اخر الاخبار

تتوالى فضائح عمليات نهب المال العام الكبرى. فبالأمس فضيحة عقد بوابة عشتار، واليوم سرقة ٣،٧ ترليون دينار من حساب الامانات التابع لهيئة الضرائب، دليلان جديدان ساطعان وقاطعان على أن الأزمة السياسية في البلاد أزمة بنيوية لمنظومة حكم المحاصصة، وليست مجرد أزمة تشكيل حكومة وانسداد سياسي جرى حله!

وإذ يتقاذف الناطقون باسم أحزاب وقوى منظومة حكم المحاصصة الاتهامات، بشأن المشاركة في ارتكاب هذه الجريمة الاقتصادية والجنائية، فإنهم انما يحاولون صرف الانظار عن حقيقة أن الفساد بات منظومة وشبكات متغلغلة في معظم وزارات وادارات الدولة ومؤسساتها وهيئاتها العليا، على صعيدي الحكومة المركزية والحكومات والسلطات في المحافظات. وتشترك في هذه المنظومات جهات نافذة في الأحزاب وفي أجهزة الدولة، ومصالح «خاصة» في القطاع الخاص من كبار المقاولين والتجار وأصحاب مؤسسات مالية ومصرفية، مع ارتباطات خارجية ايضا.

وعلى مدى ما يقارب العقدين، ترسخ نفوذ هذه المنظومات وتعاظم في إطار البناء المحاصصي للدولة وأجهزتها، وأصبحت سرقتها للمال العام ممنهجة بفضل امتداداتها الأخطبوطية، وغياب المحاسبة والمحاربة الجدية من قبل سلطات الدولة التي تواجهها. 

فأي حديث عن تحقيق استقرار سياسي واجتماعي، وانجاز اصلاحات عميقة ومشاريع تنموية، وتقديم حلول فعلية لمشاكل الفقر والبطالة وغياب الخدمات، وتفعيل القوانين وضبط السلاح غير المنضبط، من دون التصدي الحازم لمنظومات الفساد ومن يقف وراءها ويحميها، انما هو في أحسن الأحوال وهم واضغاث أحلام، أو إطلاق وعود مضللة لخداع المواطنين والشعب.

وقد كشفت التجربة بما لا يرقى إلى الشك، عن الترابط والتشابك الوثيقين بين نهج حكم المحاصصة وهذه المنظومات.

ان كل المعلومات عن عملية تشكيل الحكومة قيد التأليف حاليا، تشير إلى أنها تتبع ذات الخطى وآليات تشكيل حكومات المحاصصة السابقة، والتي فشلت جميعا.

وستواجه الحكومة القادمة اختبار قدرتها على تنفيذ وعودها وتعهداتها بمكافحة الفساد، عبر المضي سريعا وبحزم في انجاز التحقيقات في سرقة أموال حساب أمانات هيئة الضرائب، ومتابعة جميع خيوطها والكشف عن المتورطين المباشرين فيها، والمؤسسات والجهات النافذة التي تقف وراء الشركات التي استحوذت على الأموال، كذلك المنظومات التي ساعدتها والجهات المتورطة في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وفي الوزارات وهيئة الضرائب ووزارة المالية والبنك المركزي.

ولكي لا يتم التعتيم على نتائج التحقيقات وغلق الملف من خلال تسويات مالية تحمي الجناة، لا بد أن تمارس الرقابة الشعبية دورها من خلال المجتمع المدني، بأحزابه ومنظماته واتحاداته النقابية والمهنية، ومن قبل صناع الرأي من مثقفين واعلاميين وشخصيات ووجوه اجتماعية.

إن سرقة هذه المبالغ الفلكية بالطريقة المبتكرة التي تمت بها، وتعدد الجهات المشاركة فيها، تبين أنها لن تكون الأخيرة، وانها يجب الا تمر من دون المحاسبة الصارمة واستعادة الأموال المسروقة. وان على الجهات الدولية أن تلعب دورها في الكشف عن المسؤولين، وفي استعادة الأموال التي وجدت طريقها إلى الخارج.

عرض مقالات: