اخر الاخبار

يرى مراقبون أن تدخل الولايات المتحدة المباشر في استهداف المنشآت النووية الإيرانية لا يمثّل فقط تصعيداً عسكرياً، بل يحمل تداعيات استراتيجية واسعة على السلم الإقليمي والدولي. فهذه الخطوة قد تعيد ترتيب الأولويات الأمنية في الشرق الأوسط، وتدخل واشنطن في مواجهات مباشرة، وتزيد من احتمالات اندلاع حرب إقليمية متعددة الأطراف.

كما أن تصعيداً من هذا النوع قد ينعكس على أسواق الطاقة، ويُربك ممرات التجارة العالمية، لا سيما إذا ما قررت إيران استخدام أوراقها في مضيق هرمز أو عبر تدخل حلفائها في اليمن ولبنان والعراق وسوريا. وهذه التطورات يمكن ان تفضي الى المزيد من التوترات في العلاقات الدولية، وقد تجد روسيا والصين في هذا التوتر فرصة لتعزيز اصطفافات جديدة تُضعف الهيمنة الأميركية، وتفتح المجال أمام مزيد من الانقسام في النظام الدولي.

وبالتالي فان سياسات إدارة ترامب الهادفة إلى فرض الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة ضمن "مشروع الشرق الأوسط الجديد"، تهدد السلام الاقليمي والعالمي بمخاطر جسيمة غير مسبوقة، خاصة مع استمرار دعم واشنطن اللامحدود للكيان الصهيوني.

تفويض مفتوح لإسرائيل

ووصف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق سلم علي، الهجوم الأميركي الأخير على المنشآت النووية الإيرانية بأنه "تطور بالغ الخطورة في سياق الحرب والمواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران، والتي تصاعدت منذ العدوان الإسرائيلي على طهران في حزيران الجاري".

وقال علي في حديث لـ"طريق الشغب"، إن "خطورة هذا التطور تكمن في دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على خط المواجهة، من خلال استهداف منشآت نووية إيرانية استراتيجية، لا سيما الموقع المحصن في فوردو، ما يُعد انحيازاً كاملاً من قبل واشنطن، وتحديداً إدارة ترامب، لصالح إسرائيل ونظام نتنياهو، تحت ذريعة منع امتلاك إيران للسلاح النووي”.

وأضاف أن “هذا الهجوم جاء في أعقاب فشل القوات الإسرائيلية في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ما دفع الإدارة الأميركية إلى التدخل العسكري المباشر، وهو ما يُعد تفويضاً مفتوحاً لإسرائيل لتفعل ما تشاء، في التوقيت والطريقة التي تختارها، دون رادع أو محاسبة”.

وأكد علي أن “هذا الدعم الأميركي غير المسبوق لإسرائيل، يكشف عمق التبعية بين الجانبين، حيث تُعد إسرائيل في نظر الكثيرين الولاية الأميركية الحادية والخمسين، وهو ما يعكس الارتباط العضوي بين مشروع الهيمنة الأميركية في المنطقة واستراتيجيات الأمن القومي الأميركي”.

وأشار إلى أن “ما يجري في الشرق الأوسط يجب أن يُفهم في سياق السياسة الخارجية والعسكرية التي تتبعها إدارة ترامب، لا سيما في إطار استعدادها لمواجهة دولية محتملة مع الصين. فبسط السيطرة على الشرق الأوسط يمثل جزءاً من مشروع (الشرق الأوسط الجديد)، الذي تعمل عليه الإدارات الأميركية المتعاقبة، والهادف إلى بناء تحالف أمني –عسكري – اقتصادي تتولى إسرائيل قيادته، مع ضمان تفوقها المطلق عسكرياً، ودعمها اقتصادياً من قبل أنظمة الخليج”.

ازدواجية واضحة في المعايير

وتابع عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي: ان “الاتفاقات الإبراهيمية، وما سبقها من خطوات تطبيعية، تندرج جميعها ضمن هذا المشروع، وقد كانت السعودية بصدد الالتحاق بهذا التحالف قبل اندلاع حرب السابع من أكتوبر2023”.

وعن المواقف الدولية، قال علي: “ما عبّرت عنه الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية من مخاوف وتحذيرات، يعكس القلق من تداعيات هذا التصعيد. اضافة الى ان بعض الدول ـ رغم كون بعضها حليفاً تقليدياً لواشنطن ـ تطالب بالتهدئة والعودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن، وكما هو معتاد، نشهد ازدواجية واضحة في المعايير، خاصة حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية”.

وأشار الى ان “الشعب الفلسطيني يعاني من حرب إبادة ومحاولة لتصفية قضيته. والمطلوب اليوم ليس فقط بيانات إدانة، بل خطوات ملموسة، في مقدمتها الاعتراف بدولة فلسطين من قبل المجتمع الدولي والدول الكبرى مثل الصين وروسيا".

واختتم الرفيق علي تصريحه قائلاً: “من الصعب التنبؤ بعواقب العدوان الأميركي على إيران، أو برد الفعل المحتمل من طهران أو القوى والتنظيمات المرتبطة بها، والتي أظهرت حتى الآن مستوىً غير مسبوق من الانضباط. لكن تبقى احتمالات تنفيذ عمليات تستهدف قواعد أميركية قائمة. وأي خطأ في الحسابات قد يقود إلى تصعيد كارثي، يُشعل حرباً مدمرة تجرّ المنطقة بأكملها إلى الفوضى، وتمثل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن العالمي، وليس الإقليمي فقط، وهو ما تحذر منه اليوم كل القوى المحبة للسلام في العالم”.

تحول نوعي في طبيعة الصراع

أما الباحث في الشأن السياسي د. مجاشع التميمي فقد حذر من أن دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة بين إسرائيل وإيران، عبر مشاركتها في ضرب منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان، يُشكّل تحولاً نوعياً في طبيعة الصراع، ويمثّل تجاوزاً واضحاً للخطوط الحمراء التي رسمتها طهران على مدى السنوات الماضية.

وقال التميمي لـ"طريق الشعب"، إن هذا التطور “ينذر بتوسّع إقليمي خطير، ويضع إيران أمام معادلة دقيقة: استعادة الردع عبر ردّ موجع، من دون الانجرار إلى حرب شاملة قد تفتح أبواب المجهول في المنطقة”.

وأضاف أن الرد الإيراني المرجح قد يتخذ طابعاً مزدوجاً، من خلال تنفيذ ضربات دقيقة ضد قواعد أميركية أو إسرائيلية في المنطقة، إلى جانب احتمالية تدخل الفصائل المرتبطة بها ضمن نمط “الحرب بالوكالة”، دون تبنٍّ مباشر لتلك الهجمات.

وأشار إلى أن العراق سيكون من أكثر الدول تأثراً بهذا التصعيد، نظراً لوجود فصائل مسلحة، تجعل من الساحة العراقية مرشحة لمزيد من التوتر في حال استمرار العدوان على إيران.

ولفت التميمي الى انه "بينما تسعى الحكومة إلى الحفاظ على موقف محايد ومنع انزلاق البلاد إلى دائرة الاشتباك، فإن بعض الفصائل قد تلجأ إلى تحركات رمزية إذا طال أمد القتال أو تطورت الهجمات".

وخلص الى ان “الدعم العراقي الرسمي لإيران سيأخذ طابعاً سياسياً وشعبياً في الغالب، مع إمكانية تحركات محدودة لبعض الفصائل، بهدف توجيه رسائل دون الانخراط في مواجهة واسعة على الصعيد غير الرسمي".

من جهته، قال الكاتب المختص في العلاقات الدولية حسين شعيتو، أن "المنطقة على شفا حرب كبيرة خصوصاً بعد التدخل المحدود للجيش الأمريكي في الحرب الإسرائيلية ضد إيران، كي تظهر واشنطن للمجتمع الأمريكي والرأي العام بأنها تدخلت للحد من التخصيب الإيراني، لكنها حرصت على عدم تدمير هذه المنشآت لتجنب الذهاب لمرحلة اللاعودة".

وأضاف شعيتو أن "الجانب الأمريكي يعتقد أن إيران بهذا الاستهداف المحدود قد تذهب إلى التهدئة بعد أن ترد بشكل محدود، لذلك من المتوقع أن ترد إيران على هذه الضربة سواء على القطع البحرية في الخليج، أو على قاعدة أمريكية في إحدى الدول، وعلى إثر حجم الرد الإيراني، سيتقرر التصعيد من عدمه".

عرض مقالات: