اخر الاخبار

خلال أقل من شهر، جرى تسجيل أكثر من 17 هجوماً، استهدفت منظومات دفاع جوي وقواعد عسكرية في بغداد وصلاح الدين وذي قار وكركوك، إلى جانب 11 هجوماً مركّزاً على مطار أربيل وحقول نفطية تشغّلها شركات أجنبية في إقليم كردستان، الأمر الذي اضطر الحكومة العراقية الى تشكيل لجنة تحقيقية، واعقبتها بلجنة اخرى، توصّلت إلى أنّ الجهة المسؤولة عن الهجمات «سياسية ولديها جناح عسكري فعّال في الداخل، وأنّ الطائرات انطلقت من منطقة جرف الصخر». وقد أثار البيان الصادر عن الحكومة بشأن نتائج التحقيق في الهجمات التي استهدفت مواقع رادارات ومنظومات دفاعية باستخدام طائرات مسيّرة، ردود فعل متباينة في الأوساط الأمنية والسياسية، وسط تحذيرات من تداعيات داخلية خطرة، واتهامات بوجود “توازنات وضغوط” تعيق كشف الحقائق كاملة للرأي العام.

ورغم ما تضمنه البيان من تأكيدات بشأن تحديد الجهات المنفذة ومواقع انطلاق الطائرات، إلا أن عدم الإعلان عن أسماء المتورطين، وتوقيت نشر النتائج، دفعا خبراء أمنيين إلى التحذير مما وصفوه بـ”حالة التستر” على بعض الأطراف، واحتمال دخول البلاد في موجة توتر داخلي جديدة، إذا لم تُتخذ إجراءات حاسمة وشفافة.

جهة واحدة

وأعلن الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، في بيان عن أن اللجنة التحقيقية العليا التي شُكّلت بأمر من رئيس الوزراء، وأنهت أعمالها بشأن الهجمات التي استهدفت منظومات الرادارات الدفاعية في عدد من القواعد العسكرية، بواسطة طائرات مسيّرة انتحارية نُفذت في توقيتات متزامنة. وأشار البيان الذي حصلت عليه "طريق الشعب"، إلى أن التحقيقات، التي شارك فيها كبار الضباط والمختصين، توصلت إلى نتائج “مهمة وحاسمة”، أبرزها: تحديد منشأ الطائرات المسيّرة التي تبين أنها مُصنّعة خارج العراق وتحمل رؤوساً حربية مختلفة، ورصد أماكن انطلاقها بدقة داخل الأراضي العراقية، إضافة إلى كشف الجهات المتورطة في التخطيط والتنفيذ، والتي وُصفت بأنها “جهة واحدة منظمة” بناءً على تطابق نوع الطائرات المستخدمة.

 كما شمل التحقيق بحسب البيان تحليلاً فنياً دقيقاً لمنظومات التحكم والاتصال، ما مكّن الفرق الاستخبارية من جمع بيانات دقيقة عززت نتائج اللجنة.

الإعلان جرى تحت ضغوط سياسية

وللتعليق حول نتائج التحقيق قال الخبير الأمني عدنان الكناني أن الإعلان عن نتائج التحقيق بشأن الهجمات الأخيرة تم تحت ضغوط سياسية كبيرة، مورست على اللجنة التحقيقية والحكومة العراقية على حد سواء، مشيراً إلى أن “الإفصاح عن النتائج دون الكشف عن أسماء المتورطين، يبعث رسالة ويفتح الباب أمام تأويلات تمسّ مصداقية الدولة”.

وقال في تصريح لـ”طريق الشعب”، إن “الإعلان عن النتائج دون تحديد الأسماء يمثل خللاً خطراً في التعامل مع الرأي العام، ويعزز حالة التستر على الجهات المتورطة، الأمر الذي يضع الحكومة في موقف بالغ الحرج”، مضيفاً أن “ما صدر عن اللجنة يبدو كأنه تسريب مقنن وليس كشفاً شفافاً، وهو ما قد يُفهم منه أنه رسالة موجّهة ضمن توازنات معقدة”.

وأضاف أن “الحكومة باتت فعلياً بين المطرقة والسندان؛ فهي من جهة مطالبة بإظهار الحقيقة، ومن جهة أخرى تواجه نفوذاً كبيراً للفصائل المسلحة التي تمتلك تأثيراً مباشراً داخل مؤسسات الدولة”، مؤكداً أن “الحكومة نفسها خرجت من رحم هذه الفصائل، ولهذا من الصعب عليها أن تتمرد على من كان سبباً في وجودها”.

وحذر من أن البلاد دخلت “دائرة خطر حقيقية”، قائلاً: “لا نريد أن نشهد فوضى داخلية بين أبناء الشعب الواحد، ولا أن تتأثر العلاقة بينهم نتيجة هذه الأحداث، لكن بعد إعلان اللجنة، يبدو أن هناك الكثير سيتغير”.

وفي ختام حديثه، ثمّن الكناني دور اللجنة التحقيقية، مشيداً بـ”شجاعتها واحترافيتها في الكشف عن الحقائق دون مجاملة، على عكس لجان سابقة اختارت التغاضي عن ملفات حساسة وغضّت الطرف عن المسؤولين الحقيقيين”.

فيما قال الباحث في الشأن السياسي، أحمد السعيدي، إنّ التحقيقات الحكومية الأخيرة تعكس حرجاً واضحاً في التعامل مع جهات مسلّحة داخلية تمتلك نفوذاً سياسياً وعسكرياً واسعاً. وامتناع الحكومة عن تسمية الجهة المنفّذة رغم تأكيدها أنها واحدة، يشير إلى سعيها لاحتواء التوتّر داخل معسكر قوى السلطة، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات.

جهات داخلية تقف خلف الضربات

من جهته، قال الخبير الأمني سرمد البياتي إن من حق الدولة العراقية أن تحتفظ ببعض المعلومات الأمنية وعدم الكشف عنها في الوقت الحالي، خاصة وأن هناك مجاميع وأفراداً متورطين في الهجمات الأخيرة لم يُلقَ القبض عليهم بعد.

وأوضح في تصريح لـ”طريق الشعب”، أن “البيان الحكومي ما يزال مبهماً في بعض جوانبه، لكن من الطبيعي أن تتكتم الدولة على التفاصيل، لا سيما أن العمليات الأمنية لا تزال جارية، وهناك تحركات في صحراء الحضر مرتبطة بالهجمات، وربما كانت السيارات التي نُفذت بها العمليات تنطلق من هناك نحو أهداف في إقليم كردستان”.

وأضاف أن “استهداف الرادارات مكّن الجهات الأمنية من تحليل خط سير الطائرات وطريقة تصنيعها، ما أدى إلى تحديد المجاميع المسؤولة عن الهجوم، وهي خارجة عن القانون”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن “الإعلان عن هذه الجهات مرهون باستكمال إجراءات إصدار أوامر القبض”.

وبيّن البياتي أن “الحكومة ستُعلن بشكل رسمي عن نتائج التحقيق حال تنفيذ أوامر القبض بحق المتورطين، أما ما يُتداول حالياً من تسريبات حول التحقيقات، فهو غير دقيق ومجرد اجتهادات لا تستند إلى معلومات مؤكدة”.

وخلص الى القول: ان “نتائج التحقيق ستوضح للرأي العام أماكن انطلاق الطائرات والمجاميع المسؤولة عنها، والحكومة ستُعلن لاحقًا أن هذه الجهات داخلية وخارجة عن القانون، بعد إلقاء القبض عليها رسمياً وإيداعها في السجون”.

عرض مقالات: