اخر الاخبار

يهتم منهج النقد الأسطوري بقراءة الآداب والفنون التي تتعامل مع الفكر الأسطوري، حيث يقوم بتحليل النص وابراز جوانبه الابداعية عبر رصد تجليات كل ما هو متعلق بالأساطير، يتفحص تقنيات وطرائق توظيفها، ويتقصى عن شتى الاستعارات المجازية، الأشكال والصور والعناصر والرموز المتعلقة بها. ويمكننا تلمس أدوار بارزة لعدد من النقاد العالميين، أسهموا في ترسيخ أساسيات هذه الممارسة النقدية، ويعد نورثروب فراي من أبرز دعاة هذا المنحى، الذي قدم أطروحات على قدر كبير من الاهمية، تركت أثراً بارزاً، أغنت هذا التوجه النقدي، ولابد من التذكير في الابتداء الى أن فراي هو أول من أطلق تسمية (النقد الأسطوري)، وقد وردت إشارة الى ذلك في كتابه (تشريح النقد) الذي نشره سنة 1957، حيث جاء عنواناً للمقالة الثالثة، التي افاض فيها بتوضيح ما هو المقصود بالنقد الأسطوري، مبيناً بالتفصيل دلالة هذا المنهج. وتجلى اهتماماً واضحاً بالتنظير لهذا المنحى النقدي من قبل نقاد آخرين، منهم: البريطانية مود بودكين، وكل من الأمريكيين: وليم تروي، وفرنسيس فيرجسون، كما أسهم أرنست كاسيرر بتقديم أفكار فلسفية، انطوت على خصوصية متفردة في تدعيم ركائز النقد الأسطوري، وكان لها أثراً كبيراً على مساره.

تكشف لنا الذاكرة النقدية العراقية عن وجود دراسات ومباحث نقدية كثيرة، تناثرت هنا وهناك، يمكن عدها بمثابة ممهدات ريادية في مجال النقد الأسطوري، ولابد من القول بأن الناقد جبرا إبراهيم جبرا هو أول من دق جرس درس “التوظيف الأسطوري” في الأدب العربي والعراقي المعاصر، وذلك مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين فتح أعين الأدباء على التراث الأسطوري، وله كثير من الإسهامات، لعل أبرزها ترجمته لجزء من كتاب جيمس فريزر (الغصن الذهبي) تحت عنوان (أدونيس أو تموز)، التي أنجزها أواخر الأربعينيات، وقد ذكر بأنه أعار المخطوطة “أكثر من مرة لمن أراد أن يقرأها، وكان منهم الشاعر بدر شاكر السياب”، كما أفصح جبرا الى “أن الشاعر بلند الحيدري عندما أصدر العدد الأول (والوحيد) من مجلة (الفصول الأربعة)، ربيع سنة 1954، نشر الفصلين الأول والثاني”. ومن ثم نشرت الترجمة كاملة في كتاب سنة 1957، وأعيد طباعتها مرة ثانية سنة 1979. كما كتب مبحثاً عن السياب بعنوان (الأسطورة وسيف الكلمة)، نشره في مجلة “العاملون في النفط”، نيسان 1965، ضمه الى كتابه (الرحلة الثامنة) سنة 1967، وأصدر جبرا كتاب (الأسطورة والرمز)، سنة 1973، وهو عبارة عن ترجمة لخمس عشرة دراسة لخمسة عشر ناقداً. وحين نتتبع انهمام فتى النقد الأدبي في العراق الراحل عبد الجبار عباس، نجد له دراسات عديدة، اشتبك فيها بهذه الوجهة قد سبقت كتابه (السياب)، بغداد سنة 1972، فقد نشر دراسة بعنوان (بين السياب واليوت) في مجلة الكلمة، العدد: الثاني، السنة الثانية، بغداد كانون الأول 1970، وثانية بعنوان (الأسطورة في شعر السياب)، منشورة في مجلة الأقلام، العدد: الثاني عشر، السنة السادسة، بغداد كانون الثاني 1971. وخصص الناقد محمد مبارك فصلاً بعنوان “الأسطورة عند السياب” ضمن كتابه (مواقف في اللغة والأدب والفكر) بيروت سنة 1974، كما أنجز الناقد عبد الرضا علي في القاهرة دراسة أكاديمية بعنوان (الأسطورة في شعر السياب)، وهي من أولى الدراسات العلمية الرصينة على مستوى الإنجاز العراقي، أشرفت عليها الدكتورة سهير القلماوي، صدرت في كتاب من منشورات وزارة الثقافة والفنون، بغداد سنة 1978. وهناك كثير من القرائن تومئ الى اقتراب الناقد حاتم الصكر من المنهج الأسطوري، في عدد من القراءات، ولعل أبرز مقالاته كانت تحت عنوان (خطوات الموت في ذاكرة الشاعر)، وهي دراسة نقدية تصدى فيها الى قراءة نص بعنوان (الخطوات) للشاعر حسب الشيخ جعفر. ولا بد من لفت النظر الى محاولة عبد الجبار المطلبي في دراسته (قصة ثور الوحش وتفسير وجودها في القصيدة الجاهلية)، وهي من القراءات المبكرة ذات الطابع الأكاديمي المبنية على مرجعية أنثروبولوجية ورؤية أسطورية. كما قام الناقد عبد الله إبراهيم. بتقديم دراسة عرض فيها كتاب جوزيف فرانك (السرد المكاني)، منشورة في جريدة الثورة، ومما جاء فيها التنبيه الى موضوعة انتقال الخيال الموضوعي التاريخي في الأدب العالمي، وتحوله الى خيال أسطوري خال من الزمان التاريخي، بحيث لا يرى أعمال زمن معين وحوادثه إلا كمجرد تجسيد لنماذج خالدة. وكرس الناقد ناجح المعموري خطواته الراكزة في هذا التوجه منذ أوائل عقد الثمانينيات، وبرز جلياً أسمه في الساحة الثقافية العراقية والعربية، كباحث وناقد متخصص بالفكر الأسطوري، فأخذت إنجازاته حيزاً من الحضور الثري في الصحافة وفي منابر المشهد الثقافي، وقدم طيلة السنوات المنصرمة عدداً من المؤلفات، منها على سبيل الإشارة، (الأطراس الأسطورية في السرد) سنة 2000، و(نون والقوس) سنة 2005، و(فان ايروتيك أسطورة الثلوج الخضر) سنة 2009، و(التفاحة والناي) سنة 2009، (خطوات المطر) سنة 2009، و(الفأر يأكل الشوكولاته) سنة 2011، و(وليمة للزعتر) سنة 2013، و(الرمز الأسطوري في الفن العراقي) سنة 2013، و(متخيل الشعر في الاسطورة) سنة 2014... وغيرها. ولا بد من وقفة عند منجز الناقد جاسم عاصي الذي اجتذبه سحر الأسطورة مطلع مشواره الأدبي، وأولى اهتماماً بالفكر الأسطوري منذ سنة 1985، مشتبكاً مع مختلف النصوص الإبداعية من الشعر والقصة والرواية والرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي. وتتابعت اسهامات عدد من النقاد العراقيين في هذا الاتجاه، منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين، ونلحظ تقديم دراسات معتبرة ورصينة في الحلقة النقدية التي انعقدت تحت عنوان “المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر” ضمن فعاليات مهرجان جرش الثالث عشر في الأردن سنة 1995، وتمثلت تلك المساهمات في دراسة حاتم الصكر، بعنوان: “تنصيص الآخر في المصطلح، والنظرية والتطبيق”، وتناول الناقد فاضل ثامر في دراسته: “الرمز الأسطوري والقناع في الشعر العربي الحديث”،  كما قدم محسن جاسم الموسوي دراسة بعنوان: “تقلبات الأسطورة وتحولات الصورة والتلميح في القصيدة البياتية”، ولا يفوتنا أن نشير الى جهود القاص والناقد فرج ياسين الذي أصدر فيما يخص النقد الأسطوري كتابين الأول (توظيف الأسطورة في القصة العراقية الحديثة) سنة 2000، والثاني (أنماط الشخصية المؤسطرة في القصة العراقية) سنة 2006.

عرض مقالات: