اخر الاخبار

في ١٠ حزيران ٢٠١٤ اجتاحت عصابات داعش مدينة الموصل وسيطرت عليها من دون مقاومة تذكر، اثر الانهيارات في القوات العسكرية والأمنية المكلفة بحمايتها، وما اعقب ذلك من تمدد العصابات الإرهابية الى محافظات ومدن أخرى في صلاح الدين وكركوك وديالى والانبار، حتى اقتربت من بغداد.

وقد ارتكبت تلك العصابات مجازر وحشية وجرائم شنيعة ضد السكان من مختلف القوميات والطوائف والأديان، وكان بعضها يرقى الى مستوى حرب إبادة جماعية كما حصل مع الايزيديين. وقام داعش الإرهابي بتخريب الحياة العامة، وطالت جرائمه الاثار والمؤسسات العلمية والمكتبات ودور العبادة، خصوصا لابناء الديانات غير المسلمة.

واذ يحتفل بلدنا اليوم بالذكرى السادسة للانتصار العسكري الكبير الذي حققه العراقيون جميعا، فانه يتوجب استخلاص العبر والدروس مما وقع، لاسيما وان المعركة ضد الإرهاب لم تنته فصولها بعد. فما حصل ليس بعيدا عن أوضاع البلد العامة،  ولا عن سوء الإدارة وسلوك الحكام ومنهجهم المفرّق والاقصائي والمتسم بهوس الهيمنة والتفرد والتأجيج العنصري والطائفي. ولا هو بعيد عن حالة الاستعصاء السياسي والاحتقان الاجتماعي، كذلك العلاقة المتشنجة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وما حصل ليس بمعزل أيضا عن التخريب المنظم الذي مارسته قوى داخلية مدعومة من الخارج، اضعفت قدرات البلاد واشاعت أجواء عدم الاستقرار. يضاف جانب مهم آخر يتصل ببناء القوات المسلحة واعتماد أسس خاطئة في ذلك، وفي بناء مؤسسات الدولة عموما، وهي أسس المحاصصة وشراء الذمم والولاءات والفساد، والسعي الى تكوين مراكز قوى بدوافع سياسية، وهو ما كان بين العوامل الأساسية في الانهيارات التي حصلت.

في هذه المناسبة الكبيرة نذكّر انه في آب ٢٠١٥ قدمت اللجنة البرلمانية للنظر في أسباب سقوط الموصل تقريرا نهائيا الى رئاسة مجلس النواب، تضمن توجيه الاتهام الى ٣٥ شخصية مدنية وعسكرية من المسؤولين الكبار ذوي العلاقة بما حدث، بعد ان حمّلتهم مسؤولية الانهيار الأمني الذي شهدته البلاد. ووسط حالة رفض للمتنفذين والأطراف التي جاء ذكرها، وافق مجلس النواب حينذاك على ارسال التقرير مباشرة ودون قراءته الى الجهات القضائية، التي لم تتخذ حتى الان أي اجراء بشان هذا الملف وما جرى، بما أوقع من ضحايا بشرية وخسائر مادية كبيرة. وبعد ست سنوات من النصر يتساءل المواطنون، ونحن معهم، متى ينفض الغبار عن ذلك الملف وعن ملفات أخرى، مثل ملف كشف قتلة المتظاهرين والناشطين؟

نعم، انتصر شعبنا وهزم داعش الإرهابي بفضل تضحيات المقاتلين على اختلاف تشكيلاتهم والمتطوعين، ومن أبناء المناطق التي اجتاحتها قطعان الإرهاب، وبفضل صمود أبناء شعبنا ودور الجماهير وعطائها السخي، ونداء المرجعية العليا والدعم الواسع لها وللقوى السياسية العراقية، كذلك بفضل التأييد والتضامن الإقليميين والدوليين، حيث تم تحرير محافظات الوطن والمدن التي عانت مع أهلها الكثير في السنوات الصعبة، التي صال فيها القتلة الدواعش وجالوا.

وكما اعلنا مرارا فان معركة شعبنا مع الإرهاب لم تنته بعد، ولأجل تحقيق النصر النهائي على داعش الإرهابي وتحقيق حالة الاستقرار تبرز الحاجة الى مقاربات متعددة، والى منظومة توجهات وإجراءات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإعلامية، يتقدمها تطوير قواتنا كضرورة ملحة ومهمة وطنية متواصلة. وهذا يتطلب رفع إمكاناتها وقدراتها وتعزيز تسليحها وتنويعه، كذلك حسن تدريبها وإعادة بنائها في ضوء عقيدة وطنية قوامها الإخلاص للوطن والولاء له، وتنفيذها المهام الموكلة اليها وفقا لنصوص الدستور وتوحيد القرار الوطني، العسكري والأمني، وجعله تحت قيادة واحدة فعلا ، كذلك إسناد المهام فيها إلى ذوي الكفاءة والنزاهة، وتخليصها من الفاسدين والمرتشين و”الفضائيين” والفاشلين. فهذه القوات هي المعوّل عليها أساسا في الدفاع عن الوطن، وفي صيانة نظامه الدستوري وتحقيق استقراره الداخلي.

لتكن ذكرى يوم النصر مناسبة للمزيد من العمل والنشاط والفعل الجماهيريين، والضغط لتغيير موازين القوى وإحداث التغيير المنشود. ولتكن المشاركة الواسعة في انتخابات مجالس المحافظات، احدى روافع التغيير وفرض إرادة الشعب لتحقيق البديل، والخلاص من منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت، وهي أسّ الازمات، وبناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية، دولة المواطنة وحقوق الانسان.