ضيف "استوديو الأنصار" الخاص بحركة الأنصار الشيوعيين العراقيين، الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، في حوارية فكرية وسياسية مطولة، طرحت فيها العديد من الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالوضع العالمي والإقليمي وانعكاساته على العراق، والمسارات التي يجب اتباعها لتجنيب البلد مخاطر المرحلة، خارجيا وداخليا، وصولا إلى الموقف من الانتخابات البرلمانية المقبلة، وطبيعة الاحتجاجات التي تشهدها بعض مدن العراق وإمكانية ان تعود في شعاراتها السياسية كما حصل في تشرين 2019، وأدار الجلسة الصحفي والنصير مزهر بن مدلول.
الشرق الأوسط الجديد!
بدأت الحوارية بنقاش مستفيض عن الحدود التي سيتوقف عندها مشروع الشرق الأوسط الجديد وطبيعة اتجاهاته؟، وقال الرفيق فهمي بهذا الصدد، إن "المنطقة شهدت خلال السنة والنصف الأخيرة تغيرات عميقة في ميزان القوى، سواء على صعيد الواقع الفلسطيني، او على صعيد لبنان وسوريا أخيرا.
وأضاف، "بالتالي مشروع الشرق الأوسط الجديد وملامحه الكثيرة متوفرة وبدأت توفر أرضية أكبر ليتقدم، ويرتبط هذا المشروع بالتوسع الإسرائيلي، خصوصا أن هذا المشروع يراد منه أن تنتزع كليا إرادة المقاومة من المنطقة، من خلال محاولة تصفية القضية الفلسطينية وكذلك أي نوع من أشكال المقاومة من المنطقة، وبهذا المعنى الاتفاق الأخير الذي حصل في غزة هو لم يذهب إلى حد تحقيق الهدف الإسرائيلي، ورغم انه وجه ضربات قوية لحركة حماس والجهاد الإسلامي، ولكن اضطرت دولة الاحتلال للتفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح الرهائن، واذا ما انتقلنا إلى المرحلة الثانية وانسحاب إسرائيل من مواقع كثيرة في غزة فالطرف الباقي في غزة أساسا هو حماس، ولذلك هناك احتمال أن المرحلة الثانية قد لا تمضي بسلام واحتمالات تجدد القتال قائمة".
توسيع دائرة التطبيع!
وأوضح الرفيق فهمي أن "الجانب الآخر من مشروع الشرق الأوسط الجديد هو جعل المنطقة سوقا للولايات المتحدة وشركائها ودمج اسرائيل كليا بواقع المنطقة بمعنى انتهاء كل شكل من أشكال المقاطعة والقطيعة مع إسرائيل، وهذا عمليا توسيع دائرة التطبيع وهذا ما يتبناه ترامب من خلال اتفاق (ابراهام) ويراد منه أن تطبع المنطقة كليا، والهدف الأساسي هو السعودية، وكما نعرف أن هناك بلدانا خليجية وغيرها كالأردن والمغرب ومصر والسودان ساهمت بالتطبيع، وإلى حد هذه اللحظة، إذا ما تناولنا موضوع المقاومة، نجد أن الجيوش العربية حيدت تماما ولم تعد جزءا من المعركة"، لافتا إلى أن "هذا ما أدى إلى أن المقاومة التي تبرز هي مقاومة تتم من خلال جهات ومنظمات غير حكومية والبعض يسميها منظمات اللا دولة وأكثرها مدرجة ضمن محور المقاومة، ومحور المقاومة هذا بقدر ما يمثل جزءا من المقاومة لكنه أيضا يحتوي على نقاط ضعف حقيقية، فهو عموما يتم في إطار أيديولوجية إسلامية، وهذه قادة عمليا إلى أن لا تكتسب المقاومة طابعا وطنيا في كثير من هذه البلدان وتتجاوز وتضعف بنى الدولة المتواجدة فيها، سواء في لبنان سابقا والعراق أو اليمن".
الحل العسكري جزء من المقاومة وليس كلها
وبين أن "هذا النوع من المقاومة أبدينا رأينا فيه، سواء في الحزب الشيوعي العراقي او الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية فهي مع مقاومة المشروع والمخطط سواء فيما يتعلق بدعم حق الشعب الفلسطيني في تحقيق حقوقه وتأسيس دولته او فيما يتعلق بمواجهة المخطط الأمريكي والاوربي والإسرائيلي وما يطلق عليه بالشرق الأوسط الجديد، ولكن هذه المقاومة هي متعددة الاشكال، العسكرية جزء منها وليس كلها، والمقاومة السياسية والاقتصادية والثقافية والشعبية، وأيضا لا يمكن أن تستأثر بهذه المقاومة أيديولوجيا واحدة وتيار واحد فهذا يضعف المقاومة، ولاحظنا ان مستوى التضامن سواء مع حزب الله وكذلك في العراق في حال استهدف محور المقاومة، فالتقدير ان مستوى التضامن الشعبي والمجتمعي سيكون ضعيفا بسبب أن هذا الشكل من أشكال المقاومة تعارض مع بنى الدولة وأضعف الدولة الوطنية وكان موازيا لها وخلق ابتعادا بينه وبين الأوساط الشعبية".
ولفت فهمي إلى أن "المخطط الذي جاء به ترامب لأجل أن يضفي مزيدا من الغلاظة في تنفيذ أهدافه، وما يسميه السلام بالقوة، بمعنى ان يكون السلام بالشروط الأمريكية والإسرائيلية وهو يجعل استراتيجته للشرق الأوسط الجديد تخدم الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة بالسيطرة على مصادر الطاقة والتكنلوجيا، وتريد أيضا ان تفرض هيمنتها السياسية وتصبح الجهة التي تقرر مسارات العالم، ولاحظنا أن أمريكا تحت إدارة ترامب تضرب المواثيق الدولية. إن هذا المشروع تطبيعي بجانبه السياسي وتصفوي للقضية الفلسطينية كليا ويصار إلى صيغة فلسطينية محدودة اذا أريد أن تكون دولة، ويجري الحديث عن الحاق الضفة الغربية، والآن لا نعرف المحطة التالية في قضية غزة وصيغها، والمنطقة كلها تصبح جيوشها مهمشة والهراوة الإسرائيلية تكون هي الوكيل للولايات المتحدة في ضبط الواقع الأمني، والاقتصادات تصبح شديدة الاعتماد على أمريكا ومفتوحة كميدان للاستثمار والاحتكار، وهذا يتطلب من أجل مواجهتها، أولا تعزيز بنى الدولة خاصة للدول التي تواجه هذا المشروع كونه مشروعا مستعدا أن يحطم الدول وأن يغير الحدود اذا اقتضت الأمور، من خلال تشجيع الدويلات والأقاليم القائمة على الدين والمذهب والهويات المناطقية، وهذا احتمال قائم وليس بالضرورة ان يحصل، لكن لا يوجد مانع في اللجوء إلى هذا السبيل، وبالتأكيد هم يريدون دولة ضعيفة".
إيران تفقد أذرعها
ونوه الرفيق فهمي، إلى أنه "خلال هذه الفترة وجهت إلى المشروع الإسلاموي وما يسمى محور المقاومة ووضع إيران، ضربات أضعفته، وانعكس هذا الضعف في لبنان، والتغييرات التي حصلت عكست أن وزن حزب الله لم يعد كما السابق وبالتالي هناك تشكيلة سياسية مختلفة، ونلاحظ الانفتاح الخليجي وزيارة وزير الخارجية السعودي وهذا يؤشر إلى هذه التغييرات. الملاحظ أن إيران فقد فقدت عددا من الامتدادات والأذرع والحلفاء، وهذا الموضوع مطروح الآن على الصعيد العراقي، وضعف الدور الإيراني ينعكس على واقع الدولة العراقية، باعتبار أن هذه القوى عمليا هي الحاكمة في العراق خلال الفترة الماضية".
وتابع، "ولذلك نقول إنه بهذا المعنى أن هذه القوى والمنظومة أمامها مساران ، الأول أن تتكيف مع ميزان القوى الجديد وقرارها مرتبط بالقرار الإيراني، وإيران معرضة الآن لعقوبات اقتصادية وقد تشتد، ومعرضة إلى ضغوط متزايدة ومتنوعة قد تصل إلى عسكرية، وقد تنقطع علاقتها مع امتداداتها وتنكفئ على ساحتها، وربما أيضا تغادر مشروع تطوير الطاقة النووية نحو مشروع القنبلة النووية كما تدعي أمريكا وحلفاؤها، وهذا الموضوع بدأت ملامحه في العراق ويعني بالملموس معالجة قضية الفصائل المسلحة خارج الحشد الشعبي، ويقال أيضا إن هناك ضغطا لأجل حل الحشد الشعبي كشكل من أشكال التكيف، والجزء الآخر في علاقة العراق وإيران او تتحول العلاقة كما بين بلدين مستقلين وليست بهذه الوشائج الموجودة الآن وأن يكف العراق أن يكون مصدرا لتمويل إيران بأشكال مختلفة، إن كان عن طريق الأموال او الميزان التجاري".
مرونة قوى السلطة!
وطرح الرفيق فهمي عدة تساؤلات حاضرة في المشهد، مشيرا إلى أن " هل يستطيع العراق ان يستجيب للضغوطات الامريكية جميعها أم هناك حد معين لا يمكن الاستجابة له؟ كونه سيهدد وجود هذه القوى في السلطة، ونلاحظ أن سياسة السوداني وإلى حد ما القوى الأخرى، أنهم أبدوا مرونة معينة وطوروا العلاقة مع السعودية والخليج وكذلك الاتفاقات التي وقعت مع بريطانيا، وهذه كلها تشير إلى رسائل تطمين ومحاولات لمد جسور مع أمريكا ومحاولة تطمينها، وبالوقت نفسه يبحثون عن إقناع الفصائل بحل نفسها والوصول إلى صيغة لدمجها بالقوات المسلحة، والحشد الشعبي خط أحمر بالنسبة لهم ولا يمكن حله ويدعون أن لا وجود مطالبة حقيقية بحله، وهذا أيضا تختلف المعلومات بشأنه، كون حل الحشد الشعبي هو القضاء على ركيزة أساسية وضامن أساسي لحكم القوى المتنفذة الآن ، ويرتقي حل الحشد الشعبي إلى إضعاف حقيقي لوضعهم وسيطرتهم وحكم "الهوية الشيعية" كما يسموه، والآن يدعون انهم يتفاوضون مع الفصائل، والبعض يقول إن ترامب متشدد ولا يقبل بأنصاف الحلول، وهل سيقبل التلكؤ في هذا الموضوع، وعلى صعيد الحشد الشعبي".
وأكمل بالقول: "الآن ربما يلجؤون إلى بعض التغييرات الداخلية، وحتى اذا أريد أن تضم قوات الفصائل إلى القوات المسلحة فكيف ستكون طريقة ضمها والدور الذي تحتله داخل القوات المسلحة وطريقة بقاء وشائجهم الموجودة مع الأحزاب والمنظمات التي ينتمون اليها، أم يتحولون إلى جزء أساسي وعضوي من القوات المسلحة وهو شيء غير موجود حاليا، وكما هو معروف فإن الحشد الشعبي يدار من قبل هيئة الحشد وان كانت تحت مظلة القائد العام للقوات المسلحة ولكن نعرف جيدا أنها تستلم أوامرها الأساسية بالمطاف الأخير من التنظيمات التي تنتمي اليها وهذه بدورها وثيقة الصلة بإيران والحرس الثوري وهو أمر معروف ومشاع "
وأضاف الرفيق فهمي، "الولايات المتحدة تنظر للعراق من خلال إيران ومشكلتها مع إيران بالأساس، وبالتالي أحد طرق إضعاف إيران هو بتجفيف المنابع والموارد التي تصل إيران عن طريق النظام المصرفي والتهريب وأشكال مختلفة ومن ضمنها النفوذ داخل هذه المؤسسات، ومعروف أن هناك مشاريع اقتصادية وصناعية وتجارية تعود إلى شركات قسم منها مرتبط بحزب الله وإيران او تخدم إيران بشكل خاص، وهذه القضايا معروفة لدى الأمريكان فهل الحكومة قادرة على معالجة هذا الموضوع وهل الأمريكان جادين بهذا الموضوع وإلى مدى يذهبون".
العصا الغليظة!
وأكد أن "هناك تعويل حتى من أوساط مدنية، بان التغيير قادم وهو عن طريق أمريكا وأن ترامب سيستعمل العصا الغليظة لتحقيق ذلك، ونحن نقول إن ترامب يتعامل بمنطق تجاري ومنطق الصفقات، وليس لديه مشكلة مع النظام الإيراني كنظام، انما مع ما يشكله النظام الإيراني من تهديد لإسرائيل ومدى مساهمته بامتداداته وتأثيره إقليميا، وإذا تقلصت هذه الجوانب فالأمريكان مستعدون للتعايش مع النظام الإيراني، والأنظمة الإسلامية جميعها ليست ضد اقتصاد السوق ولديها مشتركات".
وأشار الرفيق، إلى أنه "بالنسبة للعراق، فإلى أي حد هذه الاحزاب قادرة على تطمين مصالح الولايات المتحدة، وهناك احتمال خطير، وهو ان تلجأ إلى سياسات انبطاحية ويتم الانتقال من الخطاب الثوري العالي إلى استجابة غير مشروطة ومنفتحة جدا أمام الضغوطات الامريكية سواء على الصعيد الاقتصادي او على صعيد باقي الخطوات"، مبينا أن "النقطة المهمة، أن هذه المنظومة ضعفت وتشعر بالخطر، و بالنسبة للقوى التقدمية والديمقراطية، هل ممكن في ظل هذا الوضع والتغييرات في موازين القوى الإقليمية وانعكاساتها على العراق، هل تفتح مساحة وأفق أفضل لهذه القوى لتعزز وتزيد من ضغطها لصالح المشروع المدني الديمقراطي ؟.. ونحن نعتبرها لحظة سياسية تاريخية بالمعنى الفلسفي للكلمة، فاذا تطول لأشهر ستسمح للفاعلين أن يتكيفوا، وان تقدم المنظومة الحاكمة تنازلات وتلبي وتخفف من الضغط المسلط عليها وبالتالي الوصول إلى حالة من التوازن الجديد، بمعنى ان العراق طوال العشرين سنة كان نقطة توازن بين الأمريكان والإيرانيين".
ولفت الرفيق رائد فهمي، إلى أنه "اليوم الموازين اختلت وهذا سينعكس على موازين القوى في العراق، بمعنى أن التقاسم في النفوذ بين أمريكا وإيران قد يتغير لصالح أمريكا، وهذا ينعكس على الحكومة، وهذه اللحظة ونحن نعيش ديناميكية هذا التحول، نقول إن المنظومة الحاكمة مربكة وخائفة وهذا قد يساعد على الفرز في داخلها، وهناك قوى أكثر تشددا تريد الحفاظ على النهج السابق وهناك قوى اكثر براغماتية، ونستطيع تشخيص هذا التمايز ما بين الفصائل وأحزاب الإطار، ويوم أمس تابعنا تصريح وزير التعليم العالي والذي أصبح رئيس المكتب السياسي لعصائب أهل الحق يقول فيه إن العصائب ستشارك في الانتخابات بمفردها، وهذا تصور جديد كون الحديث كان في السابق أن جميع التنظيمات القريبة من محور المقاومة تنزل بقائمة او قائمتين، ونفس الشيء بالنسبة للدعوة وتيار الحكمة وتحالف النصر هناك تمايزات داخلهم، وهذه التمايزات تعكس الضغوطات التي يعيشونها، وهذا يفسح في المجال للقول انه لا توجد حاليا كتلة متماسكة. وأيضا فيما يتعلق بموضوع الضغط الخارجي، ففي جانب منه المتعلق بالفصائل والإصلاحات في مجال التهريب وضبط الحدود والإصلاح المالي، هذه أهداف جزء من أهداف مشروعنا وهي أهداف وطنية عامة ".
موقف "الشيوعي العراقي" من التغيير الخارجي
وأوضح الرفيق رائد فهمي، أن " بعض القوى المدنية تعول على التغيير الخارجي وتعتقد كليا ان الضغط الخارجي هو من يأتي بالتغيير، ونحن نقول إن التغيير الذي نريده له مسبباته ومتطلباته الوطنية وقد طرحه الحزب الشيوعي عام 2016 وقبل أن يتحدث به الأمريكان، والآن هناك إمكانية في الضغط لتحقيق بعض مفردات المشروع التغييري فيما يتعلق بتقوية الدولة سواء على صعيد مسألة السلاح وربما أيضا في موضوع المحاصصة والضغط لفرض جوانب من التغييرات في الدولة وبعض المفردات التي وضعناها في تقرير اللجنة المركزية الأخير. وإذا ما استطاعت القوى الديمقراطية والمدنية أن تعزز من تلاحمها وتشكل عامل ضغط إضافي قد يفرض أمورا لم يكن ممكنا تحقيقها في السابق، وعنصر الوقت هنا مهم ".
وتابع، أنه "من جانب آخر، طبيعة المهام وكما تلاحظون خلال الفترات الأخيرة بدأنا نتحدث عن المشروع الوطني، ولماذا نتحدث بهذا المشروع، لأنه يأتي في وقت الحديث عن شرق أوسط جديد، وهو يمر عبر إضعاف الدولة وقدرتها على الدفاع عن سيادتها والمصالح الوطنية، بمعنى أن البلد ينفتح ويخضع للمصالح الكبرى، سواء مصالح الاحتكارات ومن يقف خلفها من الأمريكان وإسرائيل ومصالحها في المنطقة، وهذه تهديدات ذات طابع وطني، وما نطرحه أن هناك حاجة ملحة لإحداث اصطفاف وطني يدافع عن سيادة العراق ومصالح العراق الوطنية في كل الميادين الاقتصادية والسياسية والأمنية، و هذا المشروع الوطني الذي تتبناه بعض أحزاب الإطار، لكن الفرق ان المشروع الوطني الذي نتحدث به يتضمن كجزء مكون أساسي منه، حيث نرى أنه لا يمكن الدفاع عن المصالح الوطنية دون إحداث تغييرات في طبيعة النظام السياسي، على صعيد نهج المحاصصة وتقوية الدولة والاقتصاد والإصلاحات العميقة، ونحن لا نعتبر ان المشروع الوطني هو البديل لمشروع التغيير المدني الديمقراطي الذي نطرحه، ونقول ان هذه الفترة قد تسمح بمشروع اصطفاف أوسع من السابق لقوى جديدة وبسبب عوامل مختلفة منها الضغط الخارجي وأزمات البلد، وهي تسمح لتحقيق خطوات والتشديد لفرض السير على مشروع التغيير".
انتزاع التنازلات
وأكمل فهمي بالإجابة على الأسئلة، قائلا "هل الظرف يسمح بإزاحة المنظومة كاملة؟ ام في هذه الفترة وحسب موازين القوى الداخلية تسمح أكثر بانتزاع مواقف وتنازلات وخطوات إجرائية على الطريق الذي ينسجم مع المشروع المدني الديمقراطي، وهذا على المدى القصير، ولماذا هذا التمييز مهم، لاسيما ان الإجابات غير حاسمة الآن، من حيث اننا حين نتحدث عن الاصطفاف الوطني، إلى أين ستكون حدود هذه القوى الوطنية وهل تشمل فقط القوى والشخصيات والأحزاب المدنية والنقابات والاتحادات، أم هناك مساحات أوسع من ذلك، ومن هم؟ هل هم شخصيات وأحزاب أخرى ومصنفة كاحزاب " سنية " و" شيعية"، وأخذا بالاعتبار وجود فرز في داخلها".
ونوه إلى ان " من الناحية السياسية نركز في هذه الفترة على فتح حوارات ويصار إلى حوارات واسعة وشاملة وصولا إلى تحقيق أشكال مختلفة وعقد مؤتمر واسع يضم أوسع طيف ممكن يحمل المشروع الوطني كما نفهمه نحن وتشاركنا في هذا الفهم أوساط غير قليلة، لكن نتيجة هذه الحوارات والتي لديها بعد زمني لا يزيد عن أسبوعين، قد نتوصل إلى إجابات ملموسة، بشأن من هي القوى خارج القوى المدنية والديمقراطية التي تؤيد المشروع، والتي يجب أن تنشمل بالاصطفاف الوطني الواسع؟ ولذلك خلال الفترات الأخيرة أجرينا لقاءات كثيرة مع القوى المدنية وجماعات الاحتجاج والتقيانا أيضا بشخصيات وتوجد تباينات معينة معها، وتلقينا دعوات من حزب الدعوة تنظيم العراق وجمال الضاري، وتحدثنا بنفس الكلام الذي نطرحه، ويتفقون أن هناك تغييرات ولكن في بعض الأمور لديهم رأي اخر، وهذه اللقاءات لا تعني اطلاقا أن هناك تحولا بالموقف، لكننا نعتقد ان هذه المرحلة وأمام هذه التحديات التي تواجه العراق أولا، وهي تشملهم بدرجة معينة، لكنها تشمل العراق ككل، ولذلك نؤشر هذا التمييز".
رهان على الدور الأمريكي!
وقال الرفيق رائد فهمي، ان "بعض الأطراف المعارضة الموجودة خارج العراق ولها صدى ما في الداخل، هؤلاء يراهنون كليا على الدور الأمريكي ويعتقدون ان الأمريكان سيلعبون دورا في إزاحة المنظومة ، وهذا ممكن، لكن كيف ستتم الازاحة، والازاحة هي إزاحة سياسات أم أشخاص، ام الاثنين معا؟، والمعطيات تشير إلى ان ترامب لا يلجأ إلى أساليب القصف والعنف، واذا اريد ان يستخدم وسائل العنف، المهمة ستكون لإسرائيل وربما بضوء أخضر أمريكي، وهذه قد تستهدف ربما شخصيات من الفصائل وبعض الأسماء المتداولة في الإعلام الأمريكي، وهذه إمكانية قائمة، وفي نفس الوقت أن مطالبهم واضحة فيما يخص الفصائل المسلحة ، لكن كيف سيتصاعد الضغط وكم سيفرض على العراق الإقدام على هذه الخطوات وكيف سيقبلون بصيغ المراوغة التي قد تقدم عليها الأطراف العراقية؟ هذه ستتضح خلال فترة. ونحن نقول إن هذا الضغط يولد هذه الإمكانيات، اما إذا أراد الأمريكان الذهاب أكثر سنتعامل مع هذا الوضع، كوننا نطمح أن تزال هذه المنظومة كاملة من المسرح السياسي كون نهجها كان مدمرا، ولا يمكنها الإجابة على التحديات الكبيرة التي تواجه العراق واقتصاده، ونعتقد ان هذا النهج كما هو الآن لا يمكن استدامته، وإذا أستديم سيكون بتنازلات كبيرة ونلاحظها في الانفتاح الكبير على الشركات الكبرى، وهو يساهم بإضعاف الدولة على التحكم باقتصادها".
مؤتمر وطني خلال شهر
وتابع، ان "العنصر الزمني الذي نعول عليه ونضع تقديرات إلى عقد مؤتمر وطني خلال شهر او شهر ونصف، وخلال هذه الفترة الحزب سيكثف لقاءاته، ليس فقط مع الأحزاب والحركات، وسنلتقي مع جهات فئوية من مثقفين ونقابات ومنظمات مجتمع مدني، وهذه السياسة على صعيد المركز والمحافظات، والحزب وتنظيماته مطالبان بالانفتاح والمبادرة والارضية موجودة للمبادرة. ومن سمات المرحلة الراهنة، أن جميع القوى لا تمتلك تصورا متكاملا وتتعامل مع شعارات معينة، اما صورة متكاملة لا توجد لديها، الحزب الشيوعي وربما بعض القوى القريبة منه، هي الوحيدة التي تقدم منظومة متكاملة للوضع بأبعاده المختلفة، واليوم نتلقى دعوات من اليمين واليسار، ان صح التصنيف، والحزب الأكثر ثباتا كصاحب مشروع سياسي واضح وبناء تنظيمي قائم ومنسجم، وهذا عنصر قوة موجود للحزب، واعتقد إلى حد ما أن تنظيماتنا لم تستثمر بما فيه الكفاية، واليوم جميع القوى تريد الوصول إلى الحزب واللقاء به ، وهناك بعض الاتجاهات المدنية الليبرالية تريد عزلنا، وبدأت تبرز عنوانها الليبرالي لأنها تتوقع أن الضغط الأمريكي الإسرائيلي يدعو في إطار المشروع الترمبي إلى ذلك ، وقد يبحث عن قوى محلية بديلة، وقد تكون بعيدة عن الشيوعيين، وهذا الشعور يجعلهم بحاجة لتمييز أنفسهم عن الشيوعيين، خاصة ان المدنية والاتجاه المدني لا مصداقية له اذا كان خارج الحزب الشيوعي، وهذا ليس ما نقوله نحن انما تقوله القوى الأخرى، ولذلك هناك محاولات لوجود اصطفافات وتحالفات تظهر للمشهد السياسي كطرف يمكن مخاطبته كممثل للاتجاه المدني، فالحزب يواجه هذه التحديات وعليه ان يتحرك بشكل سريع ومنظم ومدروس لتحويل هذه الإمكانيات إلى واقع سياسي وتجمع وتكتل سياسي وطني ديمقراطي يدفع عملية التغيير إلى بر الأمان".
موازين قوى جديدة
ولفت الرفيق رائد فهمي إلى أن "هناك فهم وحيد الجانب لما يطرح بالنسبة للتغيير الشامل، وهذا التغيير نقول دائما يتطلب موازين قوى جديدة، لأن التغيير معناه تغيير سياسي وفي المنظومة السياسية، وكذلك في النهج الاقتصادي والاجتماعي. وهناك مصالح كبرى نمت وتكرست وأطراف المنظومة متمسكون بالنهج القائم، ولن تتنازل عن موقفها مجانا، وهي تسيطر على الروافع الانتخابية والسياسية ومترسخة في البناء المؤسسي للدولة. المطلوب تغيير موازين القوى والضغط إذا أريد أن يكون تغيير شاملا وفوريا وعلى جميع المستويات في آن واحد. وهذا معناه فيه طابع ثوري ويتطلب نهوضا ثوريا وانتفاضة موجهة وذات اهداف وقيادة سياسية واضحة ومدعومة شعبيا بحيث تقلب موازين القوى وتمضي في المشروع".
وأكمل، أنه "حتى هذه اللحظة لا تتوفر هذه الامكانية ولا نعرف ما سيحصل في المستقبل، كون بعد انتفاضة تشرين استطاع النظام الاستفادة من دروس معينة وانتشرت حالة من الإحباط في أوساط معينة، وفي نفس الوقت أسباب انتفاضة تشرن زادت أيضا، فالفوارق الاجتماعية كبيرة جدا والخدمات ما تزال متردية والبطالة واسعة وخاصة في صفوف الشباب وأيضا التمييزات في القوانين قد تستثير أوساطا مجتمعية، والاحتجاجات في الفترة الأخيرة ذات طابع مطلبي وتحولها إلى سياسية قائم، وعندما يصل أصحاب الاحتجاج إلى قناعة بان أهدافهم ومطالبهم لا تتحقق في إطار المنظومة السياسية، والمنظومة قدمت محاولات للاستجابة لبعض المطالب الجزئية وحين يسلط الضغط على الحكومة ولأغراض سياسية مثلما حصل بتعيين مليون شخص وهو بالضد من كل الاعتبارات الاقتصادية والارهاق الذي سببته للدولة، ولكن في اللحظة الحالية التغيير الذي نتحدث عنه ممكن ان يتم عن طريقين متلازمين، بمعنى أن الطريق الانتخابي هو أحد المسارات التي ممكن ان تسهم في عملية التغيير وان كان جزئيا، وهناك معوقات في هذه العملية، منها القانون ووجود السلاح وعدم تنفيذ قانون الأحزاب والمنظومة الانتخابية المنحازة وغيرها، ولكن هذا ميدان من ميادين الصراع ومن غير السليم أن نتركه، ونبقى نعمل ونضغط لتعديل المنظومة الانتخابية، ولا نضع اطلاقا العملية الانتخابية بالضد مع العمل الاحتجاجي الشعبي، وحتى ان حققت الانتخابات شيئا في مجلس النواب من تمثيل، لا نعتقد أنها ستحقق شيئا ان لم تكن مدعومة بحراك شعبي، وهذا الحراك بالمطاف الأخير مهما كان لابد ان يعبر عن نفسه سياسيا، وهذان الميدانان متلازمان بالنسبة لنا، وأحدهما قد يعزز الآخر، وكلما تطور الاحتجاج الشعبي يفرز إمكانيات اكبر على الصعيد الانتخابي".
وأشار الرفيق، إلى أنه "في لحظات معينة وعندما يكون الحراك الشعبي عاليا جدا ومطالبه مرتفعة، قد يتجاوز كل ما يمكن ان تقدمه العملية الانتخابية، ونعرف هي بيد من، نعم، في ذلك الوقت لا يوجد لدينا أي تردد في مقاطعة العملية الانتخابية ونعتبرها محاولة لإجهاض الحراك الشعبي وهذا ما فعلناه في عام 2021 واليوم الوضع وضمن قراءتنا له ليس مشابها لما حصل في 2021".
الشيوعيون والانتخابات المقبلة
وأوضح سكرتير اللجنة المركزية للحزب، ان "الحزب الشيوعي العراقي توصل إلى قرار بخوض الانتخابات، وهذا جاء بعد نقاشات طويلة، وقررت اللجنة المركزية أن الحزب سيخوض الانتخابات، والسؤال الآن، كيف يمكن ان يستعد الحزب افضل ما يكون لخوض الانتخابات، وعلى الجانب الذاتي لدينا قصور إلى الان، في ان يكون رفاقنا واصدقاؤنا قد حدثوا بطاقاتهم الانتخابية والتحرك في الأوساط القريبة منا، وقسم إلى الآن يعيش في التساؤلات، فضلا عن ضرورة عملنا على تنظيم ومعرفة نقاط القوة والضعف، وهذا ما عملت عليه مختصة الانتخابات بصورة جيدة، ودرسنا جميع النتائج والخارطة الانتخابية للانتخابات السابقة وأصبح لدينا تصورعن مناطق تواجدنا والأماكن التي نركز عليها، ويبقى الآن كيفية تنظيم تحركاتنا في هذه المناطق بشكل كفوء واشكال هذا التحرك ومتى يبدأ، هذه الأسئلة تتعلق برفع كفاءة الحزب في هذا الإطار، ونعمل عليها بشكل جدي، إضافة إلى إعداد بنك المرشحين الذين ممكن ان يتم ترشيحهم في الدوائر المختلفة عن بغداد والمحافظات، وليس بالضرورة كل من يشخص سيترشح، ولكن ضرورة ان يكون لدينا مجموعة من الرفيقات والرفاق والأصدقاء أيضا من المؤهلين لخوض العملية الانتخابية وان يجري من يتم اختياره بإعداده وتدريبه وتهيئته والترويج إليه ورسم الخطة الانتخابية".
وأردف قائلا، إنه "على صعيد التحالفات وبسبب كون الوضع متحركا من محافظة إلى أخرى، المبدأ العام ان نبدا بتحالف مدني ديمقراطي متمثل بقوى التيار الديمقراطي وأحزابه وهذه النواة للتحالف، ونبدأ به ويكبر بقوى أخرى من أحزاب مختلفة قد تظهر وأخرى موجودة وخاضت الانتخابات السابقة وهذا مرهون بالتحركات القادمة، وفي حال قررنا ترك التحالفات للمحافظات، بمعنى انه لا ننزل بتحالف وطني عام، كون هناك تباينات مختلفة، فظروف محافظات الأنبار وصلاح الدين والموصل وديالى وكركوك، تختلف عن محافظات الوسط والجنوب، وخريطة القوى السياسية مختلفة وتضطر ان تتحالف مع قوى لا تستطيع التحالف معها في البصرة والناصرية لأن الواقع مختلف، لهذا اعطينا مرونة كبيرة للتنظيمات في تحديد واقعها بالتشاور مع اللجنة المركزية وقيادات الحزب، و هي التي تستكشف هذه الإمكانيات وتتوصل إلى صيغ معينة من التحالفات، وهي تحت تقديرها".
وأوضح الرفيق فهمي، ان "العديد من المحافظات شرعت بالموضوع للبحث والتفتيش والتواصل مع المشهد السياسي في المحافظات انطلاقا من الخطوط المرشدة التي ذكرناها".
وتابع، "تحالف قيم ليس بالضرورة أن يبقى بصيغته السابقة، ولكننا لم نقاطع أطرافه، وفي مناطق قد تكون العلاقة مستمرة وفي أماكن أخرى قد تكون لا، وصيغة التحالفات مازالت غير متبلورة ونهائية ، ولا نخفي أن التطورات السياسية ولغاية الآن تقدمت كأولوية على الانتخابات، ما عدا الجوانب العملية للانتخابات والتحضيرات الفنية، اما على الصعيد السياسي فهو محمل بإمكانيات التغيير والتبدلات وهذه قد تنعكس على الإمكانيات الانتخابية ولذلك نحن في مجرى عملية التحرك السياسي الذي نعمل عليه بشكل مباشر او غير مباشر فيه بعد انتخابي، والقوى التي نلتقي بها حاليا لا يعني أنها جزء من تحالف انتخابي، ولكن ممكن من خلال اللقاءات قد تنشأ أرضية معينة معها وتنعكس انتخابيا، ومن خلال صلاتنا وتحركاتنا أيضا عمليا نعزز مكانة الحزب وحضوره السياسي والاجتماعي الواسع الذي يدخل في جزء منه في عملية الحملة الانتخابية المبكرة".