بعد عشرين عاما من المآسي والكوارث، وصولا الى نكبة سيطرة داعش الإرهابي على ست محافظات عراقية، ولما تزلْ فلوله تعبث بامن المواطن والوطن، والتردي الحاصل على مختلف المستويات، وتفشي الفساد وصيرورته منظومة متكاملة، اصبح جليا وواضحا ان الجهات والكتل المتنفذة ليست في وارد البحث عن حلول جذرية للازمات والانتقال بالبلاد الى أوضاع أخرى يريدها الناس وينتظرونها، بل سعت وتسعى، في أحسن الأحوال، الى إدارة الازمة بما يديم هيمنتها ونفوذها وسلطتها. وليس من المنتظر والمتوقع ان تقوم هذه الجهات بالاقدام على إيجاد مخارج للازمات التي تُترى وأسّها، بحكم بنائها ونمط تفكيرها وآليات عملها، وعدم قناعتها بالديمقراطية كمنهج وسلوك ونمط حكم وقيم إنسانية وحريات واليات لتداول السلطة سلميا. فهي لا تعرف من الديمقراطية الا الانتخابات وسيلة لادامة نفوذها وتقاسم المغانم والهيمنة على مؤسسات الدولة، المدنية والعسكرية. وهي لجأت وتلجأ الى كل ما يعزز هذه الوجهة والتمسك بمنهج فاشل افرز وما يزال أوضاعا شاذة لا تستقيم مع اية دعوات الى تحقيق حكم رشيد يخدم الناس وينفعهم.
ولجأت هذه القوى الى توظيف الدين على نطاق واسع، والهروب للاحتماء بشخصيات لها مكانتها التاريخية عند المواطنين، وهذه الشخصيات براء من أفعال المتنفذين عندنا على طول الخط، فلا تستقيم دعوات المصلحين الى العدل والانصاف والزهد وكون الحكم خدمة للناس، مع ما يقوم به المتنفذون من موبقات لا يقرها أي عرف او دين؟
ولم تسعف الحال مليارات الدولارات التي تضمنتها الموازنات منذ ٢٠٠٥ وحتى اليوم، ومبالغ كبيرة منها ضاعت او سرقت او صرفت في غير استحقاقها، والنتيجة لا الخدمات موضع قبول من المواطنين او هي غير موجودة أساسا، ولا انتظمت الكهرباء في صيف لاهب وجل الاعتماد على غاز مستورد انسيابيته تخضع للمساومات والضغوط السياسية، ولا حياة الناس المعيشية تحسنت وتوفرت لهم لقمة العيش الكريم، ولم يشهد الإنتاج الزراعي والصناعي تقدما، وواردات النفط عموما جرى توظيفها ليس في إيجاد ركائز تنمية مستدامة تنقل أوضاع البلد الى أخرى مختلفة، فيما يحصل تعميق التفاوت والفرز الاجتماعي والطبقي، وتداخل مريب بين راس المال وخاصة المستحدث والمعروفة مصادره وأصحاب الثروات مع المتنفذين في السلطة وقراراتها.
وعلى نحو مثير ولحماية مصالح هؤلاء المتنفذين، وليس الوطن والدفاع عنه وعن مصالحه وقراره الوطني المستقل، يجري تشكيل المجاميع المسلحة وعسكرة المجتمع، والزيادة المفتعلة لتضخيم اعداد المنتسبين للقوات المسلحة والأمنية عموما، من دون الحاجة الفعلية لذلك، كما يقول العديد من المتخصصين، ولاسيما يجري الحديث عن حالة استقرار لم يشهدها البلد، فاذا كان الامر كذلك، فلاي هدف هذا الحشود؟
ولا بد من الوضوح الكافي بان الازمة في بلدنا بنيوية شاملة، لها علاقة بمنهج الحكم وبناء الدولة ومؤسساتها وتستند ادارتها الى تحاصص تخادمي تحت عنوان “تمثيل المكونات”، وعلى أهمية ما للافراد من دور، فهذا الدور مؤطر بسياج التوافقات التحاصصية.
هذا التمسك بالمنهج المولد للازمات هو العلة والسبب الأساس. ومن يتمسك به ويصر عليه، هو مساهم بهذا الشكل او ذاك في ادامة الازمة. أي ان المتنفذين بدرجات متفاوتة هم المسؤولون عما حل ببلدنا وما يعانيه شعبنا.
هذه الحقائق لا بد ان تكون معروفة للمواطنين، وخصوصا ونحن عشية اجراء انتخابات مجالس المحافظات، فالحاجة قائمة الى فعل إيجابي. وإذ كان مطلوبا الان التغيير، وهو حقا غدا ضرورة، فهو لن يأتي هبة من احد، ولن تاتي المعجزة تلقائيا. فلتكن المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة واختيار الأفضل والاكفأ والأنزه، ضمن حراك متعدد الأنماط، سياسي وجماهيري، ومتراكم في مخرجاته لفرض إرادة الأغلبية المسحوقة بما يضمن تحقيق التغيير الشامل.