يواجه بلدنا صعوبات واشكاليات جمة، تعجز القوى المتنفذة عن تقديم حلول لها، جراء تشبثها بمنهج فاشل لادارة الدولة ومؤسساتها. فالمحاصصة الطائفية – الاثنية، وهي أسّ البلاء، يَعضُ عليها المتنفذون بانيابهم حماية لمصالحهم ونفوذهم وادامة لسلطتهم. وبدل تقديم حلول تخرج البلاد من أزماتها، وتحدّ من تفاقم معاناة المواطنين متعددة الاشكال وتخلصهم من تداعياتها، ظلت الحكومات المتعاقبة تركض وراء سياسة «إطفاء الحرائق» وما يصاحبها من هدر للاموال والوقت، ومن ضياع فرص حقيقية للتقدم والنمو ومعافاة البلد وتحقيق الرفاه والعيش الرغيد لشعبه والتنمية الحقيقية المستدامة.
وجراء النهج الفاشل والمدمر والإصرار عليه، يتواصل إضعاف مؤسسات الدولة وزيادة عجزها عن القيام بمهامها المطلوبة، وتفشى الفساد فيها، والذي وجد - للأسف - منافذ الى المجتمع، فيما اصبح من الصعوبة انفاذ القانون على الجميع. وبدلا من الفصل بين السلطات تماهت الحدود في الصلاحيات، وصار الميل أوضح الى الجهات المتنفذة صاحبة القرار. وما زال السلاح خارج مؤسسات الدولة الدستورية منفلتا ويواصل تمدده، ولم تتمكن الحكومات السابقة ولا الحالية من تنفيذ شعار حصر السلاح بيد الدولة، في حين تسعى لتسويق حجج واهية لتبرير فشلها، وفي ان يكون هناك مركز واحد يمسك بالقرار العسكري والأمني، وهو المسند دستوريا الى رئيس مجلس الوزراء.
وتتضح يوما بعد اخر معالم التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، التي من نتائجها المزيد من الفرز الطبقي والاجتماعي،والنمو المتسارع للعلاقات الراسمالية، وتكريس هيمنة اقلية على الحياة الاقتصادية وتحكمها بثروات البلاد، التي هي أساسا أموال عامة، مقابل اغلبية ساحقة متعبة مرهقة، تعاني من تداعيات الازمات وسوء الخدمات الأساسية، ومن ميل الدولة الى التخلي عنها ووقف الدعم للعديد من المجالات الخدمية والإنتاجية.
وبدلا من الحرص على الديمقراطية وصيانة حقوق المواطنين الدستورية، تشهد بلادنا المزيد من تضييق مساحة الحريات وحق التعبير عن الآراء والمواقف السياسية والفكرية وغيرها، كذلك تقييد مجالات عمل منظمات المجتمع المدني. ويجري كل هذا وغيره عبر فرض قوانين تستند الى هيمنة كتل متنفذة في مجلس النواب، والى إجراءات وتوجهات تفرضها جهات متعددة، حكومية وغير حكومية.
وفي اجراء عكس ضيق وتبرم القوى المتنفذة من ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ومنجزاتها وقوة مثلها، أقدمت الحكومة ومجلس النواب على اتخاذ قرار مجحف بحق الثورة، حيث تم شطب يومها من قانون العطلات الرسمية، باعتباره يوم تأسيس الجمهورية التي تبناها الدستور النافذ، ويوم عيد وطني، حيث مثلت الثورة إرادة غالبية العراقيين، على اختلاف قومياتهم واديانهم وطوائفهم. وراحت أجهزة تنفيذية وعناصر، في مناطق عدة، تضغط للحؤول حتى دون الاحتفال بذكراها العطرة، وملاحقة من يرفع الشعارات الممجدة لها ولقوة مثلها.
وجراء تزايد معاناة المواطنين، وضعف الإجراءات المتخذة لحل المشاكل المتفاقمة، وانعدام الثقة واتساع الهوة بين المتنفذين وعموم بنات وأبناء الشعب، والتمييز بين المواطنين، تتعاظم باستمرار مظاهر الاستياء والسخط والتذمر، والتعبير عن ذلك باساليب وطرق عدة، بضمنها التظاهر والاحتجاج، المطلبي والجماهيري.
ان الأوضاع الراهنة وتفاقم العناصر السلبية فيها جراء تداعيات الازمة العامة في البلد، تحفز باستمرار عناصر الرفض والمعارضة، التي وإن تكاد لا تذكر في مجلس النواب حاليا بفعل تركيبته القائمة والتخادم المحاصصاتي فيه، فانها تكبر باستمرار وتتسع في المجتمع، وهي تظل بحاجة الى تعاون وتنسيق ووضوح في المنهج والرؤى والاهداف، وصولا الى بناء اصطفاف واسع، جماهيري وسياسي من مختلف القوى والشخصيات، الحريصة على انقاذ الوطن وهزيمة المحاصصة، وفرض إرادة التغيير والسير الى امام نحو بناء دولة المواطنة والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية.