تواجه حقول النفط الكبرى في إقليم كردستان موجة غير مسبوقة من الهجمات بطائرات مسيّرة مفخخة، استهدفت لليوم الثالث على التوالي مواقع استراتيجية في محافظتي أربيل ودهوك، ما أدى إلى توقف الإنتاج في حقلي خورمالة وسرسنك، في تطور يضع علامات استفهام حول أمن الطاقة واستقرار بيئة الاستثمار في العراق.
وأفاد جهاز مكافحة الإرهاب في الإقليم بأن أربع طائرات مسيّرة استهدفت بهجمات منفصلة ثلاثة مواقع نفطية في إدارة منطقة زاخو المستقلة ومحافظة دهوك.
وكان حقلا "خورمالة" و"سرسنك" النفطيان في محافظتي أربيل ودهوك قد تعرضا، أول أمس الاثنين وصباح أمس الثلاثاء، لهجمات بثلاث طائرات مسيّرة مفخخة، دون تسجيل خسائر بشرية، بحسب ما أعلنته وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم.
توقف الانتاج في أكبر الحقول
الأكاديمي والخبير الاقتصادي، نبيل المرسومي، تحدث عن جملة عوامل ترتبط باستهداف حقول النفط في الإقليم، بالتزامن مع طلب امريكي موجه الى الحكومة العراقية يحثها على توفير الحماية لشركات النفط العاملة في الإقليم.
وقال المرسومي لـ"طريق الشعب"، ان "هذه الضربات لا تتزامن فقط مع الرسالة الامريكية للحكومة العراقية بحماية حقول نفط إقليم كردستان من هجمات الطائرات المسيرة"، مبينا انه يأتي كذلك تزامنا مع تقرير وزارة الخزانة الامريكية حول اتهام العراق بتهريب النفط الإيراني، ويتزامن أيضا مع توقيع الحكومة الاتحادية اتفاقية مع شركة HKN الامريكية لاستثمار حقول النفط في حمرين، وهي نفس الشركة المشغلة لحقول نفط في الاقليم".
وأوضح المرسومي، ان "الحقول المستهدفة من أكبر حقول النفط في اقليم كردستان، حيث ينتج حقل (خورمالة) 130 ألف برميل وحقل (سرسنك) 60 ألف برميل"، لافتا الى ان هذه الحقول تزود الإقليم بالمشتقات النفطية ويؤدي استهدافها الى خلق ازمة كبيرة، لاسيما ان تصدير النفط من الإقليم عبر خط جيهان التركي متوقف منذ 2023.
وأعرب استاذ الاقتصاد في جامعة المعقل عن خشيته من استمرار هذه الضربات: "قد تطال مواقع الغاز".
يشار الى ان حقل كرومور الغازي في محافظة السليمانية كان قد تعرض في وقت سابق الى 11 هجوماً بالمسيرات.
وتوقع المرسومي، ان تطال الهجمات المجهولة "حقولا ومصادر الطاقة في وسط وجنوب العراق"، الامر الذي يفرز أجواء غير آمنة لعمل الشركات الاستثمارية الأجنبية في العراق. وبالتالي فان ذلك سيدخل البلاد التي يعتمد اقتصادها كليا على النفط، في أزمة كبيرة.
عجز حكومي عن الردع
الخبير الأمني د. احمد الشريفي، خمّن ان يكون هناك عامل مشترك بين الضربات التي استهدفت الرادارات العسكرية والهجمات التي طالت المواقع النفطية في إقليم كردستان.
وكانت مواقع عسكرية عراقية قد تعرضت، لضربات بطائرات مسيرة، استهدفت رادارات عسكرية في قاعدتي التاجي والناصرية، عشية اعلان الرئيس الأمريكي بوقف إطلاق النار بين ايران وإسرائيل.
وكشف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في لقاء صحفي أخير، عن تقديم حكومته طلبا للتحالف الدولي للمساعدة في تزويدها بمعلومات عن منفذي ومواقع انطلاق المسيرات.
وقال الشريفي لـ"طريق الشعب"، ان ما تحدث به السوداني "تبرير غير مقنع"، متسائلا "كيف لا تستطيع دولة بمؤسسات عسكرية وامنية متضخمة ان تحمي اجواءها من المسيرات؟".
وأضاف ان "الحكومة تعاني من حالة حرج شديد في قضية كشف الجهات التي تقف خلف عمليات استهداف حقول النفط في إقليم كردستان والرادارات" في اشارة الى انها تعرف هوية مدبر ومنفذ الهجومات، لكنها لا تستطيع اتخاذ أي اجراء.
وأشار إلى ان "الوسائل والأساليب وحتى المواقع المستهدفة تتعدد بحسب المتغيرات، ولكن الهدف واحد، وواضح جدا ان هذا هدف واحد وتقف خلفه نفس الجهة".
ولفت الى ان "قضية الاستثمار واحدة من القضايا الخلافية بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان وقد يكون هذا عنصر فاعل في هذه الاحداث"، مبينا انه "لا توجد رغبة في ان يكون للإقليم استقلالية مالية واستثمارية، وقد تكون هناك مؤثرات خارجية، لكن الابعاد الحقيقية والدوافع هي داخلية وتتعلق بالاقتصاد".
دعوات لموقف حازم
من جهته، دعا الاتحاد الوطني الكردستاني، أمس الأربعاء، الحكومة الاتحادية والبرلمان إلى اتخاذ موقف واضح وحازم من الهجمات المتكررة التي تستهدف إقليم كردستان، مشيراً إلى أن استمرار هذه الاعتداءات يهدد الأمن الداخلي والاستقرار السياسي في البلاد.
وقال الاتحاد في بيان، اطلعت عليه "طريق الشعب"، إنه "في الوقت الذي يبذل فيه جهوداً سياسية ودبلوماسية حثيثة لإنهاء أزمة رواتب موظفي الإقليم وتسوية الخلافات بين بغداد وأربيل، تواجه مناطق عدة من الإقليم، ولا سيما المواقع النفطية، موجات من الهجمات الجوية المسيّرة بشكل شبه أسبوعي".
وأضاف أن "مصدر هذه الهجمات وأطرافها المسؤولة مهما كانت، تمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ حماية الأمن الداخلي والسيادة الوطنية، ما يستدعي من الحكومة الاتحادية وضع حد واضح لهذه الانتهاكات".
فيما كشفت وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، أمس، أن أضراراً فادحة لحقت بالمواقع النفطية المستهدفة بواسطة طائرات مسيرة مفخخة في إدارة منطقة زاخو المستقلة، ومحافظة دهوك.