اخر الاخبار

لم أعرف أنكِ تمشين في جنازتي صباح كل يوم، ولكنني كنت أعرف أن زهرة الليلك تنام مع العوسج البري حتى آخر الليل، كنت أرتّق لك الغيمة لأظلّلكِ بها من شمس آب، وأقي قدميك بيدي من جمر العذاب ، أتعرفين ان السرد في حكايات “ ألف ليلة وليلة “ ضرب من الكَذِب، لأن شهرزاد كانت تكذب على شهريار، اذن“ لا تكذبي!! “، فقد رأيت الشمس تستحم عارية تحت ضوء القمر، والعوسج يعبث في بستان الوردة، وآذاني منشغفة بهمس مفضوح، والشوك البري غير آبه بدم الرمان، حتى رأيت الوردة تحمل خنجر المودة ، والعوسج يرتدي ثوب الراهب، رأيتكما معاً، ثم غامت الرؤية في عينيَّ، حتى السماء لم تعد زرقاء، وأنت تعرفين مَنْ خدع الوردة، واستدرج حكمة الضوء الى العتمة، حتى أصبح الهواء آسناً، وقد ظلّل الحزن ما تبقى مني، ولم يبق سوى نواح الحمام، تذكّرت أنني كنتُ أحبكِ، ولكن لم يبق منكِ سوى آثار خطواتكِ على الماء، إنحنيت لمرور زهرة النرجس، ورائحة الآس متبوعة بخطوات الشيطان ، أعني الوردة تتقدم خنجر المودة، كأنها وطفاء بالثمد واللمى، وما تبقى منكِ ألقيتُ به عني، ونجمة المساء دليل الخيانة حتى مطلع الفجر، وشهرزاد تكذب على شهريار، لأن الكَذِبَ موثوق بالصدق، وقميصي ملطّخ بالأكاذيب التي تساقطت مع أوراق الخريف، وكنستها ذاكرة النسيان، أعرف مَنْ ألقى بي في البئر، سعيد من دون سعادة، عكازتي وحشة الطريق، ولم أعرف بأن عدوي أكثر من صديق، لم أركِ، ولكنني أسمع خطواتك عبر سدف الظلام، تتبعني رائحة العطب، وقد خذلني ظلي عند منتصف الطريق، كان السراب خادعا ً للحواس، وكان الحب الكاذب دليل المتاهة، سائر نحو الجهة التي لا أقصد، رأيتك سادرة مع العوسج البري، والدنيا ليل بلا نجوم، وعرفتُ لماذا تحبين اللون الأصفر، لانني كنت أحب لون السماء، ولاعزاء لي سوى الهواء الذي أتكئ إليه، وما تبقى منك كومة من رماد، صديقي إله المتاهة، ألملم ما تناثر من شظايا العمر بأصابع الصفصاف، كروّاف يرتق ثوب الأسى بخيوط العنكبوت، والابيض أسود في يقين اللغة، كالأنين يتبعه صفير الناي، أنت حفنة من شعاع في يدي، تحوّل الى حفنة من تراب، لماذا توارت نجمة الصباح؟ أعني كيف سقطت نجمة المساء في جوف الظلام؟ أين زرقة البحر؟ هل غابت السماء؟ انحجبت شمس الظهيرة أو سقطت في القاع، والخطيئة متبوعة بالحجر، والمكر يتقدم الخديعة، لم أر الشيطان ولكنني رأيت خطواته متبوعة بالشهوات، كنت أسمع الخطى الماكرة، ولكنني لم أر هيأة الملاك، كانت الغيوم تحجب السقف أو تقبل عليَّ من الجدران، استكذبت ما رأيته عبر النافذة، هناك مّنْ بَعثر النوّار من شجرة الرمان، قاتل يمشي في جنازتي، لونه في عيني الضحية خبز وماء ، ولكن مَنْ ظلّل المرآة وهي تمشي في الطريق، تلك آخر كبوة من كبوات المحب الأعزل، أتحبين العوسج أم تكرهين البطريق؟ أعني مَنْ قتلني بخنجر المودة؟ مَنْ ألقى الحبل على الغارب؟ أريد أن اتذكّر لكي أنسى بأنني كنت أحب زهرة النرجس ، لم يعد لي بقية من الحب، الحب مرة لا مرتين، نسيت أن أتذكّر صورتك الأولى، أهو حلمٌ أم كابوس؟ لا أريد أن ألتقيك ثانية، لأنني لم أعد أحب زهرة الليلك، لا أريد أن أسمع صياح الديك في الصباح، سادر على سرير عائم، لا أريد شيئا آخر، هذا صراخ طالع من جسدي، أتعرفين ماذا يعني تأؤيل الألم؟ طائر تائه لا محط له في البحر، في دوّامة السقوط يتهشم زجاج النافذة الوحيدة في غرفتي، حواسي مشوشة، قهوة مرّة في الصباح، أشك في أنكِ وحدكِ معي، اذن مَن أنتِ؟ رأيتك تتعثرين بخطى العاثر بظله، لم تصل يدي إليك، لم أركِ بوضوح محايد بين الضوء والعتمة، لماذا صارت السماء بلون النحاس، كان أحمر الشفاه طاغياً، ماهذا الهوس المجنون؟، وأنا وحدي أحصي نجوم الظهيرة، مَنْ تكلم معي بأصابع الخديعة؟ كنتِ بعيدة عني وظّلك أقرب إليّ مني، وثمة عقاب ينظر الى طير من غير جنسه يسافد أنثاه ، “ نون “ سقطت من “ نون النسوة “، والهوس بالمتعة حليب الرجولة، والعوسج البري يدخن الغليون على مرأي مني، “ هنا المقتل “؟ ، كنت أصغي الى صراخي العالي، ولا أحد يسمعني، جنس وخشخاش وقمر، لِمَن هذه الوردة الحمراء؟ أعني ماعلاقة الأصفر بالجمر الذي يتوهج تحت ثوب الوردة؟ صرتُ لاأعرف الى أين أنا سائر معكِ: يسار العدم أم يمين الوجود؟ هذا كيد عظيم، فقد أطاح بي الجنون، سأشتري منك خشخاش النسيان، وأغمس سبابتي في محبرة الضوء، سأشير الى المحنة وأعني بها نديمي الكأس ، قالت العرّافة لي: صديقك الغراب، وعدوّك الحمام، همس لي الدخان: تلك السيدة إبتسمتْ عندما أنزلت جنازتكَ الى التراب، إختلط دخان السماء بالغبار، كانت تضحك مع البطريق وتنام مع العوسج البري، أردت أن أعرف أحي أنا أم ميت منذ زمان؟ شجر وحشيش ورمان، ولم يبق من وقت لأسأل الوردة: أين نامت ليلة البارحة؟ وفي غيابكِ ألملم ما تبقى مني ، وما تبقى من الأعوام، لألقِ بها الى الهاوية، وكف الثعلب تعبث بحلوى القطن، والحب كَذِب موثوق بالصدق، همس طائر الورشان في أذني َّ: تعال معي!! تلقفتُ الاشارة، عرفت الى أين سيذهب بي؟ توقف كل شيء: شمس عارية وقمر على يساري، وعلى مرأى مني: تمرّ الوقائع تباعاً: أحمر الشفاه، الثوب الكستنائي، وجه الغراب، زهرة أبواق الملائكة، دوار الشمس، كيف اختفت رائحة مسك الليل؟ ، كنت أتمنى لو كنت كاتباً حتى أصف ما حدث على المخدع بالتفصيل: الوردة تنام بين احضان العوسج البري، والمتعة سوداء في يقين اللغة، والندى قَطْر دبق لزج بلون أصفر، هكذا قتلني بدم بارد، وهي تمشي في جنازتي، ولكنني لم أصدّق ذلك، ربما هناك خطأ غير مقصود في القتل، ذلك هو أنا الذي لم يظهر معكِ في الصورة، حضوركِ الطاغي يمنع عني رؤيتك، سأشير بإصبع السبابة الى النبيذ الأحمر، وأعني مَنْ أحب، وانتِ تعرفين متى أخلع رأسي وألقي به على وسادة النوم، وطائري معي حيث يذهب معكِ، ولم يبق إلاّ الرماد، لهذا لم أعد أحبكِ، لأنني أحب الورد الناري والقدّاح والرازقي، ولكنني أكره العوسج البري، ومعه زهرة الليلك في الظلام، لاأريد أن أعرف بأني كنت مخدوعا ً بالتين البكّاء أو التوت الأبيض، وهبتك ما هو أحلى من الحب، ولم أكترث لعمى الألوان، هذه زهرة القلب النازف وتلك زهرة رأس الثعبان، كيف أزهرت زنبقة الكوبرا  في الحديقة ؟ ، لاتزال قططك المتوحشة تنهش في روحي حتى آخر الليل، كنت أعرف كيف أحب، ولكنني لا أعرف لماذا تكرهين فضة الكلام وتحبين لمعان الذهب، لأنك تجرحين لحاء الشجر، وتسحقين حشيش الروح من دون ندم ، مَنْ إستدرج الكلب الى سرير الفاكهة الحمراء ، رغبات محروثة بفحولة الشيطان، تلك هي أنثى الذئب ، لم أعرف بأن زنبقة العنكبوت الأحمر محفوظة بغلاف من الكهرمان، لهذا لاأحبّكِ ، لأنني أشك في صهيل الفرس ولا أشك في حمحمة الحصان، ، لست شهوانيا ًأو متصوفاً، فقد إنكسر مسار اللذة، وخمد عواء الذئب، أعرف أن الوردة جسد لا أحد فيه، والروح هائمة لا مكان لها، والعمر قطار يمر على سكة الحديد، حتى لم أعد أميّز صفير الناي من الأنين، نداء غامض قادم من بعيد، يطرق الباب أول الصباح أو ينقر النافذة آخر الليل، أتعرفين كيف أزهرت شقائق النعمان من دم سنمار؟ جنس الوردة داء وجنون، والبنفسج لون حزين؟ أنا أعرف وأنتِ لا تعرفين ان السواد لايليق بالبياض ، وأنتِ تعرفين وأنا لا أعرف المحذوف من بياض الغياب، تمنيت لوكنت كاتبا ًلأصف هذه “ الفاكهة المحرّمة “!! لقد أيقنت ان واحداً وسبعين وهما ًضاع مني قبل أن أفقد ظلي ، أوهام شبيهة بالوسن، من أين تبدأ المتعة السوداء: من ذروة الشبق أم من لذّة الحرام ؟ ثقْ بي أيها القارئ ولا تثق بـ “شجرة الدر” !! ، رأيت مالم أكن أراه: امرأة عارية حتى من ورقة التوت، علمني الصمت مرارة الكلام، حوار مهموس أم فحيح مهووس؟ كنت اتكئ الى غيابكِ، دخل السنونو عبر الشبّاك، ليبني عشه في قلب الظلام، وكلما حاولت أن أنسى - كلما كانت المُسّارة خادعة للحواس، لم أشك بالوليمة، لكن الدخان حجبني عنكِ، كانت الشهوة تتوهج في سواد الليل، والمكيدة تتقدّم نحوي، تعلّمت تأويل الألم ولم أتعلم النسيان، فقد إختلط الرماد بغيابكِ والمطر والدخان.

 

عرض مقالات: