يستهل الروائي أحمد الجنديل روايته( ثلاث وستون )* باشارة يؤكد على اهميتها عن طريق الراوي الذي يشير الى ان الشخصية الرئيسية في الرواية وليد عبد العظيم( قد دفن حكايته في رأسي ورحل مع الفجر ) ومايفعله الراوي بعد هذا وذاك ان يدون مابقي من ذيول الحكاية لمن يعشق الخيال مع ان الرواية شديدة الواقعية قد ترقى الى مستوى الخيال وتتشطى بطريقةلافته لتؤكد على غرائبيه الواقع المعاش من متغيرات ومعطيات جديدة تساهم في تغيير مسارات الحياة وازاحة كل ماهو اخلاقي وراسخ نحو ترجيح الفساد والسقوط الاخلاقي،بينما يحيل الاهداء مرة اخرى الى وليد عبدالعظيم( بطل الرواية) اذا ماشاء ان يزوره من جديد في الحلم على تدوين حكايته ووضعها تحت الوسادة وهي إحالة رمزية الى ان الحكايات لايمكن ان تنتهي وهي تحاور واقعا فانتازيا يتكشف لبطلها وليد عبدالعظيم تدريجيا وقبل ان نشرع بالحديث عن تفاصيل الرواية لابد من وقفة عند عتبة العنوان( ثلاث وستون ) والتي تتصل  بعمرالتقاعد والارتكان الى السكينة والتفرج من دونما انشغال اوعمل يساهم في دفع عجلة الحياة الى الامام، فقد أنهى وليد عبدالعظيم مدة الخدمة المقررة وهاهو يتابع اجراءات التقاعد ويزور دار التربية لانهاء اضبارته وتبدأ المشكلة من لحظة  تثوير احداث الرواية المتمثل  بطلب الموظفة مديحة ان يحضر كتابا يؤكد خدمته في مدرسة الزهور  التي نفي اليها بفعل معارضته للنظام آنئذ، وبين أخذ ورد يرفض المعلم وليد صاحب المبادئ والمثقف المتنور أن يدفع الرشوة الى ثلة من الفاسدين ابتداء بالمدير وانتهاء بمديحة والسماسرة الذين يتبنون مثل هذه الامور لقاء مبالغ باهضة..هنا يعود وليد الى سنوات خلت حيث السجن والتوقيف وملاحقة رجال الأمن والنفي الى مدينة نائية، وفي السجن يلتقي بنماذج من شخصيات ساندة وسطحية تتعرض للمصير نفسه الذي جعله حبيس السجن والمعاملة السيئة والتعذيب.. وهناك ايضا يتعرف على شخصيات مهزوزة ومتماسكة، ومتخاذلة ومنها شخصية علوان الذي يصبح بالنتيجة مصدر السلطة الاولى في كلا المدينتين اللتين تقع فيهما احداث الرواية.. تبدأ رحلة وليد عبدالعظيم في يوم كئيب حيث لعنة لفايروس( كورونا) الذي بطش بالناس الى مدينة اخرى لجلب كتاب تأييد يساهم في انهاء معاملته وقطع يدالفاسدين الذين يراهنون على تذليل عقبات ايةمعاملة لقاء مبالغ باهضة، في الرواية شخصيتان ناميتان يتكشفى وعيهما تدريجيا، وتتطور وتنمو بتفاعلهما مع الاحداث والمتغيرات ومع مايحيطهما من شخصيات فتؤثران وتتأثران وتتغيران من موقف الى اخر سواء أخفقتا او أنتصرتا ويولي الكتاب الشخصية النامية أهمية خاصة على حساب بقية الشخصيات الساندة والمسطحة  والتي تتفاعل وتتغير استجابة لأحداث الرواية.. ولعل شخصية وليد عبدالعظيم هي الشخصية الرئيسية النامية التي مرت بمراحل واحداث ووقائع ساهمت في تغييره وهو ينتقد مستنكرا مايحصل في الواقع   (الكل يبحث عن ضالته في هذا العالم المسكون بالخوف، وانا وليد عبدالعظيم  المعلم المحال على التقاعد أسعى للحصول على كتاب تأييد من مدرسة الزهور، والست مديحة صاحبة الحجاب الانيق واللسان الرقيق والجسد الرشيق وضعتني امام خيارين احلاهما حنظل، اما دفع مبلغ من المال، او اعتلاء صهوة المغامرة في ظل اجواء انتشار الوباء ) وفي المدينة الثانية التي شد اليها وليد عبدالعظيم الرحال يصل الى بيت جاره حواس الخياط رحمه الله الرجل المعدم الذي أنجبت له زوجته الطيبة ثلاثة ابناء (دهش وحنش وحبش) ويقوم حسن بواجب الضيافة  على احسن مايرام وهو احد تلاميذ المعلم وليد عبدالعظيم  ..وهنا تبدأ رحلة ثانية مع( حنش ) لاكتشاف الحقائق تدريجيا والكشف عن الروائي وشخصيته الرئيسية مواطن الفساد والسلطة التي عاثت في الحياة فسادا بينما تتبنى خطابا مغايرا تدعو الى تكريس القانون واحترامه، وعبر رحلة السيد وليد مع حنش تبدأ الأكتشافات ومنها تبوأ دهش وحبش مناصب مهمة في السلطة داخل الوطن وخارجه فضلا على اكتشافه لشخصية الشيخ علوان رفيقه المتخاذل في السجن وقد تبوأ مركزا مهما للغاية يمارس سلطته على الجميع، وتتم غالبية الاحداث والتفاصيل الاخيرة بطريقة فانطازية مثيرة اذ يتحول الواقع بصلافته وجفافه وعقمه الى مدونة فانطازية تقترب من نسيجها الى الخيال والكوابيس..وبعد انتهاء الرحلة يشعر وليد عبدالعظيم وكأن رأسا ثانية قد نبتت له( اشعر بعدمغادرة حنش ان جسدي ليس بمقدوره حمل رأسين متنافرين، رأس يرضع من ثدي الشيطان وآخر يسبح في ملكوت الرحمن، ولابد من حسم الموقف والاحتفاظ برأس واحد، أتناغم معه، ارتاح اليه، واحمله معي الى القبر)) ثم تبدأ تداعيات الشخصية الرئيسية ويبين الروائي موظفا ضمير المخاطب لتعزيز ابعاد الشخصية وهي تمر بأزمة نفسية وانفصام بالشخصية ( اكشف اوراقك يا وليد عبدالعظيم ورقة اثر اخرى ) وفي صبيحة يوم جديد تكلل بتسليط الفاسد على الفاسد وانجاز معاملة وليد عبدالعظيم  يكون قد ارتكن الى السرير مسكونا برأسين ( استيقظت على صراخي الداخلي، لا أعرف وقتها اي رأس أصيب بهذا الصراخ)) .. وفي النهاية يختتم وليد عبدالعظيم رسالته مناشدا ابنه رياض اذ يقول( لاتكن ذيلا لحاكم أو كاهن فهما من تراب واحد وان اختلفا في الأسلوب والطريقة، وكلاهما يحتفظ في رأسه بكل أساليب التضليل والتعتيم والمكر والخداع من اجل ان يلحق الهزيمة بالحياة، وكلاهما كانا سببا في كل الهزائم والخسائر التي دفعت الشعوب الى الانحطاط والتخلف والنكوص..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* صدرت هذه الرواية عن دار تموز

   عام 2021.

عرض مقالات: