تنفرد مؤسسات الدولة في العراق عن مثيلاتها في دول العالم بما تبهرك به يومًا بعد يوم من إجراءات غير منطقية، وأقرب ما تكون إلى الخيال في بعض الأحيان، وفي أحيان كثيرة تثير السخرية.
ونسلط اليوم الضوء على مركز ابن البيطار للقلب (المركز الأول المتخصص بالقلب في العراق)، حيث يطالب العاملون في المركز المرضى الذين يراجعونه لغرض حجز مواعيد لفحص “هولتر” (جهاز صغير يتم ارتداؤه لتسجيل نظم القلب، ويُستخدم لتحديد مخاطر الإصابة باضطراب النظم القلبي أو اكتشافها) يطالبونهم بجلب بطاريتين صغيرتين عند مجيئهم في موعد الفحص!
وقد يتصور البعض أن الإجراء اجتهاد شخصي من هذا الموظف او ذاك، لكن يصطدم بالإجراء مثبتا في ورقة الفحص، التي تشترط عددًا من الأمور الطبية مثل إجراء تخطيط القلب.
إن مثل هذا الإجراء لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال، فكيف لمؤسسات صحية يُفترض بها أن توفر الرعاية للمرضى، أن تطالبهم بجلب مستلزمات هم غير معنيين بتوفيرها.
ولا نعلم في حقيقة الأمر مَن المسؤول عن عدم توفير هذه البطاريات، التي لا يتجاوز سعر أفضل نوعياتها ألف دينار!
في مشهد صار مألوفا واصل المتنفذون خرق الدستور والقوانين، وعطلوا اختيار رئيس جديد لمجلس النواب في جلسة حفلت بتبادل الاتهامات بين الكتل، حول تلقي بعض النواب رشىً مقابل التصويت لمرشحين معينين.
والواضح أنهم لا يستحون من تراشق الاتهامات بالارشاء والارتشاء، في مشهد يعكس استخفافهم بمؤسسات الدولة التشريعية والرقابية والقضائية، فيما السلطة القضائية تصم الآذان إزاء ما يتقاذفون علنا من مخزيات.
لكن السلطة القضائية تظل مدعوة للتحقيق في الاتهامات المتبادلة، وللتأكد من حقيقتها ومحاسبة المتورطين المحتملين، واذا تبين كذبها فمحاسبة مطلقيها.
كما أن تحويل الأمر إلى مماحكات طائفية والتشدق بخطابات رنانة ظاهرها الدفاع عن المكونات، ليس إلا محاولة لإعادة إنتاج الخطاب الطائفي المقيت، الذي يعافه الناس ويستهجنونه.
إن ما حدث مؤشر على ضعف البرلمان وعجزه عن أداء مهامه، وهو ينتظر أوامر رؤساء الكتل وتوافقاتهم، التي أحلوها محل الاستحقاقات الدستورية.
وبعيدًا عما تنقله وسائل الإعلام، اثبتت عملية اختيار الرئيس الجديد لمجلس النواب عمق الخلاف بين المتنفذين أنفسهم، المتفقين في ما بينهم على تقاسم المناصب والمغانم، لكن جشعهم ولهاثهم وراء مصالحهم الخاصة لا نهاية لهما ولا حدود.
إصابة 4 مواطنين في هجوم بقنبلة يدوية على منزل في حي الدسيم بمدينة الصدر شرقي بغداد.
إصابة شخص برصاص مجهولين على الطريق بين الإصلاح والناصرية، قبل ان يفرّ الجناة الى جهة مجهولة.
مقتل مواطن واصابة 3 آخرين في حوادث متفرقة بمحافظة كركوك.
اصابة 3 اشخاص في مشاجرة بالاسلحة البيضاء، بسبب خلاف على كلفة تصليح سيارة في باب الشيخ وسط بغداد.
إصابة مواطن في البصرة بعد هجوم على منزله من قبل مسلحين.
هذه الاحداث هي جزء يسير مما سجلته مدن العراق خلال 24 ساعة ماضية، في انعكاس مقلق لواقع غياب القانون.
ورغم تعدد الأجهزة الأمنية وارتفاع عديدها سنويا، بقيت الحوادث والمشاكل الأمنية الشغل الشاغل للمواطنين، مع تفاقم معدلات الجريمة عموما وبضمنها ما يتصل بانتشار المخدرات.
والملاحظ في ارتفاع معدلات الحوادث الأمنية هذا، انه يأتي وسط عدم قدرة ملحوظ من جانب الأجهزة الأمنية على احتوائه والسيطرة عليه. والعوامل المسببة كثيرة، لكن الأبرز بينها هو انتشار السلاح المنفلت، الذي اعلنت الحكومة في اكثر من مناسبة عزمها على السيطرة عليه.
أعلن وزير العمل إطلاق حملة لاسترداد الرواتب من المتجاوزين على شبكة الرعاية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن هناك الآلاف من الأشخاص الذين لا يستحقون هذه الرواتب، ويتقاضونها من دون وجه حق.
يبدو أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أدركت وجود هؤلاء الأشخاص بعد انتهاء الانتخابات، وبعد أن أطلقت ملايين الرواتب لمواطنين لا يستحقون الإعانات، في حين تم تجاهل العائلات التي تحتاج بشدة إليها.
نود التذكير بما أكدنا عليه سابقًا، أن ملف الرعاية الاجتماعية خاضع بشكل كامل لسيطرة الجهات والأحزاب المتنفذة، التي تتلاعب به كما تشاء. والدليل على صحة على ذلك هو تأكيدات الوزارة نفسها، فهذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها حديث مشابه من الوزارة.
والسؤال المطروح هنا: من المسؤول عن منح هذه الإعانات لأشخاص لا يستحقونها، خاصةً وأن الجميع يعلم بالإجراءات المعقدة التي تتبعها الوزارة مع طالبي الحصول على الإعانات، عند تقديمهم بشكل مباشر. بينما سهلت بشكل مكشوف المعاملات التي تأتي من أعضاء في مجلس النواب ومكاتب أحزاب متنفذة.
مرت أيام على قصف قوات التحالف الدولي موقعا في بغداد، وتوالت ردود الفعل عليه مجمعة على كونه خرقاً للسيادة العراقية. وبعده بساعات أعلن عن تجدد القصف التركي لمناطق في إقليم كردستان. فيما عدّ أحدهم الجيش العراقي “موسميا” في فيديو تداوله مدونون!
ويبدو ان موضوع السيادة هو آخر هموم منظومة المحاصصة. إذ عندما يحدث الخرق دوليا، ويتجاسر على السيادة، يتوجب على الأقل استدعاء سفير البلد المعني وتوجيه اللوم لبلده، وقد تصل الأمور الى تقديم الاستقالات او الرد بالمثل، لكن كل ذلك لا يحدث في العراق!
ويبدو أيضا ان الحكومة تتعامل مع الأمور لحظة حصولها، وما من خطط استراتيجية وسياقات عمل ثابتة تقوم على برنامج ومنهاج راسخين. والدليل هو مسارعة رئيس الحكومة الى تشكيل لجنة لبحث انهاء الوجود الأجنبي،
بعد حادثة شارع فلسطين، ولم نسمع رداً رسميا على اتهام الجيش العراقي بانه “مؤسسة استعراض سنوي”!
ويقينا ان السيادة ستبقى تنتهك، ما لم يُضمن الأمن والاستقرار ببناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية، وعلى اساس الولاء للوطن والمواطنة والكفاءة والمهنية والنزاهة، وبعيداً عن التحزب الضيق والمحاصصة.