اخر الاخبار

اذن كيف ( جرت علمية استبدال الفكر الادبي ) بـ ( النظرية النقدية )؟ وكيف “إنتهت زحزحة الفكر الادبي بشكل نهائي “من خلال تحوّلات النقد العربي نحو النقد الثقافي؟

إن هذه الأسئلة تشكل مركز مدار السياق الدائري لتناقضات الفكر الادبي العربي داخل نسيج الثقافة العربية.

اما االناقد صادق ناصر الصكر، فيمكن التمثيل له بكتاب “خارج الأدب – تمثيلات الواقع في القصة العراقية القصيرة “، وهذا الكتاب  إمتداد نقدي لـ “الموجهات الثقافية “في كتابيه “كذبة بلزاك “و” مرويات المنفى “.

وفي تعليل هذه الموجهات، يقول الصكر : “لعل وعي الناقد بالدلالة العميقة للحضور خارج الأدب في سياق فحص ومعاينة تمثيلات الواقع هو أكثر أهمية من وعي القاص بها “(10) .

كما أشار في مهاد صريح الى أن “ثمة شئ مؤكد إتخذ ملامح القيمة المهيمنة في كتاب خارج الادب، وهو ان السرد القصصي سيكتسب حضورا مركزيا في الثقافة العراقية حين يتخلص القص من عيوب البعد الواحد إذا تم إختزاله في العنصر الجمالي” (11).

ولكن هناك من إشتغل على كيفية تفكيك منظومة النقد الثقافي بوعي جديد مابعد  النقد - ويمكن التمثيل له بكتاب ( نقد النقد الثقافي ) للدكتور عبد العظيم السلطاني، ولكن قبل أن ينتقل الدكتور السلطاني الى النقد الثقافي ونقده، قدّم صياغة جديدة في التنظير لنقد النقد الادبي “في البحث في موضوع أو موضوعات تقع في المساحة البينية والنهايات المشتركة المتداخلة بين الحقول المعرفية والتخصصات - كالمشترك بين نصوص الادب ونصوص التاريخ أو بين نصوص الادب ونصوص الانثروبولوجيا، وقد تكون نتاجا لاشتراك ثلاثة حقول أو أكثر “(12)، وذلك  لتوسيع أفق النقد الثقافي وتمكينه  من مواكبة التطور المنهجي العالمي في النص النقدي.

ولكن إن كان نقد النقد الادبي هو خطاب على خطاب، فكيف يمكن لنقد النقد الادبي تحليل الخطاب الثقافي؟

ويرى السلطاني أيضا ان ماندعوه بــ “نقد النقد - metacritic “يمكن أن ندعوه بـ “مابعد النقد “لأنه أكثر دقة وإصطلاحا من “ميتا نقد “(13).

من هنا إشتغل على كيفية ضبط التطور الاصطلاحي والدلالي من النقد الادبي الى النقد الثقافي، ولكنه لم يكتف بذلك، وانما إتجه من مساءلة النقد الثقافي في النص الادبي الى تنشئة بنية إطارية لـ “نقد النقد الثقافي “.

ومن مساءلة النقد الثقافي وتفكيكه، إستبنى الدكتور السلطاني رؤيته النقدية لـ “نقد النقد الثقافي “من حيث : إن “النص الذي يشتغل عليه النقد الثقافي، إذا،ً آل الى واقع جديد أكثر انفتاحاً،  فشكّل تحديا  لقدرات النقد الثقافي على ملاحقة تنوع النصوص وتسخير إمكاناته وتطوير قدراته المنهجية وتنضيد مفاهيمه ليناسب كل هذه التغييرات في واقع النصوص، وتحسّس كل متغير وجديد وكل تحد ثقافي تفرزه حركة الحياة هو مسؤولية ذلك الفرع من نقد النقد الذي سميناه نقد النقد الثقافي، وهو لا يقتصر على تحسس الخلل وتشخيص التحديات ومراجعة المفاهيم وإنّما، ايضاً يقدم حلولا ويقترح معالجات “(14).

ولكن السلطاني لم يبنِ كتابه كله على “نقد النقد الثقافي”، وانما “قام بتفكيك المنطق الداخلي للنقد الثقافي من خلال مساءلة مفاهيمه أولا، وضبط بنياته المعرفية ثانيا، وذلك لتوسيع منظومة النقد الثقافي بأفق مابعد حداثي “(15).

ولكل ذلك لم تؤسس النقدية العراقية أية مناهج بنيوية أو تفكيكية أو قرائية من حيث المقولات أو المفاهيم التي تشكل بنى إطارية خالصة بها، غير انها تطوّرت على وفق منظومة نقدية معرفية مستوعبة لقوانين تطور حركة النص الأدبي، لهذا فهي بحاجة الى آليات اشتغال تتجاوز المناهج وتتعداها بالـ ( عبر المناهجية )، والانفتاح على المتون المعرفية الأخرى، وخاصة العلوم الانسانية والطبيعية، ولذلك أسباب ناجمة عن قطائع معرفية عنيفة في سياق الثورات العلمية، أدّت الى سقوط السرديات الكبرى، والى إضمحلال المناهج النقدية الأحادية، حتى مهّدت الى ظهور المناهج العابرة للتخصصات، وهذا مادرسناه في كتابنا “النظرية النقدية العابرة للتخصصات “(16). وترتبط  الـ ( عبر المناهجية ) بعوامل محرّكة ودافعة لتحولات نقد مابعد الأكاديمية – كما هو الحال في الاكاديميات البريطانية والامريكية، غير ان بلادنا العربية من البلدان ذات التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية المتعدِّدة وغير المستقرة، لأنها لم تنتقل كلياً الى المجتمع الصناعي، ولم تمر أصلاً بمرحلة المجتمع المدني، ولم تدخل عصر التقانة والتكنولوجيا بعد، حتى تكون منتجة للمعرفة وغير مستهلكة    لها.

وقد تتبنى النقدية العراقية منهجاً ما، وقد تقوم بتبيئ أي منهج، ولكن من الصعب إنتاج أو تأسيس منهج أو نظرية نقدية حديثة من دون قاعدة مجتمعية معرفية، وبذا فإن آليات الاشتغال أكثر إستجابة لتطور حركة النص الأدبي في هذه المرحلة من المناهج النقدية الحداثية، لأن هذه المناهج لم تتبلور بأنساق نقدية مستوعبة لتناقضات الواقع في بلادنا، وتحولات البنى المعرفية في العالم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    

احالات

( 1) د. نادية هناوي/ مابعد النقد- فضاءات المقاربة ومديات التطبيق/ ص    238.

(2) اللغة الثانية – في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح النقدي العربي الحديث/ فاضل ثامر/ ص238.

(3) الجسدنة بين المحو والخط ( مقاربات في النقد الثقافي) أ. د نادية هناوي/ الرافدين/ لبنان – كندا/ ط1 / 2016/ ص16.

(4) الجسدنة بين المحو والخط / أ. د نادية هناوي/ مرجع سابق/ ص15.

( 5) الجسدنة بين الخط والمحو/ أ. د نادية هناوي/ مرجع سابق/ ص 180.

( 6) الجسدنة بين المحو والخط/ د. نادية هناوي/ مرجع سابق/ ص 179.

(7) مابعد النقد/ فضاءات المقاربة ومديات التطبيق/ نادية هناوي/ دار الحوار للنشر والتوزيع/ ص83.

(8) النظرية والنقد الثقافي – الكتابة العربية في عالم متغير= واقها وسياقاتها وبناها الشعورية/ محس جاسم الموسوي/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ ط1/ 2005/ ص 77.

(9) الادب وتمثيل العالم / حيدر سعيد/ من بحوث الحلقة الدراسية لمهرجان المربد الشعري السابع عشر/ 2001 / دار الشؤون الثقافية / بغداد / 2002 / الصفحات : 259 –332.

(10) صادق ناصر الصكر/ خارج الأدب – تمثيلات الواقع في القصة العراقية القصيرة/ ص 9.

(11) صادق ناصر الصكر/ خارج الادب/ مرجع سابق/ ص 11.

(12) مقاربات في  تنظير نقد النقد الادبي/ تموز/ دمشق/ ط1/ 2018/ ص 19.

(13) مقاربات في نقد النقد الادبي/ د. عبد العظيم السلطاني/ مرجع سابق/ ص75، 76).

14) د. عبد العظيم السلطاني / نقد النقد الثقافي – رؤية في مساءلة المفاهيم والضبط المعرفي/ د. عبد العظيم السلطاني/ جامعة الكوفة/ دار الرافدين/ ط1/ بيروت/ 2021 / ص 78.

(15). عباس عبد جاسم/ نقد النقد الثقافي كتاب الدكتور عبد العظيم السلطاني/ مجلة الاديب الثقافية/ ع 4/ السنة الثالثة/ 2022/ ص84.

(16) النظرية النقدية العابرة للتخصصات– تحولات النقد العربي المعاصر/ دار أزمنة للنشر والتوزيع/ ط1/ عمان/ 2016.

عرض مقالات: