لم يكن قد مضى سوى خمسة أشهر على اطلاق مجزرة شباط 1963، التي اسقط فيها العفالقة بتحالف مع الرجعية المحلية والإقليمية وبدعم مباشر من الإمبريالية العالمية، ثورة 14 تموز وحكومتها الوطنية، حتى تحركت في 3 تموز ثلة من فتية العراق، جنودا وضباط صف من ابناء حزبنا الشيوعي العراقي، وبقيادة الشهيد نائب العريف حسن سريع، لإنقاذ الوطن المدمّى من جور الفاشست، الذين اغرقوه بالدم ونهبوا ثرواته، واذاقوا الشعب الويلات وملأوا السجون بالوطنيين والديمقراطيين المخلصين، واغتصبوا الصبايا واقتلعوا العيون وهدموا البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ورهنوا مستقبل العراق بأيدي المستعمرين.
ورغم عدم نجاح الإنتفاضة الباسلة في تحقيق اهدافها السامية وإعادة ألق ١٤ تموز، فقد بقيت على مر الزمن، محطة صدق متميز في تاريخ بلادنا، ووساماً للشيوعيين والديمقراطيين على وطنيتهم وشجاعتهم وقدرتهم على تحدي الطغاة، وتجسيداً لثقتهم بما يكتنزه شعبنا من تقاليد ثورية، ترفض الظلم والظلمة وتتصدى ببسالة لإسقاطها، حتى عندما يكون حزبهم مثخناً بالجراح، كما كان حينها جراء طعنات القتلة والمجرمين، إعداء العراق والعراقيين.
وعكست الإنتفاضة ايضا علاقة الشيوعيين التي لا تنفصم بوطنهم وشعبهم. فالعراق بالنسبة لهم لم يكن يوماً مجرد وطن، بل وارضاً تتشابك فيها الأحلام الجميلة، وفناراً للحرية، ومنارة للحضارة، ونبعاً للسلام والجمال والوفاء، بحيث بات بديهياً أن يعمّدوا إنتماءهم له بالدم، كي يتمكن اطفاله من أن ينسجوا لهم وطناً من عطر الزهور ورقة الفراشات وزرقة الماء وخضرة النخل، وطناً خالياً من الطغاة على اختلاف تلاوينهم، ومن نشيج الإمهات.
وإذ يستذكر العراقيون المخلصون لشعبهم ووطنهم، والأجيال الشابة منهم بشكل خاص، في ذكرى الإنتفاضة، ذاك التواضع الشيوعي الذي عكسه ابطالها في تعاملهم مع الناس، والكبرياء والشموخ الذي جابهوا فيه الطغاة، سواءً في المعركة أو عند صدور وتنفيذ حكم الإعدام بهم، فإنهم يعيدون تأكيد حقيقة ادركوها خلال تسعة عقود، ووثقوا بها في كل المنعطفات. حقيقة أن قيم حزب الشيوعيين واهدافه وسياساته، إنما انبثقت منهم وبقيت عصية على الذبول بوفائهم لها، وبأن الحزب الذي رفع عالياً راية الكفاح الوطني والطبقي وقاوم المستعمرين والمعاهدات الإسترقاقية، وتصدى للنهب الإمبريالي لثروات الشعب وخاض مئات المعارك الطبقية ضد الإستغلال والظلم الذي تعرض له العمال والفلاحون وشغيلة اليد والفكر، سيواصل مساره العذب والشاق، من أجل التغيير الشامل، الذي ينهي الأزمة البنيوية التي تعيشها البلاد، جراء هيمنة منظومة المحاصصة والفساد واعتماد نهج الليبرالية الجديدة في الاقتصاد وما سببه من تفاقم الفقر وارتفاع معدلات البطالة وتدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والحياتية والخدمية للمواطنين، ويسعى لإقامة تحالف واسع، سياسي وشعبي، لفرض إرادة الشعب في بناء الدولة المدنية والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.
من ذكرى الانتفاضة الباسلة، ومن دروسها الغنية، بايجابياتها وثغراتها، نستلهم اليوم -منظمات الحزب ورفاقه وأصدقائه، والوطنيين الخلص والمتطلعين لعراق حر ومزدهر- الكثير من الثقة بالمستقبل.
المجد لشهداء حركة حسن سريع، وليبقَ العشب أخضرَ على قبورهم، شارة الإقامة في قلب وعقل الأجيال المتعاقبة من العراقيين.
المجد لانتفاضة ٣ تموز ١٩٦٣ الباسلة
ستبقى ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ رمزا وطنيا خالدا
الظفر لإرادة الشعب