اخر الاخبار

وجهت هيئة تحرير جريدة النصير الشيوعي مجموعة أسئلة الى الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، أجاب عليها مشكورا وكانت كما يأتي:

النصير الشيوعي: سبق للحزب ان قاطع انتخابات عام 2021 البرلمانية ودعا الى مقاطعتها، واليوم نراه يدعو الى المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات المقررة في 18 كانون الاول القادم. كيف تفسرون هذه الانتقالة وماهي مبرراتها؟

فهمي: مقاطعة الحزب انتخابات 2021 البرلمانية تمت بناء على نتائج الاستفتاء الداخلي الذي أجراه الحزب، وشمل جميع أعضائه بمن فيهم الرفيقات والرفاق في منظمات الخارج. إذ صوّت أكثر من ثلثي الأعضاء لصالح خيار مقاطعة الانتخابات. وهذا مقارب لنسبة عموم الناخبين الذين عزفوا عن المشاركة في الانتخابات.

وقد أوضحنا حينذاك وأكدنا لاحقا في مناسبات عدة وفي الوثائق التي صدرت عن اجتماعات اللجنة المركزية، أن قرار المقاطعة يتعلق بانتخابات 2021 البرلمانية ولا يشكل رفضا مطلقا وشاملا للمشاركة في الانتخابات.

من الناحية المبدئية تعتبر المشاركة في الانتخابات وخوض الحملات الانتخابية شكلا من أشكال الصراع السياسي السلمي، وان لقرار خوض اية انتخابات ابعاد تكتيكية واستراتيجية مرتبطة بتقديرات الحزب للأوضاع السياسية العامة في البلد، ولموازين القوى في الظرف الملموس، ولمدى استعداد القوى والشرائح الاجتماعية ذات المصلحة في التغيير لخوض أشكال متقدمة من الصراع.

فانتخابات 2021 كانت انتخابات مبكرة طالبت بها وفرضتها انتفاضة تشرين الباسلة، وكان يفترض أن يجري تنظيمها خلال عام 2020، عندما كان هناك التفافٌ شعبي واسع مع الانتفاضة ومطالبها بالتغيير، ورفضٌ شديد لمنظومة قوى المحاصصة الماسكة بزمام الحكم. أي أن انتخابات 2021 المبكرة كان يراد لها أن تكون فاتحة ورافعة للتغيير في ظل تعبئة جماهيرية ضاغطة، نجحت في اسقاط الحكومة وفرض تشريعات جديدة للعملية الانتخابية.

إلاّ أن منظومة الحكم لجأت إلى التسويف والتعطيل، لكسب الوقت وانتظار تراجع مستوى التعبئة الجماهيرية.  كما انها عملت في الوقت ذاته على تشديد ملاحقة العناصر القيادية في الانتفاضة، وحرمانهم من المشاركة في الانتخابات، ما اضطر الكثيرين منهم للالتجاء إلى الإقليم أو الخارج. وقبلها تم استخدام العنف السافر ضد المنتفضين، ما أدى إلى استشهاد المئات واعتقال أعداد أكبر، كما تم زرع منظمات وأشخاص مرتبطين بالأجهزة الأمنية أو بالتنظيمات والفصائل المسلحة، في أوساط المنتفضين وفي ساحات الاحتجاج، وجرى إغداق الأموال لشراء الذمم واستمالة بعض ضعاف النفوس من المنتفضين.

ونشير هنا الى مشاركة الحزب الواسعة في الانتفاضة، وتقديمه شهداء ابرار وضحايا آخرين، كما طالت الاعتقالات رفاقه واصدقاءه. وتضامنا مع الانتفاضة واستنكارا للقمع المنظم والواسع الذي تعرضت له، قدم نائبا الحزب في البرلمان استقالتهما، وأقدم على الخطوة ذاتها رفاقه أعضاء مجالس المحافظات.   

في ضوء كل هذه المعطيات وغيرها، مثل ما يتعلق بتوزيع الدوائر الانتخابية، خلص الرأي الى أن انتخابات 2021  المبكرة لن تحقق الأهداف المتوخاة منها أصلا، وأنها ستستخدم لامتصاص الغضب الشعبي وتخفيف الضغط على منظومة الحكم، ولتمكينها من إعادة ترتيب أوضاعها بعد الهزة الشديدة التي تعرضت لها بفعل الانتفاضة الباسلة.

على هذا فان قرار المقاطعة في تلك الظروف كان يهدف إلى الحفاظ على ما حققته الانتفاضة من انجاز على صعيد توسيع المشاركة الجماهيرية، وتكريس الرفض الشعبي الواسع لنهج المحاصصة ومنظومتها السياسية الغارقة بالفساد، وخلق ظروف أفضل لتقريب وتوحيد عمل ومواقف قوى الاحتجاج.

أما انتخابات 2023 لمجالس المحافظات فتخاض في ظروف مختلفة. فالزخم الاحتجاجي السياسي الجماهيري تراجع نسبيا، وباتت الاحتجاجات ذات طابع مطلبي بشكل أساسي. كما ان انتخابات 2021 كشفت عن وجود فرص وإمكانيات لتحقيق اختراقات، وتأمين فوز مرشحين من خارج قوى المحاصصة. فيما توفرت استعدادات أكبر لدى الكثير من العناصر القيادية النشيطة في قوى الاحتجاج والانتفاضة، على استخلاص الدروس من نقاط ضعف وثغرات الانتفاضة، والتوجه نحو العمل المنظم وبلورة رؤى برنامجية لمواجهة نهج المحاصصة ومنظومة حكمها وفسادها. كذلك كشفت نسبة العزوف والمقاطعة العالية في ٢٠٢١ حقيقة القاعدة الاجتماعية والشعبية الضيقة للأحزاب والتنظيمات الماسكة بزمام الحكم، مقابل اتساع نطاق الرفض الشعبي الواسع لها.

النصير الشيوعي: نجح الحزب وقوى التغيير الديمقراطي في تشكيل إطار للعمل الانتخابي المشترك، هو “تحالف قيم المدني”. هل هناك مساع جدية لضم قوى او تجمعات مدنية اخرى الى هذا التحالف؟ كذلك: ما موقع ودور الحزب في هذا التحالف؟

فهمي: لقد استغرق تشكيل “تحالف قيم المدني” وقتا طويلا، ومهدت له حوارات ولقاءات وفعاليات سياسية وتنظيمية معمقة، توصلت إلى تحديد قاعدة سياسية وفكرية مشتركة، تؤسس لتحالف سياسي وانتخابي يحمل مشروعا وطنيا ديمقراطيا مدنيا، ينبذ نهج المحاصصة والفساد والسلاح خارج إطار الدولة وسيطرتها، ويدعو إلى إقامة دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وفي مجرى هذه العملية تم الانفتاح على معظم القوى والتجمعات المدنية والتواصل معها، كذلك التوصل إلى تفاهمات وصيغ تعاون مختلفة مع البعض ممن لم ينضموا إلى التحالف. وقد أغلق الآن باب تسجيل التحالفات، لذا سيخوض تحالف قيم المدني الانتخابات بتشكيلته النهائية، التي تضم عشرة أحزاب وتنظيمات مسجلة، إضافة إلى قوى وتشكيلات أخرى، سيخوضها في ١٣ محافظة، كما سيكون حزبنا طرفا في قوائم مدنية محلية في محافظتين.

ويلعب الحزب دورا أساسيا في تشكيل هذا التحالف، وفي ادارته بالتعاون والتنسيق مع القوى المتحالفة الأخرى، وسيكون مرشحوه حاضرين في جميع قوائم التحالف في المحافظات الخمس عشرة.

النصير الشيوعي: اشتراك القوى المدنية في انتخابات مجالس المحافظات يمثل تحديا كبيرا وينبيء بصراع شرس. ما هي الاسلحة المتوفرة لديكم والتي تعولون عليها في الفوز بأصوات الناخبين؟

فهمي:  لا شك أن القوى المتنفذة وقوائمها تمتلك المال ونفوذ السلطة ومواردها ومنافعها، كذلك السلاح والقنوات الفضائية والمنصات الاعلامية والجيوش الالكترونية، بما يمكن أن يحقق لها الهيمنة على العملية الانتخابية ومخرجاتها. الا ان عزوف ومقاطعة أكثر من ثمانين في المائة من الناخبين في انتخابات 2021 يبيّن مستوى الرفض الكبير لهذه المنظومة، احزابا وجماعات وشخصيات.

ومعلوم ان من أسباب تجلي الرفض الشعبي للأحزاب والكتل الماسكة بالسلطة في العزوف عن الانتخابات ومقاطعتها، ذلك التشتت السابق في صفوف الاحزاب والقوى الوطنية والمدنية الديمقراطية، وعدم نجاحها في تشكيل تحالفات سياسية وانتخابية مؤثرة، تزيح صورة الانقسام والنخبوية الضيقة الحاضرة في الوعي العام.

نعم، التحدي كبير امام تحالف قيم المدني، ليعمل على ارسال صورة أخرى الى المجتمع وجمهور الناخبين، صورة احزاب وقوى وشخصيات مدنية ديمقراطية تمتلك تاريخا سياسيا نضاليا، ورصيدا اخلاقيا وثقافيا ومعنويا رفيعا خاليا من شبهات الفساد، وأياد بيضاء غير ملوثة بنهب المال العام ودم الابرياء. وهي اثبتت، عبر تحالف قيم المدني، قدرتها على العمل الموحد وعلى بناء مشروع وطني مشترك، لاستنهاض العراق وتخليصه من دوامة الصراعات والفشل.

ولقد نجح تحالف قيم حتى الآن في إشغال موقع مؤثر في الساحة السياسية، تقيم له القوى الاخرى حسابا كجهة معارضة لنهج المحاصصة، تتسم بالتماسك وبامتلاك برنامج سياسي تغييري.

لذا فان تحالف قيم المدني إذا ما عزز وحدته وامتلك خطابا واضحا يلامس هموم المواطن والمواطنة، وممارسة سياسية وجماهيرية منفتحة تتجسد في الحملات الانتخابية لمرشحيه في بغداد والمحافظات، فان له ولمرشحيه حظوظا حقيقية في كسب ثقة الناخبين وأصواتهم.

النصير الشيوعي: اعتمد الحزب في نضاله مسارين اثنين: من داخل المؤسسة الرسمية، وعبر الضغط الشعبي. فهل ما زالت للحراك في رأيكم الاولوية في التغيير؟

فهمي: نحن ندرك بوضوح أن التغيير العميق والشامل يتطلب تغييرا في موازين القوى السياسيةً، لصالح القوى التي تتبنى بثبات مشروع التغيير. كما ندرك ان عملية التغيير يرافقها صراع سياسي واجتماعي متعدد الاشكال والوسائل.

وقد بيّنت تجربة السنوات الماضية لحكم المحاصصة، ان منظومتها السياسية عصية على الإصلاح، نظرا لمقاومة الاحزاب المتنفذة والشرائح الاجتماعية المستفيدة التي تمثلها، لأي اجراء حازم يهدف الى محاربة الفساد ومحاسبة كبار الفاسدين، والى التخلي عن نهج تقاسم مواقع المسؤولية في الدولة بعيدا عن معايير الكفاءة والنزاهة، والى محاسبة قتلة المحتجين وحلّ الجماعات المسلحة غير الخاضعة للدولة قانونا وفعلا. لهذا يظل الضغط الشعبي عنصرا رئيسيا لا غنى عنه، للتغلب على مقاومة القوى ذات المصلحة في إبقاء الاوضاع على حالها.

ونحن لا نرى تعارضا بين خوض النضال السياسي من داخل مؤسسات الدولة عبر العملية الانتخابية، ومن خارجها من خلال العمل الجماهيري والاحتجاجي، المطلبي والسياسي، وطبيعي ان تختلف درجة التركيز على أي من الشكلين حسب تبدل الظروف الملموسة.

النصير الشيوعي: ما الذي تطالبون به كي تكون الانتخابات نزيهة وناجحة؟

فهمي: نحن نشدد على ضرورة استقلالية مفوضية الانتخابات ودوائرها، وعلى  دورها في التطبيق العادل والنزيه لقانون الانتخابات، وان تعمل على التنفيذ الفعلي لقانون الاحزاب الذي يحظر مشاركة الاحزاب ذات الاذرع المسلحة، وان تشدد أيضا على فرض سقوف للإنفاق المالي على الحملات الانتخابية، ومطالبة الاحزاب والكتل بالكشف عن مصادر  تمويلها، ومحاسبة الاحزاب والمرشحين الذين يقومون بشراء الاصوات وتقديم الخدمات البلدية كرشوة للناخبين، كما ان على الدولة تأمين حرية المرشح والناخب وحمايتهما من أية ضغوط قد يتعرضون لها، من جانب قوى وجماعات تدعمها قوى نافذة.

كذلك تكتسب عملية مراقبة الانتخابات من قبل منظمات المجتمع المدني المتخصصة ومن جانب الامم المتحدة، اهمية كبيرة، خصوصا مراقبة سير عملية التصويت الالكتروني، وعدّ وفرز الاصوات.

النصير الشيوعي: كيف تقيّمون حظوظ قوى التغيير في هذه الانتخابات؟

فهمي: سيكون التنافس والصراع في هذه الانتخابات حاميا، وبوسعنا تلمس مظاهره منذ الان في عملية تشكيل التحالفات، وفي المبالغ الطائلة التي تنفق لكسب المرشحين او لإسقاطهم، وبناء تحالفات او تفكيكها، وفي تشكيل وتمويل أحزاب ظل. وهناك بالطبع امكانيات وفرص أفضل لمرشحي التيارات والقوائم المدنية الديمقراطية، لتحقيق اختراقات بالمقارنة مع الدورات السابقة. لكن التضخم المفتعل في اعداد القوائم والتحالفات والمرشحين من حملة العناوين المدنية والخطاب المدني، قد يكون مصدر تشويش وتشتيت للناخب. لذلك فان تحويل هذه الامكانيات والفرص الى اصوات لصالح قوى التغيير الحقة، سيكون مرهونا الى درجة كبيرة بفاعلية الحملة الانتخابية لمرشحي تحالف قيم المدني، وبمدى نجاحهم في اجتذاب أنصار التيار المدني المقاطع الى صناديق الانتخابات مجددا.

النصير الشيوعي: هل من رسالة اخيرة تودون ايصالها للعراقيين عبر حوارنا هذا؟

فهمي: ادعو جميع الشيوعيين والرفاق الانصار واصدقاءهم الى المشاركة النشطة في دعم الحملات الانتخابية لمرشحات ومرشحي الحزب وتحالف قيم المدني، وفي حث كل الاهل والاصدقاء والمعارف على التوجه الى صناديق الاقتراع، فالانتخابات “معركة” سياسية يجب خوضها بهمة ومعنويات عالية.

عرض مقالات: