اخر الاخبار

كشف إعلان استقالة ستة من القضاة الأعضاء الأصليين وثلاثة من الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا، خلال الأيام الماضية عن حجم الخلافات العميقة بين السلطات في العراق.

فهذا الحدث الذي لم يكن متوقعاً، رغم ان بوادره ظهرت قبل شهور، يعد غير مسبوق في أعلى هيئة دستورية في البلاد، لكنه اعاد الحديث الى السطح من جديد عن الخلافات الحادة داخل المؤسسة القضائية، والضغوط الناجمة عن صراعات بين السلطات الثلاث.

امتداد لازمات متراكمة

يقول الباحث والأكاديمي د. غالب الدعمي إن الأسباب الدقيقة وراء الاستقالات الجماعية في المحكمة الاتحادية العليا لم تُعلن بشكل رسمي حتى الآن، إلا أن رسالة رئيس المحكمة إلى البرلمان العراقي ألمحت بوضوح إلى وجود خلافات داخل المؤسسة القضائية.

ويضيف الدعمي في حديثه لـ"طريق الشعب"، أن "بعض التقديرات تربط الاستقالات بتفرد رئيس المحكمة الاتحادية في اتخاذ القرارات، وقيامه بإبداء الرأي في قضايا تشريعية بصورة مخالفة للدستور وقانون المحكمة نفسه، ما أثار تحفظات داخلية".

ويجد الدعمي أن هذا السلوك "دفع بعض القضاة، إلى تقديم استقالاتهم، الأمر الذي أدى فعليًا إلى شلل المحكمة".

ويشير الدعمي إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تصاعداً في حدة التباين بالمواقف بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، إذ قامت محكمة التمييز الاتحادية بنقض العديد من القرارات التي أصدرتها المحكمة الاتحادية، في مؤشر واضح على وجود اختلافات جوهرية في التفسير القانوني".

ويحذّر الدعمي من أن "تداعيات هذا ستؤثر على المصادقة على نتائج الانتخابات المقبلة"، معتبراً أن "ما يجري اليوم هو امتداد لأزمات متراكمة، قد تتبعها أزمات أخرى أكثر تعقيداً".

مستشار السوداني مع تعديل الدستور

وبخلاف ما ذهب اليه الدعمي، فان مستشار رئيس الوزراء للشؤون الدستورية حسن الياسري، استبعد تأثير استقالة أعضاء المحكمة الاتحادية على إجراء الانتخابات النيابية.

وقال الياسري، أنه "لا تأثير مباشراً لاستقالة أعضاء المحكمة الاتحادية العليا، كلهم أو بعضهم، في إجراء الانتخابات النيابية المقبلة، إذ يمكن إجراؤها من الناحية الدستورية المجردة في وقتها المحدد، ولا طعن في شرعيتها"، مردفا أن "ثمة تأثيراً غير مباشر لهذه الاستقالة، يتمثل بضرورة المصادقة على نتائج الانتخابات النهائية من قبل المحكمة، ما يفضي بالضرورة إلى القول بصحة إجراء الانتخابات المقبلة من جهة، وتعليق العمل بها لحين المصادقة عليها من قبل المحكمة من جهة أخرى، ولا تنافي بين الأمرين".

وأضاف، "نجدد الدعوة لتعديل الدستور مستقبلا وإلغاء النص الدستوري المتعلق بوجوب مصادقة المحكمة على نتائج الانتخابات، إذ لا فائدة من هذه المصادقة لسببين: أولهما فهو لكون المصادقة شكلية لا تنصرف إلى المضمون. وأما الآخر فهو لكون المفوضية العليا للانتخابات تتمتع بالاستقلالية التامة، وهي تستعين بلجان قضائية في عملها، سواء على مستوى الإشراف أو على مستوى الطعون الانتخابية"، مؤكدا أنه "لا تأثير لهذه الاستقالة، مباشراً أو غير مباشر، في بقاء الحكومة وشرعيتها أو في استمرار عمل مجلس النواب وشرعيته".

وبيّن أن "بالإمكان الخروج من هذا المأزق وحل المشكلة عبر آليات ثلاث: الأولى تتمثل برجوع المستقيلين عن استقالتهم. والثانية تتمثل باستقالة الأعضاء الآخرين، لغرض تنفيذ المادة الأولى من قانون تعديل قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 25 لسنة 2021، التي تنظم آلية اختيار أعضاء المحكمة، بغية اختيار أعضاء جدد للمحكمة. مع التنويه بأن لا مانع من تجديد عضوية البعض في المحكمة الجديدة. والثالثة تتمثل بقيام مجلس النواب بتعديل القانون المذكور آنفاً، بغية إعادة تأليف المحكمة من جديد.

مناكفات بين جميع السلطات

من جانبه، عّد المراقب للشأن السياسي جعفر الكعبي، استقالة هؤلاء القضاة سابقة خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ القضاء العراقي الحديث.

وقال الكعبي لـ"طريق الشعب"، أن "تتبع تسلسل الأحداث خلال العام الأخير، يكشف عن مناكفات متكررة بين المحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز، وكذلك بين المحكمة والسلطتين التشريعية والتنفيذية، لا سيما بشأن تفسير القوانين والصلاحيات المتداخلة".

وأضاف ان هذا الصراع انعكس سلباً، على أداء المحكمة وأدى في نهاية المطاف إلى حدوث هذه الاستقالات الجماعية، مشيرا إلى أن المحكمة الاتحادية، وفق الدستور العراقي النافذ وقانونها الخاص "تضطلع بمهام حساسة تشمل الرقابة الدستورية على القوانين، تفسير النصوص الدستورية، الفصل في النزاعات بين السلطات، البت في الاتهامات الموجهة لرئيسي الجمهورية والوزراء، والبت في الطعون النيابية، فضلاً عن الفصل في التنازع بين الحكومة الاتحادية والإقليم".

ويؤكد أن غياب هذه المحكمة يخلق فراغاً دستورياً خطيراً قد يهدد مسار الدولة.

ويعتقد الكعبي أن الاستقالات جاءت نتيجة "تقاطعات كبيرة حول قضايا تمس اختصاص المحكمة، وعلى رأسها قضية خور عبد الله، وما أثارته من توتر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية من جهة، وداخل المحكمة الاتحادية من جهة أخرى"، معتبراً أن "هذه القضية تمثل السبب الأقوى بين مجموعة الأسباب".

ويلفت الكعبي الى أن رئيس المحكمة الاتحادية طلب لقاءً مع عدد من القادة السياسيين المؤثرين، إلا أن كثيراً منهم اعتذر".

ويلمح الى ان" المحكمة وقعت في خطأ بإقحام نفسها في هذا المسار، فهي تمثل أعلى سلطة قضائية في البلاد، وكان الأولى بها الحفاظ على مبدأ الفصل بين السلطات، إذ لا سلطان على القضاء سوى القانون”.

ويخلص الى أن ما يحدث حالياً "يمس جوهر دور المحكمة الاتحادية ومكانتها الدستورية كضامن للتوازن بين السلطات"، محذراً من أن "استمرار هذا الانقسام المؤسسي قد ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي والقانوني في البلاد".

لقاء مرتقب يجمع السلطات الثلاث

وكشف النائب عن اللجنة القانونية محمد عنوز، أن رئيس المحكمة الاتحادية طلب عقد لقاء موسع يضم السلطات الثلاث من أجل حل الإشكاليات التي تواجه عمل المحكمة، خاصة بعد استقالة الأعضاء بسبب الضغوط بشأن العديد من الدعاوى، ومنها دعوى اتفاقية خور عبد الله.

وقال عنوز إن "الوضع القضائي في المحكمة الاتحادية غير مستقر"، مؤكدًا أن قرار محكمة التمييز الأخير أثار شكوكًا كبيرة، ويعكس أزمة أعمق في بنية النظام السياسي العراقي، ما يجعل إقرار قانون المحكمة الاتحادية، الذي ظل معلقًا منذ إعلان الدستور، أمرًا ملحًا لا يمكن تأجيله".

عرض مقالات: