اخر الاخبار

(1)

“الهوية والشعر” كتاب الشاعر/ عمر السراي/ جهد يمتلك خصوصيته ُ في الدراسة الأكاديمية، إذ أن َّ الكتاب في الأصل رسالة ماجستير عن تجربة الشاعر/ ألفريد سمعان/ الشعرية مقدّمه إلى الجامعة المسنصرية. والخصوصية كامنة في طريقة البحث والشاعر الذي تناوله البحث كما سيتضح في فقرات هذه الإشارة.

حمل الكتاب عنوانين إضافيين لاحقين بالعنوان الأساس (الهوية والشعر) هما:  قراءة في تجربة الشاعر ألفريد سمعان،  ونقد.

إن َّ العنوان الأول، ضرورة توضيحية  يقتضيها التخصيص  ولابد َّ منها، أما العنوان الثاني (نقد) فقد جاء فائضا ً عن الحاجة كون التوصيف الأقرب هو: دراسة وتحليل، كما  هو واضح من متون البحث ؛ غير أن َّ هذا التوصيف المقترح حينما يُضاف، سيوجد تداخلاً بين “ القراءة  “و” الدراسة والتحليل “، كون القراءة  ضامنة لمعنى الدراسة والتحليل، من هنا كان التجنيس (نقد) فاصلاً  اضطراريا ً بين التوصيفين كما أرى، رغم أنه، أي النقد، لم يكن من شواغل وممكنات البحث، والشاعر/ الباحث يعرف  جيداً  امتيازات كل ٍّ من الدراسة والنقد، ولو كانت المقاصد نقدية خالصة، فإن َّ العنوان الأقرب:  قراءة نقدية في تجربة الشاعر ألفريد سمعان  هو الأكثر تواشجا ً. ويبدو أن َّ اشتراطات الدرس الأكاديمي تفوق معرفتي.

(2)

تناول البحث تجربة شاعر مناضل كتب الشعر منذ ُ الأربعينيات، و كان على مقربة زمنية من الشعراء الرواد وتحولات التجديد في الشعر العراقي، إلّا أنه ُ لم يحقق  ما حققوه فنيا ً، إذ امتاز شعره بالمباشرة والبساطة والوضوح، بحدود موهبته وفهمه للشعر وفكرة الشعر، أوكما تمليه عليه تجربته السياسية والفكرية ونظرتها للأدب والفن، وهو ليس من أصحاب التجارب الباطنية أو الذهنيّة، وإنما شاعر تجربة شخصية  صادقة، ومن مشكلات التعبير عن التجربة الشخصية بصدق  كما يقول/ أدونيس/ في (زمن الشعر)  ما يُهمل من اعتبار للإرث الشعري، مقابل التعبير عما تفرضه ُ المقاييس والأسس التي فرضها هذا الإرث وعممها. من هنا لم يحظَ الشاعربتناول دراسي أو نقدي، سوى بعض مقالات متباعدة في كُتب معدودة. وهكذا جاءت دراسة الشاعر (عمر السراي) فضاء ً كاشفا ً لتجربة شاعر يتقاسمه ُ الضوء والظل، ولم يكن أمام الباحث غير الاهتمام بالذي ارتبط بشعرية الشاعر:  الشعر والهوية،  وهي ملامح إستطاع الكشف عنها ببراعة وتمعن دقيقين وبإسلوب شعري/ نثري خال ٍ من هنات النحو والإملاء السائدة في بعض الرسائل والأطاريح  في العقدين الأخيرين.

(3)

ضم َّ الكتاب توطئة ومقدمة و تمهيد عن التشكّلات المعرفية لمفهوم الهويّة، وثلاثة فصول: موجّهات الهويّة، تمثّلات الهويّة، وسائل تشكيل الهويّة. إضافة إلى الخاتمة. وهي تقسيمات تقتضيها طبيعة الدراسة الأكاديمية.

في كل ِّ فصل من الفصول الثلاثة، كتب الباحث اضاءات ٍ موسّعة عن تفّرعات: موجّهات الهويّة، تمثّلات الهويّة، وسائل تشكيل الهويّة. وكان الجهد البحثي ممسكا ً بمركزه  في كل فصل أو تفرّع منه، فكلما يحصل استغراق ما، يعود إلى المركز معلنا ً خلاصته ُ الاستنتاجية، مسقِطا ًتمهيداته النظرية/ المعرفية على شعر الشاعر بوضوح، مما جعل التطبيقات سمة البحث وأهدافه - وهنا يصح التوصيف المُقترح  الآخر لهذا الكتاب : تطبيقات الهويّة في شعر الشاعر ألفريد سمعان  - ومثل هذه التطبيقات لم تقتصر على عدد من دواوين الشاعر، بل شملت -  الثمانية عشر ديوانا ً. ومثل هذه الإحاطة ما كانت لتحصل لولا صلة الشاعر/  الباحث  بالشاعر موضوع البحث، وهي صلة أدبية مهنية. وقلّما نجد شاعراً كتب َ عن شاعربمثل هذا الاقتراب.

(4)

ربما يصح القول بأن َّ التمهيدات النظرية التي جاء بها البحث يُمكن تطبيقها على شعر أي شاعر يعتد ُّ بالهويّة، لكن َّ هذا لا يقلل أبدا ً من شأن  وقيمة وتماسك البحث، إذا لابدَّ من هذه التمهيدات الكاشفة ولا يصح الدخول مباشرة من دونها. وفي المفتتح الآخر، تجدر الإشارة إلى بعض الملاحظات التي نجدها ضرورية في مثل  البحث الشامل :

*..  في التمهيد وما تبعه ُ تمَّ التعريف بالهويّة، لغويّا ً وفكريا ً وفلسفياً، وقد أُشبع الموضوع بكفاية دالّة، إلا أن َّ البحث عاد مرّة ثانية للتعريف بها في فصل (وسائل تشكيل الهويّة).

*.. لم يتطرق البحث إلى الجوانب الفنية والجمالية في شعر الشاعرالذي شكّل  الهويّة وإنما تم َّ التركيز على شرح المضامين ودلالاتها  في عيّنات مختارة من بعض القصائد.

*.. لم نجد تحديدا ً للمساحة العروضية التي تحرّك فيها شعر الهويّة.

*.. وردت تضمينات عدّة تعود لمفكرين وفلاسفة وأدباء، عرباً وأجانب َ، مما يستوجب التعريف بهم في الهوامش كي يكون بإمكان القاريء العادي الإطلاع على المزيد من المعلومات عنهم. وهنا لا أقصد أصحاب المنجز الذين تمّت الإشارة في الهوامش إلى كتبهم كمصادر.

*.. مقدمة الشاعر/ بدر شاكر السياب/ لمجموعة الشاعر الأولى لم يمرّ بها الشاعر/ الباحث، وكان بالإمكان تطويعها لخطّة البحث.

*.. من ضمن الإحصاءآت التي قام بها الباحث ص:282،  وردت عبارة: “وهو مايُمثّل نسبة 38.888 في المائة، وهذه النسبة تكاد تقترب من النصف  “، أي 50 في المائة  والصحيح 40 في المائة إذ لا يصح رياضياً التقريب لأكثر من مرتبة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب (الهوية والشعر – قراءة في تجربة الشاعر ألفريد سمعان) منح الشاعر حضوراً جديدا ً بعد إن كان حاضراً، شاعراً ومناضلاً. كما منح الشاعر/ الباحث حضوراً يُشار له، إذ قطف وردة المبادرة من بين أيدينا، ولن تكفي إشارة العرض هذه، إذ أنه ُ يستحق الاشادة.

عرض مقالات: