عقد الحزب الشيوعي الكردستاني – العراق مؤتمره الثامن في دهوك للفترة من 18 – 21 حزيران 2025.
حضر اعمال المؤتمر الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، والرفيق بسام محي، نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب.
وفي جلسة الافتتاح للمؤتمر، القى الرفيق فهمي، كلمة الحزب وجاء فيها:
الرفيقات والرفاق الأعزاء أعضاء المؤتمر
الضيوف الكرام
أتوجه اليكم باسمي وباسم رفاقكم في اللجنة المركزية للحزب بالتحيات النضالية للمؤتمر ومندوبيه، ومن خلالهم إلى جميع الرفيقات والرفاق أعضاء الحزب وأصدقائه وهم يخوضون النضال في مختلف الساحات دفاعا عن حقوق ومصالح الشغيلة وعموم أبناء شعب كردستان وعن تطلعاتهم إلى مستقبل أفضل.
نحن نولي اهتماما كبيرا لأعمال المؤتمر ووثائقه ومناقشاته، متمنين له النجاح والخروج بنتائج تعزز عمل الحزب الشيوعي الكردستاني ووحدتَه ومكانتَه ودورَه النضالي في الحياة السياسية والاجتماعية في الإقليم، وذلك من مواقع الرفقة النضالية الطويلة للشيوعيين على مدى عقود في إطار الحزب الشيوعي العراقي، والتي تتواصل اليوم من خلال العلاقات الوثيقة بين حزبينا على قاعدة منهجنا وإرثنا المشترك واهدافنا وتطلعاتنا الراهنة والمستقبلية.
لقد لعب الشيوعيون دورا رياديا في النضال الوطني والطبقي منذ بدايات تأسيس الدولة العراقية، وفي الدفاع عن الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي وفي دعم حركته التحررية، وخوض الكفاح المشتركة ضد الأنظمة المعادية للديمقراطية التي تعاقبت على الحكم، ومن أجل الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي ومن ثم الفدرالية لكردستان.
وكان للشيوعيين ونضالٍهم الفكري والسياسي دورٌ رئيس في النضال ضد التمييز القومي، والتصدي للأفكار والممارسات الشوفينية، كما خاض الشيوعيون الكفاح المسلح في إطار الحركة الأنصارية الباسلة حيث سالت على ارض كردستان دماء الشيوعيين الزكية، عربا وكردا ومن سائر أطياف الشعب العراقي. ولعب هذا النضال المشترك، وتضامن الحركة الوطنية الديمقراطية العراقية مع الحركة القومية التحررية للشعب الكردي، دورا أساسيا في تحقيق المنجزات على طريق تقرير الشعب الكردي لمصيره في الظروف الملموسة للعراق، والتي مرت بمراحل مختلفة وصولا إلى الفدرالية.
الرفيقات والرفاق الأعزاء
ينعقد مؤتمركم في ظروف دولية وإقليمية بالغة الدقة والخطورة. فمنطقة الشرق الأوسط تمر بتحولات عميقة وأوضاعا متأزمة، وتشهد أحداثا وتغييرات إقليمية متسارعة تتصدرها حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وسقوط نظام الأسد في سوريا وما تبعه. وقد أدّت هذه التطورات إلى حدوث اختلال كبير في موازين القوى الإقليمية، فيما كثفت الولايات المتحدة وإسرائيل سياساتها من أجل إحداث تغيير عميق في الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط ضمن “مشروع الشرق الأوسط الجديد” الهادف إلى تحقيق الهيمنة السياسية والعسكرية للولايات المتحدة وإسرائيل على المنطقة، ودمج اقتصاداتها بالسوق الرأسمالية العالمي، وفتح أسواقها ومواردها الطبيعية أمام الاستثمارات الخارجية، والأمريكية بشكل خاص.
وفي الأيام الأخيرة شهدت المنطقة تصعيدا شديد الخطورة بشن إسرائيل هجوما عسكريا واسع النطاق على إيران في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية. ومرّت عدة أيام على العمليات العسكرية وهي في تصاعد مستمر ما يزيد من مخاطر توسع نطاقها وانخراط قوى أخرى فيها.
ونرى ضرورة قيام الحكومة العراقية بواجبها الوطني في تجنيب شعبنا ووطننا أية تداعيات محتملة، والدفاع عن مصالح الوطن وحمايتها، وتمتين عوامل ومستلزمات التماسك الوطني الداخلي ومقومات سيادة البلاد ووحدة قرارها الوطني المستقل.
وعلى الصعيد الداخلي، تعاني البلاد من آثار ونتائج الأزمة البنيوية لمنظومة الحكم القائمة على نهج المحاصصة، المتمثلة بالفشل في بناء دولة مواطنة ومؤسسات، واستشراء الفساد في مفاصل الدولة بحيث أصبح جزءا من تكوينها. وترتب على ذلك الفشل في توفير الخدمات الأساسية وفي تحقيق التنمية الاقتصادية، وفي إيجاد حلول مستدامة لمشاكل البلاد، ما يتسبب في معاناة متنامية لأوسع القطاعات الشعبية.
وتؤكد تجربة السنوات الماضية، إنه لا يمكن النظر للأوضاع في الإقليم بعيدا عن أوضاع البلد ككل، برغم هامش الاستقلالية الكبير الذي يتمتع به الإقليم.
كما تؤكد ضرورة إدراك التلازم ما بين الأوضاع في الإقليم وتطور الأوضاع على صعيد العراق ككل. فأي محاولة للحكومة الاتحادية لمعالجة أزمات البلاد على حساب الإقليم، وكذلك توقع تحقيق تقدم ونجاحات راسخة في الإقليم في أجواء عدم ثقة مع الحكومة الاتحادية، سوف تلحق الضرر بجميع الأطراف وتنعكس سلبا على أوضاع الشعب في الإقليم، وفي العراق ككل.
فأي تقدم يحدث في الإقليم هو رافعة، أو ينبغي أن يكون كذلك، لتعزيز الوضع على المستوى الاتحادي، كما يصح ذلك في الحالة المعاكسة.
إلاّ أن العلاقة بين بغداد وأربيل قد اتسمت بالتوتر الدائم والتفاوض غير المثمر، حيث لا تزال الملفات الجوهرية العالقة بين الطرفين بلا حسم حقيقي. ومنها ملف رواتب موظفي الإقليم الذي تحول إلى ورقة ابتزاز، يُستخدم فيها الموظف كرهينة في صراع سياسي مفتوح!
ومن المؤسف أنه بعد مرور أكثر من نصف عام على الانتخابات البرلمانية في الإقليم، لا تزال مؤسسات السلطة في حالة شبه شلل كامل. ويبدو أن الانقسام بين القوى السياسية النافذة في الإقليم لا يتعلق فقط بتوزيع المناصب، بل يمتد إلى الرؤية السياسية لهوية الإقليم ومستقبله، ولعلاقته ببغداد وبالإقليم المحيط.
وتلقي كل هذه التطورات بتداعياتها السلبية على الظروف المعيشية لقطاعات شعبية واسعة في الإقليم، ولاسيما في أوساط ذوي الدخل المحدود وعموم الشغيلة والكادحين، والتي اشتدت معاناتها بسبب تدهور أوضاعها.
وارتباطاً بكل تلك التطورات، يجدد حزبنا الشيوعي العراقي دعوته الى القوى الكردستانية للعمل سريعا على تشكيل حكومة الإقليم وفق برنامج ينسجم مع التحديات التي يواجهها. كما آن الأوان أن تتعامل الدولة العراقية – بكل مكوناتها – مع العلاقة بين بغداد واربيل كمسألة بناء دولة، لا مجرد تفاهمات سياسية ظرفية. فاستمرار التوتر والجمود في الإقليم، وتصدّع العلاقة مع الحكومة الاتحادية، لا يهددان فقط مستقبل الإقليم، بل مستقبل الدولة العراقية وبناؤها الديمقراطي الاتحادي.
إن تجاوز هذه اللحظة الحرجة يتطلب رؤية جديدة جذرية، من شأنها تحويل العلاقة بين الإقليم والمركز من علاقة شدّ وجذب، إلى علاقة شراكة وطنية حقيقية تُسهم في بناء عراق ديمقراطي اتحادي مزدهر.
إن أمامَ المؤتمر وأعمالِه طائفةً من التحديات السياسية والفكرية والتنظيمية، وهي تواجه الشيوعيين عموما، على صعيد العراق والعالم، بالارتباط مع التغييرات والتحولات والتناقضات والأزمات الناجمة عن العولمة الرأسمالية وعن التطورات المتسارعة على الصعيد العلمي والتكنولوجي، وفي وسائل الاتصال وتناقل المعلومات.
ويجعل كل ذلك من التجديد في الفكر والتنظيم، وفي أساليب العمل، ضرورةً لمواكبة هذه التطورات والتعامل معها بصورة سليمة، استنادا إلى الفكر الماركسي المتجدد ومنهجه العلمي، بعيدا عن الجمود والدوغمائية.
إن طبيعة المهام التي تواجهنا تتطلب تعزيز النضال المشترك للشيوعيين وتمتين الروابط الكفاحية بين الحزب الشيوعي العراقي والحزب الشيوعي الكردستاني وتطويرها، والعمل على بناء الاصطفافات السياسية التي توحد عمل القوى المدنية والوطنية الديمقراطية واليسارية من اجل الدفاع عن مصالح الشعب وكادحيه، وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما ينبغي العمل على تقوية وتطوير العلاقة مع الأحزاب الشيوعية والقوى التقدمية في المنطقة والعالم وتوثيق أواصر التضامن ما بينها.
المجد والخلود للشهداء الابرار
النجاح للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي الكردستاني
معا في نضالنا من أجل الحريات الديمقراطية والسلام والتقدم والعدالة الاجتماعية