اخر الاخبار

تعيش ناحية المشرح في أهوار ميسان، أزمة إنسانية وبيئية حادة، إذ يعاني سكان المنطقة منذ أشهر من انقطاع المياه الذي أدى إلى نفوق المواشي وتوقف الزراعة، في حين يواجهون تهديداً صحياً كبيراً بسبب الدخان الكثيف الناتج عن حرائق مستمرة في هور الحويزة.

ويشكك الأهالي في الدعم الحكومي، في وقت تتفاقم فيه مشكلات التلوث البيئي والنشاط النفطي، دون أي إجراءات فعالة للحد من أضرارها.

"نشتري الماء"!

وقال الصياد عماد من أهوار ميسان إن الأهالي يعيشون أوضاعا صعبة بسبب انقطاع المياه عن مناطقهم منذ نحو ثلاثة أشهر، ما أدى إلى تدهور أوضاع المعيشة ونفوق أعداد من الماشية.

وأضاف عماد لمراسل "طريق الشعب"، أن السكان يضطرون إلى شراء المياه يوميا بأسعار مرتفعة لتأمين احتياجاتهم واحتياجات مواشيهم، قائلاً: " نشتري ماء من التناكر يومياً"، موضحا ان احتراق هور الحويزة زاد من معاناتهم، حيث تسببت الحرائق بانبعاث كميات كبيرة من الدخان، أدت إلى أضرار صحية وبيئية كبيرة.

وأشار إلى أن الأهالي نظموا تظاهرات ووجهوا مناشدات متكررة للمسؤولين، إلا أن استجابتهم كانت معدومة، مؤكدا أن الأوضاع الحالية جعلت حياة الناس في الأهوار صعبة للغاية، في ظل غياب الدعم الحكومي واستمرار الجفاف والحرائق التي تهدد مصدر رزقهم الوحيد.

ازمة بلا حلول!

وفي السياق، قال الخبير البيئي مرتضى الجنوبي وهو احد سكان الاهوار، إن ناحية المشرح تعيش منذ سنوات أزمة مائية خانقة تفاقمت خلال العام الحالي، حتى بات نهر المشرح شبه جاف تماماً، ما أدى إلى توقف الزراعة ونفوق أعداد كبيرة من المواشي.

وأضاف الجنوبي لـ"طريق الشعب"، أن النهر الذي ينبع من نهر دجلة ويمر عبر أكثر من عشرين قرية أصبح اليوم خاليا من المياه، مشيرا الى أن سكان هذه القرى "يشترون الماء يومياً لتأمين احتياجاتهم الأساسية، في ظل غياب تام لأي حلول حكومية أو تحركات مسؤولة".

وأشار إلى أن الجهات الرسمية لم تقدم أي مبادرات فعلية لمعالجة أزمة الجفاف أو لمساندة الأهالي، مؤكداً أن ما يُطرح حالياً من تصريحات حول معالجة الجفاف أو تحسين الخدمات "لا يتعدى كونه شعارات انتخابية تتكرر في كل دورة دون أي تنفيذ على أرض الواقع".

وتحدث الجنوبي عن ملف التلوثات البيئية الناتجة عن الحقول النفطية المحيطة بالمنطقة، مثل حقل الحلفاية وحقول أخرى تقع ضمن حدود ناحية المشرح، مؤكداً أن هذه الحقول لم تقدم ما يسمى "المنافع الاجتماعية" التي تقدر قيمتها بخمسة ملايين دولار، رغم وعود الشركات والجهات المعنية بتخصيصها لخدمة المجتمع المحلي.

وأضاف أن ناحية المشرح "تعاني من ضعف كبير في الخدمات الأساسية مثل التبليط والمجاري والتعيينات"، مشيراً إلى أن البطالة منتشرة بين الشباب، في وقت تتزايد فيه معدلات التلوث جراء النشاط النفطي وغياب الرقابة البيئية.

واختتم الجنوبي حديثه بالقول: إن الجفاف الحالي جعل النهر يجف بنسبة تصل إلى نسبة ١٠٠ في المائة في أغلب مقاطعه، ولم يتبق سوى مسافات قصيرة تجري فيها المياه بشكل محدود، مضيفاً: ان "الزراعة انتهت، والمواشي نفقت، والمسؤولون غائبون، لا تواصل ولا حلول... فقط وعود تتكرر كل موسم انتخابي".

صمت رسمي!

وقال الناشط المحلي أحمد الاهواري، إن الناحية تعيش واحدة من أسوأ أزماتها البيئية والإنسانية، إذ بات الدخان الكثيف يغطي سماء المنطقة بشكل شبه دائم، نتيجة احتراق القصب الجاف في مساحات واسعة من هور الحويزة الذي تعرض للجفاف الكامل خلال الأشهر الماضية.

وأوضح لـ"طريق الشعب"، أن هذه الحرائق، التي تتجدد كلما هدأت حركة الرياح، تسببت بتلوث هواء خطر يهدد حياة السكان، لاسيما الأطفال وكبار السن، مؤكدا ًأن عشرات الحالات من الاختناق والأمراض التنفسية تسجل بشكل يومي في المراكز الصحية، في ظل غياب المعالجات الحكومية الحقيقية.

وأشار إلى أن ما يزيد من خطورة الموقف هو الصمت الرسمي إزاء ما يجري، إذ لم تتخذ الجهات المعنية أي خطوات ملموسة للحد من الحرائق أو لمعالجة أسبابها، وفي مقدمتها جفاف الأهوار ونقص الإطلاقات المائية.

وأضاف أن استمرار الإهمال قد يؤدي إلى كارثة بيئية مزدوجة، تجمع بين التلوث الهوائي والجفاف المائي، وهو ما يهدد بفقدان الحياة الطبيعية في المنطقة بشكل كامل.

وتابع "نشعر أننا تركنا لمصيرنا، فلا مياه في الأنهار، ولا حلول للأهوار الجافة، ولا إجراءات لمكافحة الدخان الذي يخنق المدينة. ومع الأسف، كل ما نسمعه هو اجتماعات روتينية وتصريحات في الاخبار".

وأكد أن الحلول باتت تتطلب تدخلا عاجلا من الحكومة المركزية ووزارة البيئة والموارد المائية، عبر إطلاق كميات كافية من المياه لإحياء الأهوار، وإرسال فرق ميدانية مختصة لإطفاء الحرائق ومراقبة مصادر التلوث. كما دعا إلى إعلان ناحية المشرح منطقة منكوبة، نظرا لحجم الأضرار التي طالت الإنسان والبيئة والحياة الحيوانية.

واختتم بالقول إن استمرار الإهمال سيحول المنطقة إلى صحراء ملوثة خالية من مظاهر الحياة.