المخاطر المتزايد، وانسحاب ناقلات النفط من الخليج في حال تصاعد التهديدات، ما سيقلل الإمدادات للأسواق، ناهيك عن محدودية قدرة “أوبك+” على زيادة الإنتاج، خاصة مع اعتماد عدد من الدول الأعضاء على مرور النفط عبر مضيق هرمز".

ولفت الى ان "إغلاق مضيق باب المندب سيزيد من جهته تعقيد المشهد ويعيق حركة الطاقة، كما ان اتساع نطاق الحرب إلى منشآت نفطية خليجية، سيؤثر بشكل مباشر على إمدادات النفط الخام والغاز المسال".

واشار المرسومي الى تقديرات بنك جي بي مورغان التي ذكرت أن أسعار النفط قد تصل إلى 130 دولاراً للبرميل في “السيناريو الأسوأ”، ما سيؤدي إلى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 0.4%، اضافة لارتفاع أسعار البنزين والوقود والمنتجات المشتقة من النفط، مثل البلاستيك والكيماويات والأسمدة، على إثر ذلك".

وخلص الى القول انه "سينعكس سلباً على الاستثمارات والتوظيف ويهدد بدخول العديد من الاقتصادات في حالة ركود".

حرب الأصول الاستراتيجية

فيما حذّر أستاذ الاقتصاد الدولي، نوار السعدي، من أن أي تصعيد واسع في الصراع بين إيران وإسرائيل، يتجاوز الضربات المحدودة الحالية ليصل إلى استهداف مباشر للبنى التحتية للطاقة، قد يدفع العالم نحو واحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية منذ عقود.

وقال السعدي: إن قصف منصة غاز من الجانب الإسرائيلي، ورد إيران بضرب مصفاة في حيفا، يمثلان مؤشرات أولية على احتمال اندلاع ما وصفها بـ”حرب الأصول الاستراتيجية”، التي تتحول فيها منشآت النفط والغاز إلى أهداف عسكرية، مع ما لذلك من تداعيات على الإمدادات وأسواق الطاقة.

وأضاف أن "أمن الطاقة العالمي سيكون أول المتضررين"، لافتاً إلى أن "مضيق هرمز، الذي تسيطر عليه ايران جغرافياً، تمر عبره أكثر من ربع صادرات النفط العالمية"، منوها بأن أي "تهديد فعلي لهذا الممر الحيوي — سواء عبر اغلاقه او من خلال القصف المباشر أو زرع ألغام بحرية — سيؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط، قد يصل إلى 130 دولاراً للبرميل في سيناريو التعطيل الجزئي للملاحة".

وأشار إلى أن هذه الزيادة في الأسعار "ستضغط بشدة على اقتصادات الدول المستوردة، لاسيما في آسيا وأوروبا، وتدفع باتجاه موجة تضخم عالمي جديدة".

ونبه أيضا الى أن التداعيات ستصل الى سلاسل الامداد، التي ستتأثر في قطاعات النقل والصناعة الثقيلة، بسبب ارتفاع تكاليف الوقود، ما يؤدي إلى انخفاض القدرة الشرائية وتباطؤ في النمو قد يبلغ حد الركود إذا طال أمد الصراع".

وذكر السعدي، أن دول الخليج "لن تكون في مأمن، رغم بعدها النسبي عن ساحة المواجهة، حيث تبقى منشآت الطاقة فيها عرضة لهجمات صاروخية أو سيبرانية محتملة، ما يعمّق أزمة الإمدادات".

أما العراق، فرأى السعدي أن تداعيات النزاع عليه ستكون ذات وجهين: "فمن جهة، قد يستفيد من ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير، لكنه بالمقابل سيكون في وضع حرج إذا أُغلقت المضائق أو تعطلت خطوط التصدير، خصوصاً مع استمرار توقف خط جيهان، واعتماده الكامل حالياً على الخليج كمنفذ وحيد".

واختتم السعدي حديثه بالقول: إن "تطور النزاع إلى حرب طاقة شاملة لن يبقى محصوراً في بعده الأمني أو الجيوسياسي، بل سيتحول إلى صدمة اقتصادية عالمية، قد تكون أعمق من تلك التي شهدها العالم عقب الحرب في أوكرانيا، مع تغييرات محتملة في خارطة التحالفات ومراكز النفوذ الاقتصادي".

عرض مقالات: