اخر الاخبار

انسحبت قيادة الجيش السوداني في مطلع نيسان الجاري من ورشة اصلاح الأجهزة الأمنية التي نظمتها (لجنة) الآلية* الثلاثية لمراقبة العملية السياسية في السودان، من ضمن مجموعة ورش لمعالجة قضايا تم إرجاؤها للمزيد من النقاش عند التوقيع على الاتفاق الاطاري بين قوى الحرية والتغيير والمجلس المركزي وقيادة انقلاب 25 أكتوبر.

وانحسبت قيادة الجيش عقب ورقة قدمتها قوات الدعم السريع في الورشة عن الترتيبات الأمنية، طالبت فيها بتنظيف الجيش من فلول النظام السابق. وعزت القيادة الانسحاب الى ان ترتيب القوات المسلحة شأن داخلي، وانها تختلف مع الدعم السريع حول مجال الدمج الذي اقترح لها الدعم السريع 10 سنوات لتنفيذه، فيما ترى قوات الجيش ان 18 شهرا كافية لذلك.

وفي وقت حدد فيه الناطق الرسمي للعملية السياسية مواقيت محددة لسير التوافق بين فرقاء العملية السياسية؛ يبدأ بتوقيع الاتفاق النهائي في مستهل الشهر الحالي والتوقيع على الدستور في السادس منه وتشكيل الحكومة في الحادي عشر، لكن انسحاب قيادة الجيش جعل هذا المشهد كله في حالة سيولة.

الملاحظ ان مراجعات العساكر للاتفاق الاطاري تأتي في وقت شهد تحركا لعناصر النظام السابق في عدة محاور خاصة خلال شهر رمضان وهي تهدف الى قطع الطريق امام عودة قوى الحرية والتغيير للانفراد في السلطة، وخوفاً من خضوعها لضغط الشارع وقوى التغيير الجذري في انتهاجها لسياسة تهدف الى تصفية اثار النظام السابق التي مارستها من خلال لجنة تفكيك التمكين قبل الانقلاب.

ولذلك يلاحظ ان نشاط الإسلاميين يزداد كلما اقتربت الأطراف المتناحرة من الوصول الى اتفاق سياسي. لان الفكرة الأساسية التي جعلت عناصر النظام السابق، متمثلة في اللجنة الأمنية، تنحاز للثورة ولتوسيع قاعدة النظام القديم باستيعاب عناصر جديدة ممثلة في قوى نداء السودان التي كانت تسعى للدخول في انتخابات البشير المزورة، لكن ثورة ديسمبر اعادت تشكيل المشهد وخلقت طموحات مختلفة كما افسحت المجال امام فاعلين جدد في العملية السياسية اخذوا يضغطون باتجاه التغيير الجذري. والضغوط الحالية التي تمارسها اللجنة بما فيها انقلاب 2 أكتوبر كان الهدف منها تفكيك تلك الطموحات الشعبية وإعادة الوضع الى ما كان عليه قبل الثورة وفق ترتيبات تحافظ على التركيبة السياسية والاقتصادية الموروثة منذ الاستقلال، ولذلك تعتبر هذه الفترة حاسمة في تطور البلاد.  ان قيادة الجيش في رفضها لدمج قوات الدعم السريع بالطريقة التي حددتها الورقة المقدمة في الورشة المشار اليها، انما هي تتمسك بأسباب فنية، وهي مثلا؛ ان القيادات العليا للقوات المسلحة تتطلب ان يكون الضابط متخرجاً من الكلية الحربية بينما قيادات الدعم السريع بمن فيهم حميدتي لم يكملوا المدارس الأساسية، وهذه الحجة رغم وجاهتها لكنها تخفي خلفها ذعراً من تغيير التركيبة القيادية للقوات المسلحة بدخول عناصر جديدة وليست مختبرة فيها، نظراً لان الجيش يمثل احد اهم أدوات السيطرة الطبقية في سودان ما بعد الاستقلال، وان تغيير توازنات القوى في داخله سوف يلحق ضررا بليغا بتلك الامتيازات التاريخية.

ولعل هذا ما يجعل كل القوى الاجتماعية المستفيدة من توزيع السلطة والثروة الحالي تشعر بالضيق من تقدم قوات وعناصر جديدة نحو مركز السلطة في الخرطوم.

ولهذا ان اصلاح الأجهزة الأمنية ليس عملية فنية عسكرية وانما هو فعل سياسي اجتماعي يجب ان ينفتح الحوار حوله في مواقع أخرى، كما ان احراز تقدم فيه يتطلب في الأساس النجاح في ملفات أخرى خاصة الملف الاقتصادي وإنجاز التنمية المتوازنة.

إنّ قيادات الجيش والتي هي جزء من تركيبة السلطة التي كانت تكتنز موارد البلاد ارادت ان تعرقل العملية السياسية عند هذه النقطة لتبدأ مفاوضات سرية يتم فيها اقناع قوات الدعم السريع بان تكتفي بالدمج في المجتمع، وليس الجيش مع تعويضات مجزية وهي مهمة قد تطول، والشركاء الدوليون لن ينتظرونها.

ولهذا أعلنت الآلية الثلاثية في وقت سابق ان المجتمع الدولي سوف يوقع عقوبات على الجهة التي تعرقل الوصول الى الاتفاق النهائي، ويبدو حسب التصريحات الغربية ان هناك ضيقا من الممارسات التي ينتهجها الجيش تجاه الاتفاق الاطاري كما يتضح من خلال حديث البرهان الأخير في الإفطار الرمضاني بمنزل الفريق ياسر العطا، والذي طالب فيه بتنحي الجميع وافساح المجال امام عناصر أخرى. والمكون العسكري لأنه يدرك بانه يواجه خطر البند السابع فانه يقوم بمناوراته القديمة مثل التزامه بالعملية السياسية مع طرح الاجندة التي تضع العراقيل امامها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية “إيقاد” والأمم المتحدة.

عرض مقالات: