أثار تصنيف عدد من الجامعات العراقية ضمن ما يُعرف بـ"المؤشر الأحمر" في النزاهة الأكاديمية، جدلاً واسعاً بين اوساط تعليمية وإعلامية، وسط تضارب المعلومات حول طبيعة هذا التصنيف ومصداقيته.
ورغم التشكيك بموثوقية التصنيف المتداول، إلا أن الجدل الذي أثاره "المقال الأكاديمي" فتح الباب واسعاً للحديث عن التحديات التي تواجه قطاع التعليم العالي في العراق، والمتعلقة بضعف البنية البحثية، وانتشار حالات البحوث المفبركة، وغياب المعايير الحقيقية في النشر والترقية.
التعليم العالي توضح..
المتحدث باسم وزارة التعليم العالي، حيدر العبودي، نفى بشكل قاطع وجود أي تصنيف رسمي من جهة دولية معترف بها يضع الجامعات العراقية ضمن "قائمة حمراء"، موضحاً أن المقالة التي جرى تداولها على نطاق واسع "لم تصدر عن مؤسسة تصنيفية دولية، ولا تستند إلى معايير علمية معتمدة".
وأكد العبودي في تصريح تابعته "طريق الشعب"، أن "الوزارة لم تُشكل أي لجنة متابعة بشأن هذا الموضوع، لأنه ببساطة لا يمثل أي جهة اعتماد أكاديمية رسمية".
وأشار إلى أن الجامعات العراقية تمتلك رصيدًا معتمدًا وموثقًا في منصات النشر العالمية، ولديها شراكات علمية فاعلة، وأن ما يُنشر من اتهامات غير مدعومة بالحقائق يُسهم في الإساءة المجانية إلى التعليم العالي.
فلاح المشعل يستدرك..
من جانبه، قدّم الكاتب والصحفي فلاح المشعل توضيحًا لما نشره سابقًا بشأن التصنيف، مؤكدًا أنه "اعتمد على ما بدا له حينها مصادر أكاديمية موثوقة"، إلا أنه تواصل مع شخصيات أكاديمية من بريطانيا وأمريكا، وكشفت له أن ما يُسمى بـ"مؤشر المنطقة الحمراء" ليس سوى ورقة رأي أعدها اكاديمي يشتغل في الجامعة الأمريكية في بيروت.
وقال المشعل في توضيحه، ان "المؤشر الذي بُني عليه المقال غير رسمي، ولا يحمل صفة تصنيفية دولية، كما أن بعض المؤشرات المستخدمة مثل عدد البحوث المسحوبة لا تكفي لبناء حكم شامل أو لتوجيه اتهامات منهجية إلى الجامعات".
واردف بالقول: "هناك مشاكل في منظومة التعليم العالي، وبعض الممارسات غير المقبولة، لكن لا يمكن بناء حملة تشويه ضد مؤسساتنا الأكاديمية، في وقت ما زالت تستقطب أكثر من ألفي طالب عربي وأجنبي، وهذا مؤشر مهم على جودة التعليم فيها".
ورغم أن المقال المتداول لا يُعد تصنيفًا رسميًا، إلا أنه أثار اهتمامًا شعبيًا وأكاديميًا متزايدًا بضرورة إصلاح بيئة التعليم العالي، وتطوير منظومة البحث العلمي، وتحصينها من الممارسات السلبية.
تحصين البيئة الأكاديمية
وقال أستاذ العلوم السياسية الدكتور عامر حسن فياض في حديث مع "طريق الشعب" إن أي بلد يُقاس تقدمه من خلال ثلاث قلاع مركزية: بيت الإيمان، وبيت العلم، وبيت العدالة، وإن انهيار إحداها يعني أن الدولة في مأزق تنموي حقيقي.
وشدد فياض على أن الإصلاح الحقيقي للجامعات لا يكون عبر حملات تشهير إعلامي، بل من خلال تحصين البيئة الأكاديمية، وضمان استقلال الجامعات، وإبعادها عن المحاصصة والضغوط السياسية.
نتيجة متوقعة
من جهته، قال سكرتير اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق، أيوب عبد الحسين، إن تصنيف الجامعات العراقية ضمن المؤشرات الحمراء والخطر العالي في النزاهة الأكاديمية، سوى صحّ ذلك أم لا، لم يكن مفاجئاً، بل هو نتيجة طبيعية لانهيار متراكم في بيئة البحث العلمي وغياب أسس الحوكمة الجامعية الرصينة.
وأضاف ان أثارة الموضوع لم يُفاجئ كل من يراقب المشهد التعليمي العراقي عن كثب. نحن لا نتحدث هنا عن أزمة طارئة أو استثنائية، انما عن نتيجة طبيعية ومتوقعة لغياب منظومات الضبط الأكاديمي داخل الجامعات العراقية، وسوء إدارة العملية البحثية، بدءًا من مرحلة اختيار موضوعات الرسائل والأطاريح، وانتهاءً بطريقة النشر والتقييم وما ترافق العملية".
وتابع عبد الحسين في حديث مع "طريق الشعب"، أن الخلل في التعليم العالي ليس طارئاً أو سلوكياً محصوراً ببعض الأفراد، بل اصبح بنيويا وهيكليا، بسبب عدم وجود منظومات مؤسسية فاعلة لضمان النزاهة الأكاديمية في الجامعات العراقية، سواء من حيث فحص أصالة البحوث باستخدام أدوات معتمدة دوليًا، أو عبر لجان متخصصة قادرة على التقييم المستقل".
وزاد قائلا ان هناك تركيزا مفرطا على الكم في النشر لأغراض الترقية الأكاديمية، حتى وإن كان ذلك عبر مجلات ضعيفة أو محذوفة من قواعد البيانات العالمية، ما أفقد النشر العلمي معناه، اضافة للتواطؤ غير المعلن في غض النظر عن المخالفات، سواء من قبل بعض أعضاء الهيئة التدريسية أو الإدارات الجامعية، وهو ما جعل الانحراف عن المعايير الأكاديمية أمراً مألوفاً بل ومقبولاً.
وأشار عبد الحسين إلى أن "بيع البحوث الجاهزة، وكتابة الرسائل الأكاديمية في المكاتب التجارية، لم يعد استثناءً، بل تحول إلى سوق موازٍ للتعليم الرسمي"، موضحًا أن بعض الأساتذة المتقاعدين أو المتفرغين باتوا يعملون بشكل شبه علني على إنجاز هذه البحوث مقابل مبالغ مالية.
وأكد أن معالجة هذا التدهور تتطلب ما هو أكبر من بيانات الاستنكار أو “خطط الإصلاح الشكلية”، داعياً إلى ربط النزاهة البحثية بسياسات جامعية صارمة تشمل التقييم المستقل للرسائل والأطاريح، ومراجعة الترقيات العلمية، وإعادة النظر في الشهادات الممنوحة خلال السنوات الأخيرة في ظل ظروف وصفها غير رصينة.