اخر الاخبار

رغم التحديات الأمنية المعقدة التي تحيط بالعراق، لا تزال المؤسسة العسكرية في البلاد تواجه فجوة واسعة في مجال التكنولوجيا الدفاعية الحديثة؛ ففي الوقت الذي باتت فيه الحروب تُدار باستخدام الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية والتشويش الإلكتروني، يقف العراق متأخراً عن ركب التطور، معتمداً على منظومات تقليدية وتسليح لا يواكب طبيعة التهديدات المتصاعدة.

يقول مختصون ان هذا التراجع سببه القصور في الرؤية الاستراتيجية وغياب الاستثمار الجاد في البنية التحتية العسكرية والصناعات الدفاعية.

الصين وروسيا نموذجاً

تُعد الصين وروسيا مثالين بارزين على الدول التي أدركت مبكراً أهمية التكنولوجيا في إعادة صياغة مفاهيم القوة العسكرية الحديثة. فقد استثمرت بكين بشكل هائل في التكنلوجيا العسكرية والذكاء الاصطناعي، وتطوير الطائرات المسيّرة، والحرب السيبرانية، وصولاً إلى بناء منظومات دفاع جوي متقدمة مثل HQ-9 ومشاريع الطائرات الشبحية J-20، في إطار رؤية استراتيجية لتحويل جيشها إلى قوة عالمية بحلول منتصف القرن.

أما روسيا، فاعتمدت نهجاً مختلفاً قائماً على تحديث الصناعات العسكرية التقليدية بالتوازي مع إدماج قدرات إلكترونية ومعلوماتية متطورة، وركّزت على تطوير أنظمة صواريخ فرط صوتية مثل “أفانغارد” ومنظومات الحرب الإلكترونية التي أثبتت فعاليتها في النزاعات المعاصرة. ويأتي ذلك ضمن عقيدة عسكرية تسعى للحفاظ على التوازن الاستراتيجي مع الغرب، ومجابهة التفوق التكنولوجي الأميركي عبر حلول غير تقليدية.

وبينما تراكمت لدى هاتين القوتين خبرة نوعية في المزج بين التصنيع العسكري والتطور التقني، لا يزال العراق في بداية الطريق ويعتمد على التسليح الغربي الذي بات واضحاً انه لا يرغب بوجود عراق مُسلح بشكل متكامل، ويواجه تحديات تشريعية ومالية وبنيوية تعرقل تحوّله إلى جيش عصري قادر على الدفاع عن سيادته في زمن لا يرحم من يتأخر تقنياً.

العراق يفتقر للتكنولوجيا العسكرية

من جانبه، أكد الخبير الأمني عدنان الكناني أن الجيش العراقي ما زال يفتقر إلى التكنولوجيا العسكرية الحديثة، في وقت باتت فيه الحروب تُدار بالأقمار الصناعية وأجهزة الحرب السيبرانية والطائرات المسيّرة والتشويش الإلكتروني، كما هو واضح في المواجهة الجارية بين إيران وإسرائيل.

وقال الكناني في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “الصراع العسكري اليوم أصبح معتمداً على تقنيات متقدمة جداً، تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة ومنظومات الحرب الإلكترونية والتشويش والرادارات المتطورة”، مبيناً أن إيران – رغم الحصار المفروض عليها – تمكنت من مواكبة هذا النوع من الحروب، بل وأصبحت نداً عسكرياً يحسب له حساب أمام إسرائيل وأمريكا، بفضل استثمارها في قدراتها الذاتية".

وأضاف أنه “في المقابل، لا يزال الجيش العراقي بمثابة وليد حديث الولادة، لم يدخل بعد في مضمار التكنولوجيا القتالية، ما يستوجب البدء من الصفر في إعداد برامج استراتيجية لتأهيل المؤسسة العسكرية، بالاعتماد على الكفاءات الشابة من خريجي الجامعات والمعاهد الفنية والعلمية”.

وشدد الكناني على أن “المعركة اليوم لا تُكسب فقط بالسلاح، بل بالعلم والتخطيط والمعرفة التقنية، وأن الاقتصار على معسكر تسليحي واحد – سواء شرقي أو غربي – خطأ استراتيجي، لأن أي توتر في العلاقات السياسية قد يؤدي إلى شلل عسكري”، داعياً إلى “تنويع الشراكات العسكرية والتدريبية مع دول تمتلك خبرات في التكنولوجيا العسكرية، كالصين وروسيا ودول أخرى”.

ولفت إلى أن “غياب التكنولوجيا العسكرية المتقدمة يجعل العراق هدفاً سهلاً لأي جهة تمتلك نوايا عدوانية، وقد شاهدنا خروقات متكررة لأجوائنا، ومنها اختراق 60 طائرة إسرائيلية الأجواء العراقية مؤخراً، دون أن يُسجل أي رد يُذكر، ما يكرس هشاشة السيادة ويغري الطامعين”.

وفي ما يتعلق بواقع الأمن السيبراني والاستخباري، أشار الكناني إلى وجود “خلل بنيوي خطير”، قائلاً: “لدينا أكثر من 28 جهاز مخابرات أجنبيا ينشط داخل العراق، بعضهم يستخدم واجهات سياسية أو حزبية وحتى برلمانية، وبعض الشخصيات السياسية والأحزاب باتوا أدوات لأجهزة مخابرات أجنبية تعمل ضد مصلحة العراق”، مؤكداً أن “هذا الأمر يتطلب تفعيلًا عاجلًا لقانون مكافحة التجسس، ومراجعة جذرية لمنظومة الأمن الوطني”.

وحمّل الكناني الأجهزة الأمنية جزءاً من المسؤولية، قائلاً: “بعض الأحيان نجامل أداء الأجهزة الأمنية بحجة وجود تهديدات خارجية، لكن الواقع يثبت أنها غير قادرة على كشف أو تفكيك شبكات التجسس داخل العراق، والدليل أنه منذ عام 2003 وحتى اليوم، لم يُعلن عن ضبط شبكة تجسس كبرى أو القبض على عميل فاعل، رغم أن دولًا مثل إيران –رغم إجراءاتها الأمنية المشددة– تعلن بين فترة وأخرى عن تفكيك خلايا تجسس فكيف الحال بالعراق”.

وفرغ الى القول: “إذا أردنا أن نحمي سيادة العراق ونصون دماء العراقيين، فعلينا أن نبدأ بإصلاح جذري في بناء المؤسسة الأمنية والعسكرية، يقوم على المعرفة، والتكنولوجيا، والتخطيط بعيد المدى، وليس على ردود الفعل اللحظية أو الاستعراضات الإعلامية”.

سباق تكنولوجي عسكري

من جهته، قال الخبير الأمني صفاء الأعسم إن التكنولوجيا أصبحت عنصراً محورياً في بناء الجيوش الحديثة، مشيراً إلى أن المؤسسة العسكرية العراقية لا تزال متأخرة تقنياً مقارنة بدول متقدمة، رغم الكفاءة العالية التي يمتلكها العنصر البشري في الجيش العراقي من حيث العقيدة والانضباط والغيرة الوطنية.

وأضاف الأعسم، في تصريح صحفي، أن “العراق اليوم يواجه تحديات أمنية معقدة، في ظل عالم اصبحت تتحكم فيه تقنيات متطورة في ميدان المعركة، خصوصاً مع تصاعد أهمية الحرب السيبرانية والهجمات الدقيقة والطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى”.

وأوضح أن “قوات التحالف الدولي التي دخلت العراق منذ منتصف عام 2014 تولت بشكل كبير ملف حماية الأجواء العراقية، لكنها لم تقدّم، دعماً حقيقياً لتطوير منظومات الدفاع الجوي، ولم تردع الخروقات التي تعرض لها العراق، سواء من إسرائيل أو غيرها، رغم تكرار الضربات التي طالت قيادات ومواقع داخل الأراضي العراقية”.

وأشار إلى أن “الجيش العراقي يمتلك إمكانيات بشرية قوية، لكن التطوير التكنولوجي لا يزال دون المستوى المطلوب”، مضيفًا أن “العقود الأخيرة التي أبرمها العراق مع دول مثل فرنسا وكوريا الجنوبية لتجهيز طائرات الرافال والكركال ومنظومات دفاع جوي حديثة من نوع (MSAM) تُعدّ خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن مدى المنظومات ما زال متوسطًا ولا يكشف الطائرات الشبحية مثل F-35، ما يضع العراق في موقع مكشوف أمام اي تهديدات محتملة”.

وانتقد الأعسم ما وصفه بـ”عدم الجدية الأميركية في تسليح العراق بسلاح كفوء”، معتبرًا أن “العراق تحول بعد 2003 من عقيدة تسليح شرقية إلى عقيدة غربية، دون أن يحصل على مستوى التسليح الذي يلائم التحديات الراهنة”.

وأضاف: “بينما تطور إيران، المحاصرة اقتصاديًا، قدراتها العسكرية بالاعتماد على الذات منذ أكثر من 35 عامًا، فإن العراق لم ينجح حتى الآن في تأسيس قاعدة صناعية عسكرية حقيقية”، مؤكداً أن “جهود التصنيع الحربي ما زالت محدودة، رغم بعض المحاولات مثل إدخال إنتاج المسدسات إلى الخدمة”.

ودعا الأعسم إلى “تحقيق شراكة استراتيجية حقيقية مع دول تمتلك صناعات عسكرية متقدمة، مع ضرورة استكمال ما بدأته الحكومة الحالية من تنويع لمصادر التسليح وتجاوز الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة”.

وأكد في ختام حديث أن “النهوض بالمؤسسة العسكرية العراقية يتطلب إعادة بناء مصانع التصنيع الحربي، وتوفير بنية تحتية تكنولوجية متطورة، لأن بناء الجيوش الحديثة لم يعد قائمًا فقط على العقيدة والانضباط، بل على امتلاك أدوات الردع والتكنولوجيا المتقدمة”.

عرض مقالات: