اخر الاخبار

تعاني بلادنا من تداعيات الأزمة العامة وحالة الاستعصاء، ومن عجز القوى الحاكمة والمتنفذة عن إيجاد حلول لها. وتكثر كل يوم المشاكل مستعصية الحل في اطار منظومة الحكم، المؤسسة على منهج المحاصصة الطائفية – الاثنية والبناء المكوناتي للدولة العراقية.

ومقابل هذا، هناك حراك متعدد الاشكال، يعكس بهذا الشكل او ذاك رفضا لهذا الواقع وتداعياته، لاسيما ما يخص المواطنين وحياتهم اليومية.

ولا شك ان انتفاضة تشرين والحراك الشعبي والتظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات، اسهمت في تسليط الضوء على جوانب الازمة التي تعصف بالبلاد، واجبرت القوى الحاكمة على استجابات معينة للمطالب الشعبية لم ترتق الى مستوى مراجعة النهج، الذي يتواصل الإصرار عليه، بل واخذ يبرز منحى في الحكم من شأن الامعان فيه ان يقود الى المزيد من التشظي المجتمعي، والانكفاءات الطائفية والمذهبية، والتضييق على الحريات.

ان المنظومة السياسية الحاكمة المتحاصصة والمتقاسمة للنفوذ والمغانم، والساعية الى تعميق دور الدولة العميقة او الموازية، تمادت كثيرا في هدر المال العام وتبديد ثروات البلاد، وغيّبت الإجراءات الفاعلة لمكافحة الفساد، وغضت النظر عن تنامي دور السلاح خارج منظومة الدولة الدستورية. كما انها عملت على تضخيم اعداد العاملين في مؤسسات الدولة وفق معايير الولاء السياسي والانتماء الهوياتي، بعيدا عن معايير المواطنة والفرص المتكافئة.

وجراء مجمل السياسات المتبعة تعمق الفرز الطبقي والاجتماعي، وازدادت الهوة بين اقلية تحتكر السلطة والمال والاعلام والسلاح، وبين غالبية فئات وشرائح المجتمع التي تشتد معاناتها، وبينها اقسام واسعة من الشباب.

ان ممارسات المنظومة الحاكمة ومواقفها قد عرقلت بناء الدولة على أسس سليمة، ووفقا للكفاءة والمهنية والنزاهة، ما اضعف مؤسسات الدولة وحال دون أدائها مهامها على الوجه السليم. وساهم في ذلك تماهي الصلاحيات بين السلطات الثلاث، وانتشار السلاح، وتشكيل فصائل مسلحة مرتبطة بقوى داخلية او امتدادا لقوى خارجية، فيما تزداد التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، ويثلم القرار الوطني العراقي المستقل.

وامام انسداد افق الحلول، وإصرار المتنفذين على مواقفهم، وضيقهم بالرأي الآخر، وسعيهم المتواصل الى قضم الحريات، والى الانفراد بالسلطة وتنميط حياة المواطنين، وانتهاج سياسية اقتصادية ومالية فاشلة بددت ثروات البلاد وحالت دون السير على طريق التنمية.. لهذا كله وغيره، ولانقاذ البلاد مما هي فيه، اصبح التغيير ضرورة تفرضها التطورات الجارية في بلادنا. علما ان المطلوب هو تغيير في المنهج وأساليب الاداء ونمط التفكير والسلوك، وفي الشخوص كذلك. انه تغيير يفرض تبني مشروع وطني ديمقراطي، يستجيب لحاجات المواطن والوطن، ويفتح الآفاق نحو إعادة بناء الدولة، والسير في اتجاه حياة مدنية وديمقراطية حقة. تغيير يفضي الى دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية، ويحفظ وحدة البلاد ويجنبها مخاطر التخندقات، والانكفاءات الطائفية والمذهبية والاثنية، ويعزز البناء الاتحادي للدولة، ويجنبها التدخلات الخارجية.

ان تحقيق هذا الهدف الكبير النبيل يحتاج بإلحاح، من الشيوعيين والمدنيين والديمقراطيين وانصار الدولة المدنية الديمقراطية، وسائر انصار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ومن مختلف قوى ومنظمات المجتمع المدني، ومن تنسيقات الحراك الشعبي والجماهيري والمطلبي، وكل من له مصلحة في الخلاص من الأوضاع البائسة الراهنة، الى تنسيق العمل والنشاط والارتقاء بهما، وتوحيد الرؤى والمواقف، والمزيد من مبادرات التواصل مع الجماهير، والعمل الدؤوب والدائم لتحفيز الناس على ادراك مصالحها، وعلى المبادرة والتحرك المنظم والمبرمج نحو تغير موازين القوى السياسية، للخلاص من المحاصصة والطائفية السياسية، واحداث انعطافة لصالح العاملين من اجل التغيير الشامل، الذي يفتح فضاء رحبا لعراق آخر يستحقه العراقيون.