في 14 حزيران الحالي، أعلنت الحكومة الألمانية في مؤتمر صحفي شارك فيه المستشار الألماني وأربعة وزراء، لأول مرة استراتيجية للأمن القومي، تمت صياغتها من قبل وزارة الخارجية الألمانية، بأشراف الوزيرة بيربوك (حزب الخضر). وتحت شعار “الأمن المتكامل”، يجب أن تعمل “جميع الجهات او الوسائل والأدوات المهمة” معًا لتعزيز موقف المانيا في أوقات “التنافس المنهجي المتزايد” مع القوى العظمى المعلنة صراحة على أنها عدوة (روسيا) أو منافسة للنظام (الصين). وتم الإعلان عن تركيز الجيش الألماني على النزاعات المحتملة مع هذه البلدان باعتبارها أولوية قصوى، وان “جميع المهام الأخرى خاضعة لهذه المهمة”. يجب أن يكون هناك تعاون وثيق مع الحلفاء في الناتو والاتحاد الأوروبي، ولهذا السبب، فان الاستراتيجية هي أيضا مجموعة من التدابير لتعزيز الامكانيات العسكرية الأوروبية.

والهدف هو أن يوظف الاتحاد الأوربي ثقله “ من أجل المساعدة في تشكيل النظام القائم على القواعد”. وعلى ما يبدو، تم اكتشاف ضرورة وجود ماكينة عسكرية ضخمة لهذا الغرض، والتأكيد على أن الحكومة الألمانية، “مصممة على تعزيز القاعدة للأمن والدفاع الأوربي، ولضمان توفر التخصيصات المالية مستقبلا، تم التأكيد على الالتزام بالهدف المعلن منذ سنوات، والمتمثل بتخصيص 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي الألماني لأغراض الدفاع، أي زيادة هائلة في الإنفاق العسكري.

وعلاوة على ذلك، تسعى الحكومة الألمانية جاهدة من أجل “مزيد من التطوير” للتعاون المنظم الدائم كإطار عمل للمشاريع العسكرية الأوروبية. بالإضافة إلى “تقوية” آلية السلام الأوروبية، التي تُستخدم أساسًا لتمويل شحنات الأسلحة إلى أوكرانيا من خلال تخصيص مليارات اليورو. وتتلاءم هذه المطالبة مع قرارات الأغلبية في السياسة الخارجية والأمنية الأوروبية وإمكانيات تشكيل تحالفات خاصة وفق المادة 44 من معاهدة الاتحاد الأوربي ايضًا، وكلا الأمرين يعزز نفوذ القوى العظمى، وألمانيا في المقام الأول.

رؤية حزب اليسار الألماني

ركزت ردود فعل ممثلي حزب اليسار الألماني في البرلمان الألماني والبرلمان الأوربي على مضي الحكومة الألمانية قدما، من خلال إستراتيجيتها للأمن القومي، في عسكرة العلاقات، وبالتالي، فإن ما قدمته الحكومة عبر هذه الوثيقة هو استراتيجية انعدام الأمن للشعب، مما يزيد من تأجيج النزاعات.  وتهتم الاستراتيجية أولا بضمان أرباح قطاع صناعة الأسلحة. إن “سياسة تصدير الأسلحة المسؤولة” المفترضة التي يتم السعي إليها تمثل إشكالية بشكل خاص. بالإضافة إلى حالة الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلد المستفيد، ينبغي أيضًا مراعاة مصالح التحالف والأمن والتحديات الجيوستراتيجية ومتطلبات لزيادة التعاون في مجال التسلح الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، تريد الحكومة الحالية إلغاء الحظر الحالي على تصدير السلاح إلى مناطق الحروب والأزمات، وفقا إرشادات تصدير الاتحاد الأوربي. والهدف من ذلك هو تكييف الوضع القانوني للتعامل الألماني من خلال توظيف لائحة تصدير الأسلحة في الاتحاد الأوروبي.

ووصف الرئيس المشارك لكتلة حزب اليسار في البرلمان الالماني ديتمار بارتش الاستراتيجية بأنها “غير مكتملة ومثقلة أيديولوجياً”. وشدد على أن تحديد هدف إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع “ليس عاملا للأمن، ولكنه عامل لتسريع اشعال النيران في عالم يزداد هشاشة”. وقال بارتش إن الأمن في القرن الحادي والعشرين “أكثر من مجرد تسليح”، وأشار إلى مشاكل الفضاء السيبراني وحماية المناخ، وأزمة الهجرة واللجوء.

يذكر أن مضمون الاستراتيجية المعلنة جاء في اتفاق تام مع الخطاب الذي القاه المستشار الألماني شولتس في البرلمان الاتحادي في 27 شباط 2022، أي بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بخمسة أيام،  والذي بموجبه صور المانيا على أنها ضحية  لتهديدات وأعداء سياسيين عالميين جدد، و تجنب المستشار الإشارة إلى خرق الحكومات الألمانية المتعاقبة للدستور الألماني الذي يحظر مشاركات الجيش الألماني في النزاعات العسكرية خارج الحدود، ويمكن الإشارة إلى المشاركة الفعلية في الحرب في أفغانستان، والدعم المخابراتي واللوجستي لحرب احتلال العراق، والمشاركة في حرب تفتيت يوغسلافيا السابقة، وانتشار الجيش الألماني في العديد من البلدان الأفريقية وآخرها اعلان المستشار الألماني،  أن بلاده في حالو حرب. في تطور خطير لم تشهده السياسة الألمانية الغربية، منذ الانتصار على النازية الألمانية.

عرض مقالات: