اخر الاخبار

بالتزامن مع انطلاق قمة الايغاد لمناقشة الحرب في السودان وسبل وقفها؛ أعلنت القاهرة عن مبادرة دول جوار السودان لذات الهدف ابرز المشاركين فيها تشاد وجنوب السودان وافريقيا الوسطى. وهي دول تتبادل قلق حقيقي جراء استمرار القتال على حدودها واحتمالات تاثيره على اوضاعها الداخلية، والتي تجلت في تدفق اعداد كبيرة من النازحين الى اراضيها.

وتعدد المبادرات يعيد الى الأذهان اوضاع الحرب الاهلية في السودان في العام ٢٠٠٣. وهي المرة الاولى التي لعبت فيها الايغاد ذات المهام التنموية دورا سياسيا، حيث طرحت مبادئ لحل النزاع عرفت باسم ميثاق ميشاكوس الاطاري الذي تأسست عليه اتفاقية نيفاشا التي انهت عقودا من القتال في السودان. في حين كانت القاهرة قد طرحت المبادرة المصرية الليبية. لكن حظ ايغاد من النجاح كان اوفر لانها مدعومة دوليا. وما اشبه الليلة بالبارحة. حيث تقف امريكا والاتحاد الاوروبي والسعودية الى جانب مبادرة ايغاد الحالية، في حين تشرف كل من قطر وتركيا على منبر القاهرة.

ورحّبت حكومة الامر الواقع في الخرطوم بالمبادرة المصرية، وقالت ان وفدها انسحب من قمة ايغاد احتجاجا على رئاسة كينيا للدورة، ووصفتها بانها غير محايدة وتنحاز الى تحالف قوى الحرية والتغيير. لكن في الحقيقة ان الاخبار التي رشحت من هناك تفيد بان تمثيل الحكومة السودانية في القمة اعتبرته الايغاد غير شرعي نتيجة تجميد الاتحاد الافريقي لعضوية السودان بسبب الانقلاب الذي قاده جنرالات الجيش على الحكومة المدنية. وقد اكد رئيس اثيوبيا ابي احمد هذا الموقف، وقال ان السودان الان دولة بلا حكومة، وعلينا ـ ويقصد الاتحاد الافريقي ـ ان لا نقف مكتوفي الايدي. كما اكد المبعوث الاممي للسودان في لقاء مع قناة الجزيرة بان الحكومة الموجودة الان في الخرطوم غير قادرة على السيطرة على الوضع في هذا البلد، والذي يؤثر على المدنيين وعلى جيران السودان.

ويبدو ان الحكومة السودانية ترفض مبادئ ايغاد التي تقدمها لحل الازمة اكثر من رفضها لرئاسة كينيا للدورة الحالية؛ فالمشاركون كما تم التصريح من قبل كل الاطراف الدولية والاقليمية المشاركة والداعمة للايغاد ميالون لاعتماد الاتفاق الاطاري الموقع نهاية العام الماضي بين اللجنة الامنية وقوى الحرية والتغيير كخارطة طريق. كما تطالب الخارجية الامريكية بابعاد العسكر عن السياسة ورجوعهم الى الثكنات.

وتقدمت ايغاد اكثر حين اعلن ابي احمد بضرورة حظر الطيران في سماء الخرطوم ونزع سلاح المدفعية. ومن جانبها اعلنت القوات الافريقية المشتركة انها تلقت توجيهات من مجلس الامن والسلم الافريقي بالاستعداد لنشر قوات في جهات من السودان. واوضحت ان ذلك لن يتم الا بطلب من السودان. لكن ماهي الجهة التي تمثل السودان اذا كانت المنظمة الافريقية صاحبة المبادرة ومن خلفها الاتحاد الافريقي يعتبران الحكومة الحالية غير شرعية ورفضت حضورها القمة وفق هذه الحيثيات؟ الاجابة على هذا السؤال ربما يقدمها حضور السيد عبدالله حمدوك الى أديس ابابا وظهوره العلني مع مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية. وإعلان الأخيرة عن عزمهم على تأسيس عملية انتقال ديمقراطي جديدة في السودان مع التاكيد على ان المفاوضات يجب ان تكون بقيادة سودانية وبرعاية الايغاد. فمن الواضح ان الشركاء الدوليين والاقليميين يتجهون للتعامل مع اخر حكومة شرعية، التي انقلب عليها العساكر في تشرين ٢٠٢١. وهذه الحكومة او رئيسها السيد حمدوك سوف يطلب من الاتحاد الافريقي نشر قوات افريقية بمساعدة دولية لحماية المدنيين في السودان كما سبق له ان طلب من الامين العام للامم المتحدة ارسال بعثة اممية لمراقبة عملية الانتقال المدني الديمقراطي. ولم يستجب رئيسها فولكر بريتس لطلب البرهان بمغادرة السودان. وفي رد حاسم على رسالة البرهان برفضه للرجل والمطالبة بسحبه، جدّد مجلس الامن الثقة فيه بالاجماع لفترة جديدة في رسالة واضحة لمن يعنيهم الامر بان المجتمع الدولي وعبر مؤسساته الرسمية يقف الى جانب مدنية السلطة.

وقد تضمنت مبادئ ايغاد التي تسربت الى جانب حظر الطيران والمدفعية انسحاب قوات الجيش والدعم في اتجاهين متعاكسين وعلى بعد ٥٠ كيلو مترا من الخرطوم، و٢٠ كيلومترا من مدن الولايات.

يبقى ماهو مصير مبادرة جيران السودان التي تساندها قطر وتركيا من خارج دائرة دول الجوار السوداني. ورغم تعاطف الدولتين مع الجيش والقوى السياسية التي تسانده الا ان تشابك مصالحهما الدولية والاقليمية المرتبطة بالقضية السودانية ربما دفعتهما للتوفيق بين المبادرتين او دمج الاخيرة في مبادئ الايغاد باعتبارها المبادرة صاحبة الحظ الاكبر في النجاح. كما ان المبادرة نفسها تعتبر تحركا مصريا معزولا لمواجهة اثيوبيا في موقع متقدم على الارض اذا انفجر الصراع بين الدولتين في قضية سد النهضة، لان أديس ابابا تتقدم في الملف السوداني مدعومة بشرعية الاتحاد الأفريقي الذي يعتمد الاتفاق الاطاري كخارطة طريق لوقف الحرب منقوصة هذه المرة مشاركة العساكر في السلطة. فالأخبار الواردة من أديس تشير الى ان رئيس الاتحاد الأفريقي موسى فكي قد التقى وفد الحرية والتغيير وسلمه الوفد رسالة تطالب الاتحاد الافريقي بحماية المدنيين. كما ان وفد الحرية والتغيير اعلن موافقته على مبادئ الايغاد كما وافقت عليها قوات الدعم السريع في حين رفضتها الخارجية السودانية التي تعتبرها المنظمة الافريقية كما يعتبرها الاتحاد الافريقي بانها غير معنية بالامر، وان المقصود باي مفاوضات مرتقبة هو الجيش السوداني كطرف في الصراع وليس الحكومة السودانية.

عرض مقالات: