تشكل الأمية بين الشباب العراقي ظاهرة خطيرة، حيث تصل الى 17 في المائة ممن هم دون الرابعة عشرة والى 28 في المائة لمن هم دون الثلاثين.

وتحتل الفتيات المساحة الأكبر في هذه المجاميع، إذ تصل نسبة النساء الأميات حسب تقارير اليونسكو الى 38 في المائة وحسب الجهاز المركزي العراقي للأحصاء الى 28 في المائة.  وفي الوقت الذي حددت فيه اليونسكو وجود 3.2 مليون طفل عراقي في سنّ الدراسة خارج المدرسة، يشير المراقبون الى أن أعداد الطالبات المتسربات من المدارس لأسباب عديدة، كالفقر اوالزواج المبكر او عمالة الأطفال أو الخوف أو العادات المتخلفة، هي أعلى بكثير من عدد الطلبة المتسربين (الجهاز المركزي للإحصاء 2019)، بحيث لا تكمل 27 في المائة من الفتيات الدراسة الإبتدائية و57 في المائة الدراسة الثانوية (اليونسيف 2021).

وتبدو الصورة أكثر قتامة في المناطق المحررة من الإرهاب وفي مخيمات النازحين، حيث تسجل تقارير اليونيسيف الى أن ما يقرب من نصف الأطفال النازحين في سنّ الدراسة، أي حوالي 355,000 طفل وطفلة، لا يذهبون الى المدارس، وإن وضع الفتيات أسوأ بكثير من وضع الأولاد.

تدني تخصيصات التعليم

لم يحظ التعليم منذ سقوط الدكتاتورية وحتى الأن بما يستحقه من إهتمام، بعد سنوات طوال من الخراب في هذا القطاع الحيوي من حياة العراقيين، جراء الحروب والحصار ودوامة العنف الطائفي ومسار الصراع للقضاء على الإرهاب. وفيما لم تخصص الحكومة أكثر من 6 في المائة من الموازنة للتعليم، عجزت عن بناء المدارس وتطوير المناهج وتحسين طرق التدريس، في وقت التهمت فيه الرواتب معظم التخصيصات، وما بقي منها إقتنصته جيوب الفاسدين. وبديهي أن يكون التأثير السلبي لهذا التخلف أكبر على مدارس وبرامج تعليم الفتيات.

التنمية المستدامة

وإذا كان التعليم حقاً من حقوق الإنسان، فإن حق الفتيات في التعليم يكتسب أهمية إستثنائية، لاسيما في بلاد عاشت التمييز الجندري لقرون. فتعليم الفتيات أداة فاعلة للخلاص من الفقر، ورافعة للمستوى الاجتماعي والصحي والحضاري، ووسيلة لضمان تكافؤ الفرص بين الجنسين، والوصول لتنظيم النمو السكاني، ومفتاح لزيادة الإنتاج وتحسين النوعية، وتمهيد سليم لبناء أجيال فاعلة في مسار التطور البشري. ولهذا، فتعليم الفتيات، محرك قوي للتنمية المستدامة في أي بلد كان، لأن التنمية البشرية هي القاعدة التي ترتكز اليها أية تنمية مرتجاة. 

التعليم السليم

وكي يتحقق للفتيات العراقيات تعليم أفضل، يحّولهن من عناصر سلبية على الأغلب، الى مواطنات فاعلات في نمو وتقدم البلاد، لابد من تغيير شامل في عملية تعليمهن، يستند الى:

  1. التخصيصات

لا بد من زيادة حصة التعليم في الموازنة، بحيث لا تقل عن ميزانية الأمن والدفاع. كما يجب بناء مدارس حديثة ومتطورة في المعمار والتجهيزات، وتمكين الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات من الربط الوثيق بين النظرية والتطبيق، وتحسين المناهج وفق أخر المبتكرات العلمية، وإعتماد نظام للتقييم، يعتمد على الكشف عن القدرة على التفكير والإستنباط والإبداع وليس على حفظ مفردات المنهج.

  1. إعداد المعلمين والمعلمات

تحتاج البلاد الى إستراتيجية خاصة بإعداد المعلمين والمعلمات، تهدف لتحسين إمكانياتهم العلمية والتربوية، وقدرتهم على إدارة صف ومدرسة مستقلة، وتطبيق طرق التقييم الحديثة، والتعاون مع زملائهم في إختيار المناهج وطرق التدريس الجماعية والفردية والتخطيط الجماعي والتعاون مع أولياء الأمور، على أن يحظون برواتب تشجيعية وخدمات متميزة.

  1. إتباع نظام اللامركزية في التعليم

ولا نعني بذلك اللامركزية الإدارية، بل إستقلالية المدارس نفسها وتقليل تدخل الإدارات العليا في شؤونها الى حدوده الدنيا، حيث ثبت في العديد من الدول المتقدمة أن إعتماد نظام يوفر تكافؤ الفرص للجميع، والتوزيع العادل للموارد بدلاً من المنافسة، وبناء الثقة التدريجية بين التربويين، هو السبل الأبرز للتقدم. ولهذا تم التحول من نظام يعتمد الاختبار الخارجي في التقييم إلى نظام أكثر لامركزية، يقوم فيه المعلمون المدربون تدريباً عالياً بتصميم المناهج الدراسية وفق ستراتيجات عامة لكل مادة، وعلى ضوء إمكانيات الطلبة في المدرسة ومدى قدرة كل منهم على التقدم. وقد حقق هذا التحول نجاحات هائلة في العالم المتطور، لاسيما في صفوف الفئات الهشة كالفتيات.

  1. خدمات إضافية مهمة

كتقليص عدد الطالبات في الصف والتوفير المجاني للتغذية المدرسية والرعاية الصحية المجانية، وبشكل خاص فيما يتعلق بشؤون النساء، ورعاية الأسنان والنقل ومستلزمات المدرسة الأخرى، وإعتماد نظام توفير المشورة التربوية والنفسية للطالبات، ووجود مدارس خاصة ومتطورة لذوات الإحتياجات الخاصة.

عرض مقالات: