شهد العراق، خلال النصف الأول من العام الحالي، 443 فعالية احتجاجية، توزعت على مختلف المحافظات، طبقا لرصد أجرته "طريق الشعب"، حيث تنوعت تلك الفعاليات بين تظاهرات ووقفات احتجاجية وإضرابات واعتصامات، عبّرت بمجملها عن تصاعد حالة الغضب الشعبي من تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والخدمية، وسط استمرار عجز السلطات الرسمية عن تقديم حلول واقعية أو تنفيذ وعودها المتكررة.
وتحدث الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، عن امكانية تصاعد الحراك الجماهيري في المرحلة المقبلة، مرجعا تصوره الى "استمرار الازمات الاقتصادية والاجتماعية".
واعتبر فهمي أن "أية محاولة لتصوير الاحتجاجات المقبلة على أنها ذات طابع خارجي أو مدفوعة بأجندات مشبوهة، هي محاولة لتشويه المطالب المشروعة التي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم"، مشيراً الى أن غالبية الاحتجاجات "تعبر عن معاناة حقيقية لم يتم التعامل معها بجدية، وهي بالتالي تستند إلى أسباب مشروعة وطبيعية".
واكد ان "الحزب الشيوعي العراقي يقف الى جانب الاحتجاجات السلمية ذات المطالب المشروعة".
وعجزت الحكومتان الاتحادية وفي الإقليم، وكذلك الحكومات المحلية، عن إيجاد حلول واقعية للمشاكل التي طرحها المواطنون خلال فعالياتهم الاحتجاجية.
ورصدت "طريق الشعب" خلال تقاريرها المتواصلة منذ بداية العام الحالي حتى منتصف تموز الجاري، اقامة تظاهرات غاضبة وسلمية، بشكل يومي تقريباً، وبمعدل تظاهرتين في اليوم.
الازمات مستمرة والاحتجاجات قد تعود
والتقى مراسل "طريق الشعب" بالرفيق رائد فهمي، للتعليق حول التقرير الاحصائي، حيث أكد ان "دوافع الاحتجاجات الشعبية، سواء في انتفاضة تشرين أو غيرها، لا تزال قائمة، نتيجة غياب الحلول الحقيقية والجذرية من قبل المنظومة الحاكمة"، ولفت الى "امكانية تصاعد الحراك الجماهيري في المرحلة المقبلة، بسبب استمرار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وتفاقمها".
وقال ان "بقاء الازمات يؤدي الى مزيد من الاحتجاجات خصوصاً تلك المتعلقة بالرواتب والاجور وسوء الخدمات وشح المياه. بينما تقف المنظومة الحاكمة عاجزة عن تقديم حلول فاعلية ومجدية لها".
وحذّر سكرتير الحزب من "محاولات تصوير الاحتجاجات على أنها ذات طابع خارجي أو مدفوعة بأجندات مشبوهة"، مشدداً على ان القصد من ذلك هو "تشويه المطالب المشروعة التي تنبع من واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم"، مؤكداً أن "الحزب يدعم الاحتجاجات، إذا ما اندلعت، والتي ستكون تعبيراً عن معاناة حقيقية لم يتم التعامل معها بجدية، وهي بالتالي تستند إلى أسباب مشروعة وطبيعية".
تحديات سياسية واقتصادية
وعن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ادت الى استمرار خروج الاحتجاجات في مختلف المحافظات العراقية، وبشكل يومي تقريباً، اشار الرفيق رائد فهمي الى ان "المؤشرات الاقتصادية لا تبعث على التفاؤل، بالخصوص الاعلان عن ايقاف التعيينات في وقت يبقى فيه نمو القطاع الخاص ضعيفاً جداً، وهو ما يعني انعدام النشاط الاقتصادي الكفيل بخلق فرص عمل بديلة، وبالتالي فإن البطالة ستستمر وتتفاقم".
ونبه الى ان "ارتفاع الاسعار وكلف الخدمات الاساسية كالتعليم والصحة، بات يشكل عبئاً ثقيلاً على المواطنين حتى اولئك الذين لديهم وظائف حكومية وعمل"، مضيفا ان "ملفات المياه والكهرباء والنظافة والصحة تعاني من تدهور كبير، وهذا ما يعمق معاناة المواطنين".
وأشار إلى أن "القوى السياسية يجب أن تتعامل بجدية مع هذه المؤشرات، وتقرأها جيداً، لأن التحديات المقبلة ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضاً، وتعكس فشل المنظومة المتنفذة في إدارة الدولة".
موقف الحزب الشيوعي العراقي
وفي ما يتعلق بدور الشيوعي العراقي إزاء ذلك، بيّن فهمي "نحن ندعو إلى إقامة دولة مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية، وتوفير الخدمات ومكافحة الفساد بكل أشكاله"، مبيناً أن "برامجنا الانتخابية تعكس هذه الرؤية، ونعمل من خلال المشاركة السياسية على إيصال ممثلينا إلى مجلس النواب، من أجل الإسهام في تحقيق الإصلاح والتغيير".
وأكد أن "تحقيق هذه الأهداف يتطلب ضغطاً شعبياً واسعاً، وتنوعاً في وسائل المطالبة، ولا يمكن الاكتفاء بالمسارات الانتخابية فقط، بل إن التحركات الجماهيرية وأشكال الاحتجاج السلمي تشكل جزءاً أساسياً من مشروع التغيير".
وشدد فهمي على أن "الحزب لا يتعامل مع الاحتجاجات من منظور توظيف سياسي ضيق، بل ينطلق من حرص حقيقي على تحقيق مطالب الناس"، مضيفاً "نحن سنكون إلى جانب الجماهير المحتجة، ونسعى بكل ما نستطيع إلى دعم هذه المطالب، سواء كانت جزئية أو شاملة".
النظام في حالة إنكار
وتعليقاً على ما اورده التقرير، أكد الباحث في الشأن السياسي د. غالب الدعمي أن المنظومة السياسية الحاكمة بعد عام 2003، ورغم ما ترفعه من شعارات ديمقراطية، عجزت تمامًا عن فهم مشكلات الجمهور العراقي أو معالجتها، مشيراً إلى أن "الطبقة الحاكمة" تعيش في عزلة تامة عن الواقع الاجتماعي الذي يعانيه المواطن.
وقال الدعمي في حديث لـ"طريق الشعب"، إن "السلطة السياسية الحالية، منذ نشأتها، لم تبذل جهداً حقيقياً لفهم ما يريده الناس، بل تعاملت معهم بعدائية غير مبررة".
واضاف أن هذا القصور البنيوي أدى إلى تكرار موجات التظاهر والاحتجاج، وقد يُفضي مستقبلًا إلى انهيارات سياسية محتملة، إذا ما استمر الانفصال بين الحاكم والمحكوم.
وتابع أن "الصدمة الكبرى ستكون لحظة خروج الناس مجددًا إلى الشوارع. حينها سيُطرد الفاسدون ويُحاسَبون حساباً عسيراً"، محذرا من أن "العودة إلى الشارع هذه المرة ستكون بدوافع أكثر خطورة، أبرزها الجوع والانهيار الاقتصادي والمعيشي، ما سيجعلها مختلفة تماماً من حيث الشكل والمضمون والتأثير".
البصرة تتصدر
وبالعودة الى تفاصيل الرصد، فقد تصدرت البصرة الحراك الاحتجاجي؛ اذ شهدت 81 فعالية احتجاجية، تلتها محافظة المثنى التي كان مجموع تظاهراتها 56، بعدها السليمانية بـ57، وخلفها بغداد بـ47 فعالية. وكان نصيب محافظات الفرات الأوسط (الديوانية، النجف، كربلاء) 67 فعالية متنوعة. اما محافظات الجنوب (ميسان، ذي قار، واسط) فكانت حصتها 51 تظاهرة واعتصاما واضرابا عن الدوام. وبرزت فيها مطالب توفير المياه والتوظيف والخدمات.
ازمة رواتب الكردستانيين
اما إقليم كردستان، فكان السبب الرئيس في تصاعد الحركة الاحتجاجية، هو قطع الرواتب عن الموظفين والمتقاعدين بسبب الخلافات القانونية بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، ولم تنفع الحوارات السياسية التي بينت على أساس هش، من توفير لقمة العيش للمواطنين في إقليم كردستان؛ اذ غابت الحلول الاستراتيجية المبنية على أساس الدستور والمصالح المشتركة. وخلال المدة بين كانون الثاني وتموز 2025 خرجت في محافظات أربيل، السيلمانية، دهوك، وحلبجة 79 فعالية احتجاجية، تركز معظمها في شهر شباط بحسب جهات مدافعة عن حقوق الانسان. وشهدت محافظة السلمانية اكبر عدد من الاعتصامات والتظاهرات الغاضبة على المنظومة الحاكمة؛ اذ خرج المواطنون والموظفون مطالبين بتوفير سبل العيش الكريم.
محافظات شمال بغداد الأقل عدداً
فيما شهدت محافظات ديالى وكركوك والموصل والانبار وصلاح الدين عددا أقل من الفعاليات الاحتجاجية، بواقع 40 فعالية احتجاجية، حيث تصدرت محافظة ديالى المشهد بـ18 فعالية، فيما كان نصيب الانبار وصلاح الدين فعالية احتجاجية واحدة لكل منهما.
الجميع يحتج
وسجل رصد "طريق الشعب" خروج شرائح اجتماعية واسعة ومتعددة، في هذه الفعاليات، وتصدرت المناطق السكنية اكبر عدد من الاحتجاجات بواقع 180 تظاهرة واعتصاما واضرابا، تلاها الموظفون بـ60 فعالية احتجاجية، ثم الفلاحون بـ 48 فعلا احتجاجيا. اما الخريجون الباحثون عن العمل فنظموا 37 فعالية احتجاجية، ثم المعلمون 31، والعاطلون عن العمل 16، والعمال 12، اما منتسبو القوات الأمنية والحشد الشعبي من المفسوخة عقودهم، والمتقاعدون والنساء وذوو الشهداء والكسبة والمرضى والأطباء والاستاذة الجامعيون والمقاولون والمحاسبون واسرى حرب الخليج والسجناء السياسيون وأصحاب العقود، فكان عدد تظاهراتهم 59 فعالية بين اضراب واعتصام وتظاهرة ووقفة.
العيش الكريم ابرز المطالب
وتنوعت مطالب المحتجين بين المطالبة بالعدالة والعيش الكريم وتوفير الخدمات والتوظيف وتوفير الرواتب وحل ازمة السكن ومعالجة شح المياه وحفظ السيادة وكشف ملفات الفساد وتوفير الكهرباء ورفض المحاصصة.
وصنف هذا التقرير الفعاليات كما يأتي: 152 عيش كريم، 72 توفير الرواتب مع العلم ان هذا المطلب لم يخص إقليم كردستان فقط، 60 توظيف العاطلين والخريجين والمعلمين والمهندسين وغيرهم، 49 خدمات مثل الكهرباء والماء والصرف الصحي وتعبيد الشوارع، 38 سكن وشملت توفير السكن اللائق وتوفير البدائل، 19 كهرباء بسبب نقص التجهيز خصوصاً مع بدء الصيف، 18 شح المياه وملوحته وعدم توفر مياه السقي، 13 كشف ملفات الفساد المتعلقة بسوء الإدارة، 9 توفير الادوية والمستلزمات الطبية خصوصاً للامراض المزمنة ومرضى السرطان، 7 المحافظة على البيئة وملوحة المياه، 3 للحفاظ على السيادة وبالخصوص ما يخص اتفاقية خور عبد الله، 2 لمناهضة العنف ضد المرأة وحقوق الانسان، وواحدة ضد المحاصصة الحزبية الضيقة.
أنواع الفعاليات وآلية التنظيم
ومن اللافت ان نصيب التظاهر كان الأبرز في هذه الموجة الاحتجاجية؛ اذ نظمت 295 تظاهرة، نظمها عدد كبير من المشاركين، ورفعت مطالب عامة. اما فيما يخص الوقفات الاحتجاجية فخرجت 112 وقفة. وفي هذا النوع يكون عدد الحضور اقل من التظاهر، وعادة ما يكون التجمع في مكان معين امام الدوائر الحكومية وذات مطالب محددة. اما الإضرابات فكانت بواقع 24 اضرابا. نصيب المعلمين والممرضين كان الأكبر. والاعتصامات كان عددها 11 فقط، سجلت غالبيتها في محافظة السليمانية، وطالب منظموها بتوفير الرواتب.
اما في ما يخص آلية التنظيم فمثلت هذه الاحتجاجات 325 فعالية عفوية، خرجت بدون وجود تنسيقي منظم للتظاهر. بمعنى ان منظمي هذه التظاهرة اتفقوا على موعد معين وشعارات محددة لرفع مطالبهم، وعادة ما يبرز فيها عدد من الناشطين والقادة، لكنها سرعان ما تنفض مع انتهاء الفعالية الاحتجاجية. اما الفعاليات المنظمة فكانت 117 فعالية وهذا يعني ان هذه الفعاليات خرجت بدعوة من جهات نقابية ومهنية وتنسيقيات للخريجين والعاطلين والمهندسين. ويجري في الغالب استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لتنظيم معظم الفعاليات الاحتجاجية وتحديد شعاراتها وأهدافها.
على مَن خرجت الاحتجاجات؟
وتوجهت مطالب المحتجين بالدرجة الأساس إلى الحكومات المحلية، والى حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية وبقية الوزارات.
وخرج المواطنون بتظاهرات غاضبة ضد الحكومات المحلية بواقع 124 فعالية، وحكومة الإقليم 76 فعالية. اما الحكومة الاتحادية فتوجهت المطالب لها بواقع 63 فعالية احتجاجية متنوعة.
وزارة الكهرباء كان لها النصيب الأكبر في التظاهرات، اذ تلقت 27 فعالية بين المطالبة بتجهيز الكهرباء وبين التوظيف والمولدات الاهلية وغيرها. اما الشركات النفطية فقد خرج الأهالي الساكنون بقربها مطالبين بالتوظيف وتحسين البيئة وتوفير الخدمات بواقع 27 فعالية. اما وزارة التربية فخرجت ضدها 26 تظاهرة من قبل المعلمين في العراق والاقليم، في حين واجهت وزارة الزراعة 20 فعالية، اما الصحة فتوجهت ضدها 19 فعالية، والبلديات كان نصيبها 10 فعاليات نظمها العمال، والنقل 8، والموارد المائية 7، والدفاع 4، اما الصناعة والمالية والنفط ومجلس الخدمة الاتحادي فكان نصيب كلٍّ منها 4 فعاليات. في حين ان وزارة التعليم والحشد الشعبي ووزارة الداخلية خرج ضدها المواطنون بواقع 3 فعاليات. فيما بقية الوزارات وهي التجارة والتخطيط والاتصالات فكانت 5 فقط.
منظومة المحاصصة تتحمل المسؤولية
ويؤكد مراقبون للشأن السياسي، ان "منظومة المحاصصة الفاسدة تتحمل مسؤولية خروج هذا العدد من التظاهرات الاحتجاجية بسبب ديمومة الازمة البنيوية التي تشهدها البلاد"، فيما اكد آخرون إمكانية تصاعد وتيرة الاحتجاجات خلال النصف المتبقي من السنة الحالية 2025، وذلك لغياب الحلول اللازمة واستمرار نهج المحاصصة والفساد المتبع في الحكومة الحالية.
واكد ناشطون في الحركة الاحتجاجية، ضرورة تغيير المنظومة السياسية الحاكمة ونهجها الفاشل، من خلال مشاركة واسعة ونوعية في الانتخابات المقبلة. كذلك عبر تعزيز حركة الاحتجاج وتطوير شعاراتها وتحويلها الى فعاليات احتجاجية سياسية تطالب بالتغيير الشامل.