مع إعلان قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، انسحابها من مناطق وسط وغربي البلاد، باتجاه الاراضي السورية واقليم كردستان، يكون العراق قد دخل مرحلة مفصلية، بعد سنوات من الوجود العسكري الأجنبي الذي ارتبط بمواجهة تنظيم "داعش" ودعم القوات العراقية. غير أن هذا الانسحاب تحيط به جملة من الظروف والتحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي تجعل المشهد أكثر تعقيداً.
فعلى الصعيد الأمني، ما يزال خطر عودة الخلايا الإرهابية قائماً، في ظل هشاشة بعض المناطق الحدودية، وتعدد الفصائل المسلحة خارج أطار الدولة. أما سياسياً، فهناك إرادات ومطالب متناقضة بين من يريد إنهاء أي وجود أجنبي، ومن يرغب في استمرار التعاون الأمني والاستخباري مع المجتمع الدولي. يضاف إلى ذلك البعد الإقليمي، إذ يتقاطع ملف الانسحاب مع صراع النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران على الساحة العراقية، وما يفرزه من اصطفافات داخلية.
وعلى المستوى الاقتصادي، يواجه العراق تحدي بناء قدراته الذاتية في مجال الدفاع والتمويل، في وقت تتأثر موازنته بضغوط مالية وتذبذب أسعار النفط. ومع أن الحكومة تؤكد أن الانسحاب يمثل خطوة نحو استعادة السيادة الكاملة، إلا أن الطريق أمام عراق مستقر ومستقل في قراره السياسي والأمني ما يزال محفوفاً بالعقبات.
وبدأت، يوم أمس، قوات التحالف الدولي، بالانسحاب من مواقعها داخل العراق. ووفقاً للسفارة الامريكية، ان "التحالف الدولي في العراق سينتقل إلى شراكة أمنية ثنائية".
نستطيع التصدي للإرهاب
من جهته، أكد المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، صباح النعمان، يوم امس، أن "انسحاب قوات التحالف من العراق أحد إنجازات الحكومة"، فيما أشار الى أنه مؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب.
وقال النعمان في تصريح صحفي، تابعته "طريق الشعب" إن "انسحاب قوات التحالف مؤشر على قدرة العراق على التصدي للإرهاب وحفظ الأمن والاستقرار من دون الحاجة إلى مساعدة آخرين".
وقالت السفارة الامريكية في بغداد، أمس ان "انحساب التحالف لا يعني نهاية عمله لهزيمة تنظيم داعش الارهابي، إذ سيواصل جهوده المدنية بقيادة مدنية على المستوى العالمي"
وأضافت، أن "المهمة التالية للتحالف في العراق ستنتقل إلى شراكة أمنية ثنائية أكثر تقليدية"، ولفتت الى ان "العمليات العسكرية والخطط ستحال الى وزارة الدفاع".
ضرورة تعزيز القدرات
أما المختص في الشؤون الاستراتيجية عباس الجبوري، فقد حذر من تداعيات الانسحاب المرتقب لقوات التحالف الدولي من العراق، والمقرر في أيلول المقبل، مؤكداً أن "الخطوة تمثل محطة حساسة وسط التطورات الإقليمية المتسارعة".
وقال الجبوري، إن "الانسحاب لا يعني فراغاً كاملاً، لكنه قد يؤدي إلى إضعاف القدرات الاستخبارية والدعم الجوي الذي كان يوفره التحالف للقوات العراقية"، وشدد على ضرورة "تعزيز القدرات الوطنية والاعتماد على اتفاقات ثنائية مدروسة مع دول صديقة".
وتابع الخبير، ان "العراق يقف اليوم أمام مفترق طرق: إما استثمار الانسحاب لتعزيز السيادة وإثبات جاهزية القوات الأمنية، أو مواجهة خطر استغلال الفراغ من قبل فلول الإرهاب أو الأطراف غير المنضبطة، خصوصاً مع تصاعد التوتر الإيراني – الإسرائيلي وانعكاساته على المنطقة".
ونبه الجبوري الى ان "انسحاب التحالف قد يشكل فرصة تاريخية لتعزيز السيادة العراقية، لكنه في الوقت نفسه ينطوي على مخاطر جدية إذا لم يتم الانتقال بشكل منظم ودقيق يجنّب العراق الانزلاق في صراعات المحاور"، لكنه رهن الحفاظ على الاستقرار الداخلي بـ"ضبط السلاح خارج إطار الدولة، وتوحيد القرار الأمني، وتأمين المنشآت الحيوية والحدود، لاسيما في المناطق التي ما تزال تشكّل ممرات محتملة لبقايا تنظيم داعش".
واتساقا مع ما ذهب اليه الجبوري، أكد الخبير الأمني عدنان الكناني أن "وجود جهات خارج إطار الدولة، يمثل خطراً كبيراً، لذا يجب أن يعود السلاح إلى سلطة الدولة".
وقال الكناني في حديث لـ "طريق الشعب"، أن امتلاك أطراف وجماعات أسلحة ثقيلة خارج سيطرة الدولة، قد يؤدي إلى صراعات شديدة تشبه الحرب بين دولتين، ما يهدد الأمن والسلم المجتمعي ويترتب عليه سقوط ضحايا من المدنيين.
واضاف الكناني، أن الانسحاب الأمريكي يمثل مكسباً مهماً لتلك الجماعات، إذ سيسمح لها بزيادة نفوذها في العراق دون ممانعة تذكر. كما سيسمح الانسحاب الأمريكي بتمدد عمليات الفصائل المُسلّحة، لا سيما في مجال نقل الأسلحة والصواريخ عن طريق العراق.
ورأى أيضا أن الانسحاب الأمريكي من العراق، قد يشكل فجوة أمنية؛ ستنتج عن فارق القدرات التكنولوجية التي توظفها القوات الأمريكية في العراق؛ إذ تمتلك الولايات المتحدة قدرات استخباراتية وقدرات استطلاع مُتطورة تسمح لها بمراقبة خطر تنظيم داعش وتوجيه ضربات استباقية له. على أن هذه الفجوة من المرجح أن تكون وقتية إلى حين تمكن القوات الأمنية من بناء القدرات الخاصة بها للتصدي لتنظيم داعش، إلا أن ذلك مرهون في المقام الأول بتركيز هذه القوات، على محاربة تنظيم داعش.
أولى المراحل
وانطلقت اول مراحل انسحاب قوات التحالف، باتجاه الأراضي السورية، يوم امس، وفقاً لمصدر امني، اكد "المباشرة بتحرك أول رتل أمريكي خرج من قاعدة عين الأسد (في محافظة الأنبار) ويضم شاحنات تحمل مركبات عسكرية".
وأضاف المصدر، أن التحرك يمثل المرحلة الأولى من الانسحاب، ويعتقد أنه ستكون وجهته باتجاه الأراضي السورية.
وقاعدة عين الأسد، هي ثاني أكبر القواعد الجوية في العراق، وهي مقر قيادة الفرقة السابعة بالجيش الأميركي.
وفي السياق، أكد حسين علاوي مستشار رئيس الوزراء، ان "الحكومة ملتزمة بالمنهاج الحكومي عبر بناء القوات المسلحة وإنهاء مهام التحالف، ونقل العلاقات الأمنية مع دول التحالف الدولي إلى علاقات دفاعية ثنائية مستقرة، تحكم في ضوء العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي تنفيذ الاتفاق بين العراق ودول التحالف الدولي ماضٍ نحو الأمام".
تعاون أمني وتقني
إلى ذلك، أكد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، أن "انسحاب القوات القتالية أو ما يُعرف بفيلق المستشارين من القواعد العسكرية العراقية، سيُعيد صياغة طبيعة الوجود الأميركي في البلاد، نحو مهمة تقوم على التعاون الأمني والتقني والمعلوماتي، إضافة إلى التدريب والتسليح".
ولفت الى أن "ذلك سيعزز المستوى القتالي لدى القوات الأمنية العراقية". وفي ذات الوقت شدد على ان "وزارة الدفاع العراقية لا تزال بحاجة إلى التسليح والتطوير والتجهيز والتدريب، فضلاً عن الاستفادة من القدرات التقنية والمعلوماتية والجهد الفني والجوي عند الضرورة".