اخر الاخبار

بات واضحا ان طرفي النزاع في السودان يستعدان لجولة جديدة من المفاوضات، ربما تكون اكثر حسما وحزما من الجولات السابقة.

 نائب القائد العام للجيش السوداني شمس الدين كباشي وهو الاكثر تشددا في القيادة الامنية قال انهم مستعدون لاي حوار ينهي الحرب، وان وفدهم التفاوضي سافر بالفعل الى جدة. فيما رحب عزت الماهري مستشار قائد الدعم السريع حميدتي بتصريحات الكباشي، واعتبرها مؤشرا ايجابيا يساعد على انهاء التصعيد العسكري.  لكنه ارجعها الى تقدم قواته في الميدان، واردف بانهم باتوا هم من يحددون شروط التفاوض وليس البرهان.

لذا رد الجيش بعنف في الايام الماضية، وقام سلاح الجو بطلعات ضد قوات الدعم السريع جنوبي الخرطوم وام درمان. كما صد هجوما على مقر القيادة العامة ومنطقة وادي سيدنا العسكرية.

وتجيء هذه التطورات العسكرية والسياسية متزامنة مع هجومين نفذتهما الحركة الشعبية - جناح الحلو على منطقة الكرمك في النيل الازرق ومنطقة كركراية في جنوب كردفان وتصدى لهما  الجيش بنجاح. لكن اتضح للجيش انه لا يستطيع ان يقاتل في عدة جبهات، في حين تلقت قوات الدعم السريع ضربات موجعة في منطقة كردفان من سلاح الطيران، اجبرتها على الابتعاد عن مدينة الابيض التي كانت تحاصرها وتشل قدرتها على امداد قواتها المقاتلة في الخرطوم بالمقاتلين. ما يعني ان توازن قوى عسكري قلق قد تحقق على الارض، وتوصل الطرفان بمنطق الحرب نفسه الي ان استمرارها اكثر من ذلك يعني الافناء المتبادل.

من ناحية اخرى لعبت الضغوط الدولية دورا مهما بعد ان اعلن مجلس الامن والسلم الافريقي فراغ السودان من الدولة، وانه لن يقف مكتوف اليدين كما صرح بذلك احد ابرز قيادات الاتحاد الافريقي ابي احمد. وفي نفس الوقت اعلنت القوات الافريقية المشتركة انها تلقت توجيهات بالاستعداد لنشر قوات في اجزاء مختلفة من السودان.

ولوقف هذه التطورات عقد جيران السودان قمة في القاهرة، لكنها وبرغم حديثها عن ضرورة الحفاظ على سيادة السودان ووحدة اراضيه وعدم التدخل الدولي فيه، لم تستطع ان تتجاهل ضرورة حماية المدنيين من قصف الطيران والمدفعية الثقيلة من جانب الجيش، وانتهاك حرمات المواطنين ونهبهم من قبل قوات الدعم  السريع، وان الوضع يحتاج حماية دولية اذا لم يتوصل الطرفان الي وقف فوري لاطلاق النار ثم الى حل سياسي. وهذا ما شددت عليه القمة السعودية التركية، التي طالبت الطرفين بالبناء على مخرجات قمة جدة الاخيرة.

 وعلى هذا فان ما يحول دون التدخل الدولي هو وقف الحرب وتحقيق الحل السياسي، والذي دونه عقبات كثيرة.

 فقد اعتمدت قمة ايغاد الاتفاق الاطاري الذي وقعته الحرية والتغيير - المجلس المركزي مع المجلس العسكري نهاية العام الماضي خارطة طريق للحل. وهو الاتفاق الذي يرفضه الجناح الاخر في الحرية والتغيير، كما يرفضه تحالف قوى التغيير الجذري الذي ينشط فيه الشيوعيين، ما يعني ان هناك ثلاثة جبهات مدنية سياسية لا تتفق على اي مشتركات غير وقف الحرب وذهاب العسكر للثكنات.

في هذا الوقت اعلن حميدتي عن تشكيل لجنة للاتصال بالقوى السياسية لتداول مستقبل السودان، وقال في تسجيل صوتي انهم لن يسمحوا بعودة فلول النظام السابق للحكم. وهذا يطرح سؤالا مهما حول وجود هذه القوات في مستقبل السودان بعد التفاوض، وحول مستقبل البلاد نفسها فيما اذا انتهت الحرب بالتفاوض، وظلت هذه القوات محتفظة بكامل قوتها، وحتى لو تم دمجها في الجيش. فهي تتأسس على الولاء القبلي، وقد اعتادت اخذ القانون بيدها. كما انها لا تتبع غير قياداتها القبلية.

 من جانبها تتمسك بعض القوى السياسية مثل الحزب الشيوعي بضرورة حل هذه القوات، بينما تطالب قوى الحرية والتغيير بدمجها في الجيش. ويتفق الاثنان على انها قوات نظامية لا يجب ان تلعب دورا سياسيا بوصفها قوات للدعم السريع، بل وان هذه الوضعية يجب ان تنتهي بمجرد دمجها في الجيش وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في التسريح واعادة الدمج. بينما السيد حميدتي يتحدث في السياسة وما ينبغي ان تكون عليه في المستقبل.

لكن القوى السياسية المدنية التي ترفض مشاركة هذه القوات في السياسة، لا تملك ادوات غير التصعيد الثوري  ووفق الادوات المدنية السلمية المجربة والمعروفة للجميع. وهذا لا يجدي في التعامل مع جهة تحمل السلاح. بينما لا تعول الجبهة المدنية الثورية على الجهود الدولية والاقليمية التي اخذت تمارس ضغوطا على قوات الدعم السريع، تدرجت من الادانات الى فرض العقوبات. لكنها لن تقوم بما يفترض ان تقوم به القوى المدنية من دور، وفي الغالب ستتعامل مع معطيات الواقع وقواه التي تشكل خطرا على حياة المدنيين.

في مثل هذه التعقيدات تسربت اخبار عن احتمال بداية المفاوضات خلال هذه الايام، وفي وقت اعلن فيه مستشار حميدتي ان نهاية هذا الشهر ستشهد وقفا شاملا لاطلاق النار، تعمل الجهات الراعية على ان يكون طويلا. بل حددت له ثلاثة اشهر، يعقبه الدخول في مفاوضات وفتح الباب امام نشاط سياسي كبير.

ومن المتوقع ان يتمسك بعض القوى خاصة في تحالف قوى التغيير الجذري، بموقفها الرافض لاي دور سياسي لقوى الدعم السريع، وان مصيرها يجب ان يكون مثل مصير تنظيمات العهد السابق.

عرض مقالات: