اخر الاخبار

صدر للدكتورة رهبة اسودي حسين كتاب “العبودية والصنمية بين ايتيان دولابويسي والدكتور عبد الجليل الطاهر” عن مكتبة النهضة العربية، وهو كتاب يطرح قضية التقديس التي تنتهجها بروتوكولات السياسة والحكم على المجتمعات على مر التاريخ في محاولة للمحافظة على الوضع القائم عبر تغذية المجتمع بأدبيات الثقافة الصنمية من طرف، ومن طرف آخر محاولة تشويه من يخرج عن هذا الاطار، واستعمال ادوات المجتمع للنيل منه بتهم شتى، وبذلك تنجح محاولات إسقاط التاريخ واحداثه على الفكر الخارج عن هذا القالب، ومع غياب الوعي تبقى الفرص كبيرة لنشوء البيئة الحاضنة لنشوء تلك الاصنام التي ستتولى بقصد أو بغير قصد سَوق الناس إلى زمن الجاهلية،  وهذا الصنم قد يكون فردا أو فكرة أو شيئا أو منتجا لكنها تحمل الجدليات الجاهزة للعبودية التي تشوه من صورة المجتمع وتعرقل سيره الطبيعي، وقد اشتغلت  د. رهبة في منجزها هذا معتمدة على عقد المقارنة بين كاتبين أو مفكرين اثنين لهما آراؤهما في هذا الموضوع الذي ضم مؤلفاتهما على الرغم من التفاوت الكبير في المدة الزمنية بين الشخصيتين اللتين يفصلهما أكثر من اربعة قرون وهي تقول في البدء (نحن أمام عبودية طوعية) لتفصل ذلك الامر بمناقشة ما جاء في طروحات الكاتبين متناولة كتاب (مقالة العبودية الطوعية) لاتيان دو لا بويسي وكتاب (اصنام المجتمع) للدكتور عبد الجليل الطاهر مبينة أن ما يجمع بين (لابويسي) و (الطاهر) الظروف السياسية التي عاشاها وما رافق حركة الاصلاح في كلا المجتمعين من غطاء ديني رغم أن اهدافهما لا تقتصر على هذا الهدف .

أهم ما جاء من مؤشرات في كتاب لابويسي

1ـ إن الحرية الفكرية التي كانت نتاج حركة النهضة بكل ابعادها والتي ناقشها الكتاب، حملت لابويسي للتعرف على الفكر الاغريقي واللاتيني وتبني افكارهما ومحاورتهما ونقدهما .

2ـ ان كتاب العبودية الطوعية هو رد فعل على نتائج حركة الاصلاح الديني فيما يتعلق بالسلطة المطلقة لطبيعة الحكم بجميع مسمياته، ذلك أن لابويسي انكر احقية الحكام بالتمتع بهذا السلطان المطلق الامر الذي ادى إلى فتح مدارس فكرية متعددة بخصوص تأييد أو مناهضة ذلك السلطان المطلق وكان من اهم مفكريه (جان بودان) ومفكري العقد الاجتماعي (هوبزولوك وروسو).

3ـ إن ممارسات السلطة المطلقة التي رافقت الاصلاح الديني في فرنسا واخفاقات التوصل إلى التوافق بين الاطراف المتنازعة تشكل رؤية مستقبلية تتلخص في مخاطر السلطة المطلقة التي تؤدي إلى عبودية طوعية.

أما أهم المؤشرات التي جاءت عند الطاهر في

1ـ إن التراكم المعرفي بخصوص تاريخ العراق والمتعلق باحتلالات مختلفة على البلد حملت معها تخلف جميع مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وهذا متأتي من أن السلطة تختزل بيد الوالي أو الحاكم او رئيس الوزراء بعد الحكم الوطني وهي سلطة مطلقة.

2ـ شهد العراق نهضة معرفية واسعة فيما يخص الدراسات والمعارف التي تتعلق بالمجتمع العراقي وفي المقابل كان التقيد مفروضا فيما يخص كل ما له علاقة بمناقشة طبيعة السلطة السياسية نقدا وتحليلا وما يثبت ذلك لجوء الطاهر في كتابه إلى لغة غير مباشرة عندما يريد أن يعود بنا إلى هتلر وموسوليني بما يجعله في منأى من النيل برجالات الزمن الذي يعيشه.

3ـ تحليل الظواهر الاجتماعية باخضاعها للاختصاص فضلا عن اطلاع الطاهر المباشر على بعض الموضوعات الاجتماعية بقيامه بمسح ميداني لتلك الظواهر وهذا مكنه من التعرف على مشاكل المجتمع العراقي ومعرفة دور السلطة المتمثلة بشخص واحد ومجموعة من الاشخاص المحيطين به وما آلت اليه من تعسف وقصور واضح .

كان ما تناولناه من حديث يخص الفصل الاول من الكتاب وما كان الفصلين الآخرين في منأى مما طرح في الفصل الاول فجميع الموضوعات تصب وتتجمع في نهر واحد لا يبتعد عن المفكرين الكبيرين  لابويسي والطاهر وسنشير هنا الى عنوانات هذين الفصلين من دون الشرح والابانة، إذ نترك ذلك للمتلقي الذي سيكتشف كشوفاته بعد قراءة الكتاب بشكل تفصيلي، لقد جاء في الفصل الثاني الذي هو تحت عنوان (اوهام طوعية) الموضوعات على التوالي (ما هية العبودية والصنمية، مجتمعات العبودية والصنمية، صور العبودية والصنمية، دور الشعوب في خلق الطغاة والاصنام، مصادر العبودية والصنمية، آثار العبودية والصنمية، أمثلة الصراع “العبودية ـ الصنمية” والحرية).

أما الفصل الثالث الذي هو تحت عنوان (سلاسل الطغيان وسدنة الأصنام) فقد تناول المـوضوعـات التـالية  (إرادة الإنسان، مفهوم الطاغية، لابويسي.. الطغاة وسلاسل الطغيان، الطاهر.. اصنام وسدنة، عبد الرحمن الكواكبي: العبودية والصنمية والاستبداد.. أخيرا) وما تجب الاشارة اليه ان الكاتبة كانت تطرح سيرة كل كاتب ومفكر وتشير الى ما قدمه من منجزات واعمال وكتابات وما تعلمه من علوم وما هو دور آرائه في نهضة المجتمع وتثقيفه، واصفة اجتهاده وصفا دقيقا وشاملا الامر الذي يدعونا بجد وحرص على التزود والاستزادة بما جاء في هذا الكتاب المهم.

عرض مقالات: