دعت هيئة النزاهة الاتحادية، يوم امس، إلى تأليف لجنة عليا تتولى مهام الإشراف والمراقبة على تنفيذ مشاريع "مترو بغداد"، و"مدينة الصدر الجديدة"، و"الخارطة الأساسية لمدينة بغداد"، مؤكدة أهمية تحديد سقوف زمنية واضحة لإنجاز تلك المشاريع، والتعامل بفعالية مع المعيقات التي تؤخر تنفيذها.
وذكرت الهيئة في تقرير موسع اطلعت عليه "طريق الشعب"، أن فريقاً من دائرة الوقاية أجرى زيارات ميدانية إلى وزارات التخطيط، والإعمار والإسكان والبلديات، إضافة إلى أمانة بغداد، للاطلاع على واقع هذه المشاريع الحيوية، التي تستهدف تطوير البنية التحتية وتعزيز منظومة النقل العام والخدمات في العاصمة.
تأخر في التنفيذ
وأشار تقرير الهيئة إلى أن العمل لم يُباشر فعلياً حتى الآن في مشروعي "مترو بغداد" و"الخارطة الأساسية"، بينما لا يزال مشروع "مدينة الصدر الجديدة" غير مكتمل الإجراءات، على الرغم من إحالة تنفيذه إلى شركة صينية حكومية متخصصة. وبحسب التقرير، فإن مشروع "مترو بغداد" لا يزال قيد الدراسة، ولم يُدرج ضمن الموازنة الاستثمارية لأمانة بغداد، حيث ما زالت وثائق المستثمرين قيد التدقيق لدى البنك المركزي، ولم تتم المصادقة أو التوصية بالإحالة إلى أي جهة استثمارية حتى الآن.
وأوضح التقرير أن مجلس الوزراء وافق على إدراج مشروع إعداد الدراسات والتصاميم ضمن موازنة عام 2023 بكلفة تجاوزت 913 مليار دينار، على أن يتحمل المستثمر كامل كلفة التنفيذ. كما تم إدراج الخدمات الاستشارية ضمن موازنة عام 2024 بكلفة 451 مليار دينار، تشمل تقييم المستثمرين والإشراف على التنفيذ. وكان مستشار رئيس الوزراء لشؤون النقل، ناصر الأسدي، أعلن أن الحكومة تعمل على إعادة تقييم المعايير المالية والفنية بشأن مشروع مترو بغداد، مؤكدًا أن المشروع سيُنفذ وفق أعلى المواصفات العالمية.
وقال الأسدي في تصريح أخير، إن "مشروع مترو بغداد لا يزال قائمًا وتحت الدراسة، والحكومة تعمل على إعادة تقييم المعايير المالية والفنية لضمان تنفيذه بطريقة صحيحة وممولة وفق رؤية اقتصادية دقيقة".
وأضاف أن "مشروع مترو بغداد طُرح أمام التحالفات والشركات للاستثمار والتنفيذ، وقد جرت مراجعة دقيقة للوثائق الفنية والمالية الخاصة بالشركات المتقدمة"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع". وأوضح أن "الوثائق الفنية أظهرت وجود شركات ممتازة وذات كفاءة، لكن من الناحية المالية لم تكن معظم العروض بالمستوى المطلوب، ولم تمنحنا ثقة كافية للمضي بالتعاقد معها". وقال إنه "تم إعادة تقييم المعايير المعتمدة، وطرح آليات جديدة لتنفيذ المشروع بما يضمن أفضل صيغة عملية ومالية"، وتابع: "مترو بغداد هو مشروع حساس ومرتبط مباشرة بحركة المواطنين وتنقلاتهم اليومية، ويجب أن يُنفذ ويُموّل بشكل سليم ومدروس".
وأوضح الأسدي أن "الباب لا يزال مفتوحًا أمام جميع الشركات الكبرى الراغبة في التقديم للمشاركة في تنفيذ المشروع"، مشيرًا إلى أن "التكلفة التقديرية لإنجاز المترو تعتمد على المواصفات التي يقدمها المستثمر أو الشركات المتقدمة".
مشروع الخارطة الأساسية
ودعت الهيئة إلى الإسراع بتنفيذ "الخارطة الأساسية الرقمية لمدينة بغداد"، لما لها من أهمية استراتيجية في دعم مشروعي المترو والبنى التحتية. وأوضحت أن المشروع يهدف لإنشاء قاعدة بيانات هندسية دقيقة وشاملة للمدينة، من خلال استخدام تقنيات المسح الجوي والطوبوغرافي المتقدمة، إلا أن تنفيذه تعطل منذ 2013 نتيجة الحرب على الإرهاب.
ورغم إدراج المشروع في موازنة 2025 بكلفة تجاوزت 37 مليار دينار، إلا أن التنفيذ الفعلي لم يبدأ بعد، ما يستدعي — بحسب الهيئة — تجاوز المعوقات الفنية والإدارية والإسراع بالإجراءات.
مدينة الصدر الجديدة
وفي ما يخص "مشروع مدينة الصدر الجديدة"، الذي يضم 11 ألف وحدة سكنية، أوصى التقرير بالإسراع في استكمال مراحل إنجازه، باعتباره مشروعاً استراتيجياً يهدف إلى التخفيف من أزمة السكن وتحفيز التنمية المستدامة وخلق فرص عمل. وأشار التقرير إلى أنه تم التعاقد مع ائتلاف من الشركات الاستشارية بقيمة 10.5 مليار دينار، وإدراج مكون إعداد التصاميم بكلفة تجاوزت 11.9 مليار دينار، إضافة إلى إنجاز المسح الطوبوغرافي من قبل الهيئة العامة للمساحة، وإجراء فحوصات التربة من قبل المركز الوطني للمختبرات الإنشائية.
وشددت الهيئة على ضرورة التنسيق الكامل بين الجهات ذات العلاقة، لتلافي التداخل والازدواجية، وترشيد الإنفاق، وضمان تنفيذ سريع وفعّال للمشاريع وفق جداول زمنية واضحة. كما حذّرت من أن التأخر في إنجاز هذه المشاريع، رغم تخصيص المبالغ اللازمة لها، يعكس خللاً في آليات التخطيط والتنفيذ، ويهدد بتكرار سيناريوهات تلكؤ سابقة لمشاريع استراتيجية. وفي 25 حزيران المنصرم، أعلن رئيس مجلس المضي قدمًا في تنفيذ مشروع مدينة الصدر الجديدة، مؤكداً على ضرورة تنفيذ مكونات المشروع السكنية والخدمية بالتوازي مع البنى التحتية، بهدف ضمان تكامل التنفيذ وتحقيق نقلة عمرانية مدروسة في العاصمة بغداد.
ويمثّل مشروع مدينة الصدر الجديدة خطوة طموحة ضمن استراتيجية الحكومة العراقية لمعالجة أزمة السكن المزمنة في بغداد، وتوسيع نطاق التخطيط الحضري المنظّم، ويضم المشروع في مرحلته الأولى ما مجموعه 11 ألف وحدة سكنية، تم تصميمها وفق نموذج اقتصادي ومعماري يوازن بين الحداثة والكفاءة، مع مراعاة احتياجات شرائح المجتمع المختلفة.