اخر الاخبار

تعيش العاصمة السودانية الخرطوم ومدن اخرى تحت القصف المتواصل للأسلحة الثقيلة والطيران، بعد ان وقع المحظور وانفجر الصراع الذي كان يخشاه الناس بين الجيش وقوات الدعم السريع، والذي سرّعت في وقوعه المواقف المتباينة لقيادتي الطرفين من “الاتفاق الاطاري” الموقع نهاية العام الماضي. ففي الوقت الذي سانده فيه حميدتي راح البرهان يضع العراقيل في طريقه، ويطالب بفتحه امام الجميع قاصدا بذلك اشراك فلول النظام السابق في ترتيبات الفترة الانتقالية.

الى ذلك اتهم حميدتي البرهان بانه جنرال اسلامي متطرف، وانه يقود مخططا مع قيادات اسلامية سماها بالاسم، لتمكين تنظيمها الاسلامي الذي نجح في العودة الى السلطة عقب انقلاب تشرين ٢٠٢١. واضاف في تغريداته في تويتر انه يقاتل الاسلاميين الراديكاليين، وان الحرب التي تخوضها قواته هي ثمن للديمقراطية .

لكن قيادة الجيش تصف حميدتي بانه قاد انقلابا على الحكومة، وقامت بحل قواته واعتبرتها مليشيات متمردة سيتم التعامل معها وفق هذا التوصيف.

وقد استقبلت الخرطوم زخات الرصاص الاولى بداية صباح السبت دون دويٍّ لصافرات الانذار او تحذيرات من اية جهة.  لكن المراقبين كانوا يتوقعون أمرا يكسر صمت الايام التي اعقبت تملص قيادة الجيش من ترتيبات الانتقال، التي كان قد  اعلنها  المتحدث باسم العملية السياسية بالتزامن مع انسحاب ممثلي القوات المسلحة من ورشة اصلاح الاجهزة الأمنية، احتجاجا على ورقة قدمتها قوات الدعم السريع تطالب فيها بابعاد عناصر حزب البشير من السلطة، ولم تكن التوقعات تشمل احتمال اندلاع المواجهات في مناطق مأهولة بالسكان، مثل احياء الخرطوم الاكثر اكتظاظا.

ومع ان الجيش كان قد قطع كل سبل التواصل السلمي مع قوات الاسناد، التي كانت تابعة له في يوم من الايام واعلن انه لا حوار او تفاوض الا بعد تفتيتها، الا انه عاد واظهر بعض المرونة من خلال موافقة الفريق الكباشي على الحوار مع حميدتي. والمؤكد ان الجيش تحسس الموقف الدولي والاقليمي ووجده غير مساند له في استئصال قوات الدعم السريع، بل ان احدا لم يشاركه توصيفه لتلك القوات بانها متمردة، حتى مصر التي سبق ان اعلنت رفضها لوجود تلك القوات في السودان وحذرت الدول الخارجية التي تساندها في اخر مؤتمر قمة عربي وكانت الاشارة الى لامارات .

المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الافريقي ومنظمة ايغاد، والدولية مثل مجلس الامن والترويكا والاتحاد الأوربي، كلها تنظر لحميدتي وقواته كشركاء في السلطة ويتمتعون بذات الشرعية التي يحوزها الجيش، وان الازمة الحالية يجب حلها بالحوار. وحذرت الدول ذات النفوذ من ان عقوبات دولية تنتظر من يضع العراقيل في طريق الحوار والانتقال الديمقراطي .

ويبدو ان حميدتي كان يفهم ذلك فاخذ يتحدث لغة العالم من ضرورة عودة الحوار وتسليم الحكم لسلطة مدنية وملاحقة الارهاب واحزاب التطرف الإسلامي.  فيما لا يملك الجيش ان يرد عليه الا بماضيه، حينما كان يعمل في خدمة ذلك التنظيم الاسلامي كقائد لمليشيا حكومية  .. لذلك فان نتائج القتال في الميدان لن تكون حاسمة في هذا الصراع.

والغالب ان قوات الدعم السريع سوف تنتظر حتى تستجيب قوات الجيش للضغوط الدولية، وتوافق على الحوار تعينها في ذلك مرونة تحد من استخدام الجيش لميزات التفوق التي يحوزها من اعتاد عليها، خاصة اذا انزلق القتال الى حرب شوارع وازقة تبطل مفعول الصواريخ وتعيق وصول الاليات الثقيلة،  في الوقت الذي تستطيع فيه عربات الدفع الرباعي التي تستخدمها قوات الدعم السريع  الدخول حتى داخل المنازل ان لزم الامر .  ان ما يشكل دافعا قويا لقوات الدعم السريع ويجعلها تصمد في القتال، هو ان المجتمع الدولي لا يشجع عملية تصفيتها، ولا عدم انخراطها في الترتيبات التي تعقب الدخول في حوار غير مشروط. وهذا ما قد يقود الى تنحيتهم كعساكر وتسليم السلطة للمدنيين، مما يمهد للقاء بينهم من جديد.

عرض مقالات: