اخر الاخبار

الإسكان ومبادئ بناء المجتمع

في إطار الجهود المبذولة لإعادة الأمل والفرص لجميع العراقيين، وتنسيق المسعى الصادق بين المؤسسات الحكومية والأهلية والتعليمية ومنظمات المجتمع المدني ومصممي ومنفذي المجمعات السكنية، ارى أن الإلتزام بالحد الأدنى من أسس التنمية يتطلب ما يلي:

  1. أن لا يكون هدفنا بناء الوحدات السكنية فقط، بل وايضاً الأحياء السكنية، وأن لا يكون هدفنا بناء المدارس فقط، بل وتعليم الأطفال، وان لا يكون هدفنا زيادة الدخل، بل وايضاً خلق الجمال وإنهاء الحالة المزرية لبيئتنا.
  2. لتحقيق رؤيتنا المتمثلة في تطوير مجتمعات حضرية قوية ومستدامة، يجب خلق فرص العمل، والجمع بين حماية البيئة وتقليص الهدر ومكافحة الفقر وبين زيادة الاتاجية والأجور ورأس المال والمدخرات والأرباح والمعلومات والمعرفة.
  3. إن الحلقة المفرغة لتركز الفقر واليأس والضائقة المالية التي ابتليت بها معظم المدن في العراق والعالم اليوم تضعف القدرة التنافسية الحضرية.
  4. وتمثل المجتمعات الفقيرة فرصة اقتصادية غير مستغلة للبلد بأسره. علينا أن نفّعل انتاجيتها وأن نعمل معا لإيجاد أسواق خارجية للسلع والخدمات.
  5. ليس دور برامج شبكات الضمان الاجتماعي، إبقاء الأفراد أو الأسر أو المجتمعات في حالة من التبعية الدائمة، بل إنشاء إطار للدعم والحوافز والقواعد الواضحة حتى يتمكن الناس من مساعدة أنفسهم والخلاص من الإعتماد على المساعدة الحكومية.
  6. يجب أن يخطط أولئك الذين يعيشون المشكلة مع الآخرين الذين لديهم حل مشترك لحلها، ليس لأنها مهمة مجردة ولكن لأنها مصدر قلق شخصي.
  7. في العراق، الطبقة الوسطى صغيرة والفقراء كثيرون. لدى العراق القدرة على إنهاء عزلة الفقراء ومعالجة تدهور مجتمعاتنا الحضرية. يجب علينا الآن تطوير حكومتنا وشعبنا بإرادته الحرة.
  8. إن اللامركزية وتفويض السلطات المهمة في حياة الشعب، ستمكن الناس من ادوات تطوير المجتمعات المحلية في 18 محافظة، حيث يعيشون وحيث يمكنهم فعل شيء بشأن وظائفهم وأطفالهم ومدارسهم وسلامتهم في إرادة ذاتية شفافة.
  9. أصبح من الممكن باستخدام التكنولوجيا الحديثة، استثمار الموارد المحلية بشكل افضل وعقلاني، وبتخطيط وتنفيذ ذاتي وبشكل اكثر كفاءة مع تقليل الهدر.
  10. تلعب الحكومة المركزية في الدول الريعية دورا أساسيا ومناسبا في دعم التجارب الوطنية، التي قد يكون من الصعب ادامتها ذاتياً، خاصة فيما يتعلق بحاجات الفئات الأكثر ضعفاً للتنمية.

الاخلاق والعمارة

إسترعى اهتمامي، وانا ادقق بعض المشاريع، مدى تدهور مهنة العمارة لدى بعض المكاتب الناشئة غير المختصة، وليس المكاتب الرصينة، فتذكرت حينها جهداً نبيلاً لأخي وزميلي العزيز الدكتور عبد السعدون حول الاخلاق والعمارة ورد فعلي إزاء ما يحدث من تردِ في اخلاق ممارسة العمارة الذي يهدد بزوال هذه المهنة أصلاً، كتبت دراستي هذه.

الأسس التاريخية

على مر التاريخ ، كان هناك علاقة وثيقة بين الأخلاق والعمارة ففي العصور القديمة، أسس المهندسون مبرراتهم الأخلاقية لعملهم استنادًا إلى الدين والسياسة والفلسفة. فعلى سبيل المثال، في العصور اليونانية والرومانية والعصور الوسطى وعصر النهضة، تشكلت الأشكال المعمارية استنادًا إلى اعتبارات أخلاقية كما أسس نظام الحسبة تخطيط المدن والعمارة الإسلامية .

تأثرت أعمال العمارة حتى العصر الحديث بفكر افلاطون ومدينته الفاضلة، الذي يربط بين الأشكال الفردية والوحدة الكونية، بين العقل والأخلاق والجمال. كذلك فعل إيمانويل كانت في عصر التنوير بالربط بين الجمال وكل من العقل والأخلاق في مجال العمارة. وكانت اطروحات هيكل الأقوى الذي جعل الاخلاق كينونة العمارة واساسها، فيما جعل كارل ماركس الاقتصاد والمساواة أساس اخلاق العمارة. اما لدى وليم مورس، وللتمهيد للانتقال الى الحداثة، فإن اي تزيف او ترف او اضافة على العمارة هو عمل لا اخلاقي، ولاحقا راح كل معماري الوظيفة بل وحتى معماري ما بعد الحداثة، يعزون فعلهم لفشل الحداثة ونظرياتها في اسعاد الشعوب، بنشوب الحروب والمجاعات، وهذا رد فعل مشروع ومقبول. واستمر هذا التوتر حتى القرن العشرين، حيث تكافح العمارة بين الاستقلالية الجمالية ومهمتها الاجتماعية.

ثمة اتجاهان رئيسيان في العمارة المعاصرة لتفسير القيم الأخلاقية:

تفسير القيم من الماضي: يستوحي بعض المهندسين المعماريين ارائهم من فلاسفة مثل افلاطون وهيغل وهايدجر وجادامر، ويرون العمارة كتعبير عن الوحدة الكونية، حيث تكون نتاجاً  للعقل والأخلاق والجمال.

الموقف النقدي تجاه المعرفة: يتبنى مهندسون معماريون آخرون منظور نيتشيه، حيث ينتقدون القيم المتعارف عليها. ويؤثرون الفلاسفة مثل ليوتار وديريدا وديلوز على هذا الموقف النقدي.  هنا، يتم إعادة تعريف الأخلاق، وتكافح العمارة مع دورها في المشهد الثقافي والسياسي المعاصر من اجل قيم جديدة من رحم القيم القديمة ولا تلغيها فالتناقض كان دائما عنصرا مهما من ديالكتيك العمارة وبالنتيجة كان لهذا الصراع ان يحسم كما حدث الان لصالح ما يسمى بالحداثة الجديدة.

جدل ديفيد واتكين:

تحدى مؤرخ الفن ديفيد واتكين محاولات تأسيس العمارة على أسس أخلاقية، فدافع في كتابه الاخلاق والعمارة  1977 عن الاستقلالية الجمالية وأهمية الجمال في الممارسة. يثير هذا الجدل تساؤلا عما اذا كانت الأخلاق تلعب دورًا حاسمًا، حيث تشكل سلوك ومسؤوليات المهندسين المعماريين. ازعم نعم، ولكن كيف؟ وهنا استعرض ما علينا القيام به وفق منهجية محددة.

دعونا نستعرض بعض الجوانب الرئيسية:

الاحترافية: يُتوقع من المهندسين المعماريين الحفاظ على مستوى عالٍ من الاحترافية مع العملاء والمحترفين الآخرين، والسلوك المحترم، والتفاعل المهذب طوال عمل المشروع.

الكفاءة: يجب أن يمتلك المهندسون المعماريون المعرفة والمهارات والخبرة اللازمة لأداء عملهم،  والبقاء على اطلاع بالاتجاهات الصناعية والتكنولوجية. ويعد هذا  أمراً ضرورياً، فضلاً عن التعليم المستمر وتطوير المهارات.

الصدق والنزاهة : يجب أن يكون المهندسون المعماريون صادقين وشفافين في تعاملاتهم. التضليل في المؤهلات أو الخبرة أو الرسوم اوالشفافية بشأن تضارب المصالح، أمور سلبية خطيرة.

احترام التنوع: يجب على المهندسين المعماريين إنشاء تصاميم تحترم التنوع الثقافي والعرقي. وتكون المباني شاملة وتخدم مجموعة واسعة من الأشخاص وتسهم بشكل إيجابي في بناء مجتمع متنوع كفوء. 

الاستدامة البيئية: يتحمل المهندسون المعماريون مسؤولية تصميم مبانٍ مستدامة بيئيًا، و النظر في عوامل مثل كفاءة الطاقة والمواد والتأثير على البيئة على المدى البعيد.

الصحة والسلامة والرفاهية: يجب أن يعطي المهندسون المعماريون الأولوية لصحة وسلامة ورفاهية الجمهور.

في الختام نشير ان السلوك الأخلاقي يضمن أن المباني آمنة ووظيفية ومفيدة للأجيال القادمة، وان الممارسة الأخلاقية ليست مجرد مجموعة من القواعد، بل هي التزام بخلق عالماص أفضل من خلال الهندسة المعمارية، الأساس في التقدم وبناء وطننا الاتي السعيد .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

* مهندس معماري واكاديمي

عرض مقالات: