اخر الاخبار

يتصاعد الجدل السياسي والقانوني في العراق بشأن اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله مع الكويت، بعدما أبطلت المحكمة الاتحادية العليا جزءاً من إجراءات تمريرها، مؤكدةً مخالفتها للمسارات الدستورية. ومع هذا التطور، انتقلت الكرة إلى ملعب مجلس النواب، الذي يواجه استحقاقاً وطنياً حساساً يتعلق بالسيادة والمصالح البحرية.

ويتوجب الآن على المؤسسة التشريعية التعامل مع الاتفاقية وفق ما ينص عليه الدستور، لا سيما أن المعاهدات الدولية التي تمس الحدود والسيادة تتطلب آليات تصويت خاصة تضمن شرعية تمريرها.

وكانت الرئاسات الثلاث، عقدت امس الاول الثلاثاء، اجتماعاً تناول موضوع اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله، والتي جرى التصديق عليها من قبل مجلس النواب بموجب القانون (42) لسنة 2013، والذي قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية نصاب تشريعه من الناحية الشكلية بموجب قرارها في الدعوى المرقمة (105/ وموحدتها 194/ اتحادية/ 2023).

واتفقت الرئاسات الثلاث على ضرورة قيام مجلس النواب بحسم الإجراء التشريعي المطلوب، وحسب قرار المحكمة الاتحادية الذي أوجب إعادة تشريع قانون التصديق على الاتفاقية أصولياً. فيما سيقوم كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء بسحب طلب العدول المقدم من كل منهما إلى المحكمة الاتحادية، وذلك لانتفاء الحاجة بعد المضي بالمسار التشريعي.

بانتظار تصويبها برلمانيا

وفي ظل التوترات الإقليمية والضغوط الخليجية والدولية، تتجه الأنظار إلى مجلس النواب باعتباره الجهة المخوّلة بالحسم، وسط دعوات لضمان التعاطي مع هذا الملف الحساس بعيداً عن الحسابات السياسية أو الإملاءات الخارجية.

وفي هذا السياق، قال الخبير في شؤون الحدود والمياه الدولية، جمال الحلبوسي، إن الاتفاقية التي أبطلتها المحكمة الاتحادية العليا بتاريخ 4 أيلول 2023 "لم تمر وفق الإجراءات التشريعية السليمة"، مشدداً على أن المسألة تمثل "شأناً عراقياً داخلياً بحتاً"، ويقع ضمن صلاحيات البرلمان حصراً.

وأضاف الحلبوسي، في تصريح لـ"طريق الشعب"، أن المحكمة "أبطلت الاتفاقية من الناحية التشريعية، بعد أن تبين أن التصويت الذي جرى في البرلمان آنذاك خالف الدستور، حيث تم تمرير الاتفاقية بأغلبية بسيطة (50+1)، بينما كانت تتطلب أغلبية الثلثين وفق الدستور والقرار القضائي".

وأكد أن البرلمان "سيتعامل مع هذا الملف مجدداً ضمن الأطر الدستورية"، مرجحاً أن يتم رفض الاتفاقية بالنظر إلى "ما تضمنته من أخطاء كبيرة"، وموضحاً أنها "استندت إلى بروتوكولات أمنية ملغاة وخرائط غير مُقرة بشكل رسمي من الطرفين"، وهو ما يمثل "خللاً جوهرياً في الصياغة القانونية للاتفاق".

وشدد الحلبوسي على أن "أي كتلة سياسية أو نائب يدعم تمرير الاتفاقية بصيغتها الحالية، يتحمل مسؤولية مباشرة أمام الشعب"، محذراً من أن "تمريرها قد يُعتبر خيانة وطنية وفق نظرة الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني".

وفي ما يخص مواقف دول الخليج، اعتبر الحلبوسي أن "مجلس التعاون الخليجي لا علاقة له بهذا الملف"، داعياً إياه إلى "عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية". كما رفض الربط بين الاتفاقية وقضايا إقليمية مثل مضيق هرمز أو قناة السويس، مؤكداً أن "العراق لا يملك مضيقاً استراتيجياً، ولا يجب الزج به في صراعات إقليمية لا تعنيه".

واختتم الحلبوسي حديثه بالتأكيد على أن "هذا الملف شأن داخلي، ويجب التعاطي معه وفق الدستور العراقي وقرارات المحكمة الاتحادية، دون الخضوع لأي ضغوط خارجية أو حملات تضليل إعلامي".

عقبة دستورية أمام تمرير الاتفاقية

من جانبه، أكد القاضي المتقاعد والنائب السابق، وائل عبد اللطيف، أن تمرير اتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله "يتطلب موافقة ثلثي أعضاء البرلمان"، وفقاً للمادة 61 من الدستور.

وقال عبد اللطيف لـ"طريق الشعب"، إن "النصاب القانوني لتمرير الاتفاقيات والمعاهدات هو ثلثا عدد النواب، أي ما لا يقل عن 220 نائباً من أصل 329، وهو ما لم يتوفر سابقاً"، مضيفاً أن ما جرى آنذاك كان "لعبة سياسية سريعة نسّقها مجلس الوزراء مع الجانب الكويتي بعيداً عن الأطر الدستورية".

وأشار إلى أن الاتفاقية "وُقعت أصلًا في الكويت، ما يعكس خللاً في التوازن السيادي"، مشدداً على أن الكرة الآن في ملعب مجلس النواب، بعد إبطال المحكمة للاتفاقية من الناحية التشريعية.

كما كشف عبد اللطيف عن وجود وثيقة برلمانية موقعة من قبل 95 نائباً يرفضون الاتفاقية، مشيراً إلى أن هذا العدد كافٍ لإجهاض أي محاولة جديدة لتمريرها.

وأردف بالقول: "إذا لم يتوفر نصاب الثلثين، فلن تمر الاتفاقية – لا اليوم ولا مستقبلاً – خصوصاً في ظل ضعف الأداء البرلماني خلال الدورة الخامسة، التي لم تحقق إنجازات تُذكر سوى تكريس الامتيازات".

وحول الضغوط الخليجية والأوروبية، أوضح عبد اللطيف أن "هناك جهات خارجية تمارس ضغوطاً واضحة على العراق، لكن القرار سيادي ويجب أن يستند إلى الدستور العراقي فقط".

وتطرق عبد اللطيف إلى الخلفية التاريخية للنزاع، قائلاً: "كل الخليج الذي يتحدثون عنه اليوم كان تابعاً لولاية البصرة. العراق يملك موانئه منذ 1933، وعندما احتلت إيران خور عبد الله عام 1983، لم يكن للكويت أي سلطة سيادية هناك، بل كانت المنطقة عراقية خالصة".

وأكد أن "التنازل عن شبر واحد من الأراضي أو المياه العراقية أمر مرفوض، والسيادة ليست خاضعة للمساومة، ويجب على البرلمان التعاطي مع هذا الملف بمسؤولية وطنية عالية".

اجتماع أمني لتأمين الملاحة

في تطور ميداني متصل، أعلنت الشركة العامة لموانئ العراق، أمس الأربعاء، عن عقد اجتماع تنسيقي موسع في مقرها بالبصرة، بحضور مدير عام الشركة، وقائد قوات حرس الحدود، وقائد القوة البحرية، والكوادر الفنية من الجهات الثلاث، لبحث آليات تأمين الممرات البحرية الحيوية، خاصة قناة خور عبد الله والمياه الإقليمية.

وقال مدير عام الشركة، فرحان الفرطوسي في بيان صحفي، إن "تأمين الملاحة في خور عبد الله لم يعد مجرد إجراء إداري، بل واجب وطني مرتبط مباشرة بسيادة العراق، وهو خطوة أساسية لتعزيز التجارة وحماية المصالح البحرية".

وأضاف، أن الاجتماع "ناقش تفاصيل تنفيذية تشمل توزيع المسؤوليات، ورفع مستوى المراقبة، وتحديث البنية التحتية الفنية، إضافة إلى وضع خطة لتسيير دوريات بحرية منتظمة، وتثبيت أنظمة رصد متقدمة، وآليات تدخل سريع في حالات الطوارئ".

واختُتم اللقاء بالتأكيد على أهمية استمرار التنسيق المشترك بين المؤسسات البحرية والأمنية، وتفعيل مراكز القيادة والسيطرة، بما يضمن حماية السيادة والمصالح الاستراتيجية للعراق في الخليج العربي.

عرض مقالات: