اخر الاخبار

يتذكر العراقيون الذين عاشوا الحدث باعتزاز ذلك اليوم الخالد الذي التقت به إرادة الجيش والشعب، حيث كان الاستعداد على أشده للتضحية في سبيل الوطن وتخليصه من هوان وذل المستعمر الذي يتحكم برقاب مواطنيه، وتقدمت الصفوف نخبة عسكرية على رأسها الشهيد البطل الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ورفاقه الأشاوس، جلال الأوقاتي، وصالح محمد وفاضل عباس المهداوي وماجد محمد أمين وعبد الكريم الجدة وداود الجنابي وغيرهم ممن افتدوا الوطن بأنفسهم، يعضدهم الجيش السياسي للثورة الذي يتزعمه الحزب الشيوعي بقيادة الشهيد البطل سلام عادل وحلفائه في جبهة الاتحاد الوطني، وبذلك تمكن تلاحم الجيش والشعب من الإطاحة بحكومة المستعمر البريطانية التي يديرها المندوب السامي، واعلان الجمهورية العراقية ذات الاستقلال والسيادة الوطنية، وذهب الاستعمار البريطاني غير مأسوف عليه، وحل محله الأحرار الذين واصلوا تحرير البلاد من حلف بغداد ومن الارتباط بالنقد الاسترليني، ومنع شركات النفط من التنقيب بحوالي 98%من أرض العراق وفق القانون رقم ثمانين الذي سنته حكومة الثورة، والتي سنت أيضاً قانون الاصلاح الزراعي الذي صودرت بموجبه أغلب أراضي الاقطاعيين وتم توزيعها على الفلاحين، ثم سنت قانون الأحوال الشخصية، وشرعت حكومة تموز ببناء عشرات المدارس والمستشفيات ووزعت مئات من قطع الأراضي والدور السكنية.

وكانت قيادة الثورة تحضر لأجراء انتخابات لمجلس وطني، بغية التحول إلى الحياة المدنية، وحل مجلس السيادة العسكري، وهي مستمرة في مسعاها في بناء العراق وجعله وطنناً يثير الفخر والاعتزاز، لولا مؤامرة المخابرات الأمريكية والانكليزية وبقايا الاقطاع والرجعية المحلية والبعض من رجال الدين وحزب البعث الفاشي، حيث تمكن هذا الحلف من وئد الثورة وقتل قائدها ورفاقه الميامين، ومنذُ ذلك اليوم المشؤوم والعراق ينزف دماً وتحيق به الرزايا من كل حدب وصوب.

بيد ان الثورة تركت لنا عبرا ودروسا بليغة، لابد من أخذها في الاعتبار في ثورة الشعب القادمة، ومن بين أهمها:

1 - ضرورة انحياز بعض قطعات الجيش مع الجماهير المنتفضة، والتنسيق بينهما، الأمر الذي يسهل عملية الانتصار على قوى النظام، حيث اسناد الجيش والتنسيق معه سيعطي الانتفاضة زخماً معنوياً وقوة وثباتا حتى النصر، وهذه من دروس ثورة 14 تموز المجيدة، عندما تضافرت جهود الجماهير مع طلائع العسكر وكنست النظام التابع للاستعمار إلى الابد.

2 - عدم السماح بالتدخل في شؤون البلاد الداخلية، كان من المبادئ الرئيسية لحكومة الزعيم قاسم، وكان خلافه مع عبد السلام عارف والبعثيين حول تدخل جمال عبد الناصر، ولم يترك المجال لشاه إيران أن يكون وصياً على شيعة العراق، لذلك أصبح هدفا لهذه الجهات للتآمر عليه، وهذا الدرس النافع من حكومة تموز، يجب أن يكون في الاعتبار أبداً لأننا قطفنا الثمر المرْ من تدخل إيران وغيرها، لاسيما ونحن في وضع مخاض ينذر بولادة نظام جديد.

 3- ومن الدروس والعبر التي تعتبر من أسباب طمع أعداء الثورة في التطاول عليها هي عدم الحساب للردة والانتكاس في مسيرة الثورة، الأمر الذي أفضى إلى اهمال تحصينها والتلكؤ في القضاء على عناصر أمكانية الانتكاس، وضرورة ان لا يغيب عن البال الدرس الذي كان مؤذياً للحكومة ورئيسها.

4 - الثقة بالشعب وقواه المخلصة في الدفاع عن الدولة والثورة، لشديد الأسف لم تكن حاضرة في خلد الزعيم قاسم رغم إخلاصه وحبه الشديد للوطن ولشعب وفقرائه خاصة، فأنه لم يعط السلاح للجماهير المحتشدة في باب وزارة الدفاع التي تريد الدفاع عن الثورة. وهذا الدرس يفيد الثوار في تعاملهم اللاحق في منح الثقة للشعب وقواه المخلصة.

5 - عدم التهاون في ردع وعقاب من يسيئ ويتطاول على الدولة وثورة الشعب، واعتماد مبدأ عفا الله عما سلف، كان ضاراً، واستثمره أعداء الثورة وخصوصاً البعثيين الذين لم يجرِ عقابهم كما ينبغي، كذلك الموقف الواضح من القوى السياسية وموقفها من الثورة، وخصوصاً قوى اليسار والديمقراطية التي كان لها الدور الفاعل في اسناد الثورة، لاسيما في تحديد السياسة الداخلية للبلاد، إلا ان حكومة قاسم المعروفة بوطنيتها كان ينبغي لها منطقياً وعملياً أن تكون قريبة من الديمقراطيين واليساريين، بيد ان كسب رضى جميع الأحزاب أو تفضيل جانب على حساب الجانب الآخر، أربك الرؤى في العلاقات السياسية الداخلية وفسح المجال لأعداء الثورة للنيل منها، وهذا الدرس جدير من أن تضعه القوى المتصدية للتغيير الشامل بالعراق بكامل الاعتبار... والدرس الأبلغ والاهم من دروس ثورة 14 تموز الخالدة لحكام العراق اليوم: هوَ ان الشعب لا ينام طويلاً على الظلم والضيم والهضيمة فليتعظ السائرون في غيهم لأن الشعب لهم بالمرصاد.

عرض مقالات: