اخر الاخبار

تشهد السياسات المائية في العراق جدلاً متصاعداً مع تفاقم دخول البلاد مرحلة ندرة المياه وارتفاع الطلب على الموارد الطبيعية من قبل القطاعات المختلفة، وفي مقدمتها قطاع النفط.

إذ تعتمد الشركات النفطية على المياه العذبة في عمليات الاستخراج وحقن الآبار، ما أثار انتقادات واسعة بشأن استنزاف هذا المورد الحيوي على حساب الاستخدامات الزراعية والاستهلاكية للمواطنين.

وفي مقابل ذلك، تتجه الأنظار نحو مشاريع جديدة لنقل مياه البحر أو استخدام بدائل أخرى مثل استخدام المياه المالحة، والتي يحتاج قطاع النفط الى كميات هائلة منها.

هل تقلل استنزاف المياه العذبة؟

 ووصف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي فوز شركة هندسة وبناء البترول الصينية (CPECC) بعقد إنشاء مشروع أنابيب نقل مياه البحر في البصرة، بقيمة 2.524 مليار دولار، بأنه “خطوة مفصلية” في مسار تطوير قطاع النفط العراقي وتقليل الضغط على الموارد المائية العذبة.

وقال المرسومي، إن “مشروع إمدادات مياه البحر المشتركة يُعد الحجر الأساس في مشروع الجنوب المتكامل الذي تنفذه شركة توتال الفرنسية، ويستهدف تزويد الحقول النفطية في البصرة وميسان وذي قار بما يقارب 5 ملايين برميل يومياً من المياه لأغراض الحقن النفطي، على أن ترتفع الكميات لاحقاً إلى 7.5 ملايين برميل يومياً”.

وقال أن المشروع يمتد عبر شبكة أنابيب لا يقل طولها عن 1000 كيلومتر، وهو ما سيوفر بنية تحتية استراتيجية لدعم استمرار إنتاج النفط وزيادته في السنوات المقبلة.

وأشار المرسومي إلى أن “أهمية المشروع لا تقتصر على الجانب النفطي فحسب، بل تمتد لتشمل البعد البيئي والاجتماعي”، مبيناً أن “الاعتماد على مياه البحر يحد من استنزاف المياه العذبة، التي كانت الشركات النفطية تستخدمها بكميات ضخمة في عمليات الاستخراج، ما حرم المواطنين والزراعة من موارد حيوية، وأدى إلى تفاقم مشكلات الشح والتلوث”.

وأضاف أن “صحيفة الغارديان البريطانية كانت قد نشرت تقريراً صادماً كشف عن استخدام بعض الشركات العالمية مثل إيني وبي بي وإكسون موبيل ما يصل إلى 25% من المياه الصالحة للشرب لأغراض حقن النفط، إضافة إلى قيام بعضها ببناء سدود على قنوات مائية في البصرة لتحويل المياه إلى محطات معالجة تابعة لها، وهو ما فاقم من أزمة المياه وأثر سلباً على الصحة العامة”.

وشدد المرسومي على أن “التحول إلى مشروع مياه البحر سيُسهم في تقليل المخاطر البيئية والصحية المرتبطة باستخدام المياه العذبة، كما يعزز من استدامة قطاع النفط على المدى الطويل”.

حل جزئي يحمل مخاطر بيئية

من جهته، حذّر خبير السياسات المائية والتغير المناخي رمضان حمزة من أن اعتماد حقن المياه المالحة في آبار النفط، وإن كان يخفف الضغط على استخدام المياه العذبة في عمليات الاستخراج، يحمل مخاطر بيئية جدية على التربة والمياه الجوفية والزراعة.

وقال حمزة في حديث مع "طريق الشعب"، إن “المخاطر تكمن في ارتفاع ملوحة التربة نتيجة تسرب جزء من المياه المالحة من آبار الحقن، الأمر الذي يؤدي إلى تدهور الأراضي الزراعية وضعف إنتاجية المحاصيل، فضلاً عن تراجع نوعية المياه الجوفية التي تعتمد عليها المجتمعات للسقي والشرب”.

وأوضح أن “المشاريع النفطية القائمة على الحقن بالمياه تؤثر بشكل مباشر على أزمة شح المياه في العراق، خصوصاً في مناطق الجنوب مثل البصرة، التي تعاني أصلاً من نقص حاد في المياه الصالحة للاستخدامات البشرية والزراعية”.

وبيّن حمزة أن استخدام المياه المالحة يُعد “إجراء تدبيري” في مواجهة استنزاف المياه العذبة، لكنه “ليس الحل النهائي”، لافتاً إلى أن هذا الخيار يخلق تحديات بيئية جديدة تتعلق بزيادة التملح، ما لم يترافق مع تقنيات معالجة دقيقة وإجراءات صارمة لمنع التسرب.

ودعا الخبير المائي إلى البحث عن بدائل أكثر استدامة، مثل استخدام مياه البحر المعالجة أو إعادة تدوير مياه الصرف الصحي، مشدداً على أهمية تحديث التشريعات الخاصة بتوزيع المياه بين القطاعات، وفرض رقابة حكومية صارمة على استهلاك الشركات النفطية.

كما شدد على ضرورة “إعداد سياسات مائية جديدة تضمن العدالة في توزيع الموارد، والاعتماد على بيانات شفافة حول الكميات المستهلكة، إلى جانب التعاقد مع شركات تمتلك تقنيات حديثة لمراقبة عمليات الحقن وتخفيف الأضرار البيئية المحتملة”.

ما هو الحل الأنسب؟

الى ذلك، عّد الخبير البيئي أحمد صالح نعمة أن حجم استهلاك المياه العذبة في قطاع النفط “مرتفع للغاية”، محذراً من أن استمرار اعتماد هذا المورد المحدود في عمليات استخراج النفط سيضاعف أزمة الشح المائي التي يعاني منها العراق.

وقال نعمة في حديث لـ"طريق الشعب"، إن “الاعتماد على المياه العذبة لحقن الآبار النفطية يمثل هدراً غير مبرر لمورد يعاني أصلاً من النقص الحاد، خصوصاً في محافظات الجنوب التي تشهد تراجعاً مقلقاً في مناسيب المياه وتملحاً متزايداً في الأراضي الزراعية”.

وأشار إلى أن “حقنها بالمياه المالحة خطوة نحو مغادرة هدر المياه، ولكن الحل الأنسب والأكثر جدوى بيئياً واقتصادياً يتمثل باستخدام مياه الصرف الصحي في عمليات الحقن”، مبيناً أن وزارة النفط كانت قد أجابت في وقت سابق على استفسارات الجهات البيئية بوجود إمكانية تقنية لحقن الآبار بمياه الصرف الصحي حتى وإن كانت غير معالجة بالكامل.

ولفت الخبير البيئي إلى أن هذا الخيار “يسهم في تقليل الضغط على المياه العذبة والمالحة كذلك، وفي الوقت نفسه يحدّ من الأثر السلبي لتصريف مياه الصرف إلى الأنهار والبيئة المحيطة دون معالجة”، مشدداً على ضرورة تبنّي خطط عاجلة لإعادة استخدام هذه المياه في القطاع النفطي بدلاً من هدرها.

وأضاف نعمة أن “اعتماد مثل هذه الخطط يتطلب تنسيقاً بين وزارتي النفط والموارد المائية، ووضع ضوابط فنية صارمة تضمن الاستخدام الآمن لمياه الصرف الصحي في عمليات الحقن، بما يقلل من المخاطر البيئية المحتملة، ويحقق توازناً في توزيع الموارد المائية بين القطاعات المختلفة”.

وأكد ضرورة ان "يكون التوجه الإستراتيجي نحو بدائل مستدامة، وفي مقدمتها إعادة استخدام مياه الصرف الصحي”.

عرض مقالات: