اخر الاخبار

بينما يحتفل أطفال العالم بيومهم العالمي 20 تشرين الثاني، يواجه اقرانهم في العراق جُملة تحديات تفاقمت مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وارتفاع معدلات الفقر، فضلاً عن الحروب والأزمات التي مرّت على البلاد. وفيما تركت التغيرات المناخية أثرا سلبيا على عشرات الألوف من الأطفال، بعد أن أجبر الجفاف عائلاتهم على الهجرة من ديارها، لا يزال ما نسبته 13 في المائة من هذه الشريحة أميّا - حسب مسؤولين سابقين في مفوضية حقوق الانسان.

وفي هذا الصدد يقول رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، ان “التغيرات المناخية الحادة أثرت على حقوق الأطفال بنزوحهم بعد فقدان أسرهم سبل المعيشة، في وقت لا يزال فيه العديد من الأطفال يعانون في مخيمات النزوح”.

ويتابع في حديث صحفي قوله: “تضاف إلى مشكلة النزوح، مشكلة عمالة الأطفال واشتغالهم بالأعمال الشاقة لسد احتياجات عائلاتهم، فضلا عن امتهان التسوّل، والتسرّب من المدارس”، مضيفا إلى ذلك “مشكلة العنف الأسري الموجّه ضد الطفل بصوره المتنوّعة، والذي تفاقم بشكل كبير خلال الفترة الماضية. فيما لا يزال الكثيرون من الأطفال فريسة لعصابات الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية والمخدرات”.  ويشير الغراوي إلى وجود “أعداد هائلة من الأطفال المشرّدين، الذين لا يشكل ما يقيم منهم في دور الرعاية سوى نسبة قليلة”، مضيفا أن “هناك أيضا أعدادا هائلة من الأطفال الأيتام، الذين ترعاهم دور تابعة للمرجعيات الدينية وبعض المؤسسات، في ظل ضعف المنظومة الحكومية في هذا الشأن”.

 

لا ضمان لحقوق الطفل

ويلفت الغراوي إلى أن “هناك جهة رسمية تُعنى بالطفولة، هي هيئة رعاية الطفولة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وهناك سياسة وطنية لهذه الشريحة، لكن ما زال واقع الطفل بعيداً عن المنحى الأساسي لضمانات حقوق الإنسان والطفل التي وردت في اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، وصادق عليها العراق عام 1994”.

ويؤكد أن “هذه المشكلات والتحديات العديدة التي يواجهها الأطفال في العراق، ظاهرة للعيان، ويوم الطفل العالمي هو فرصة إيجابية لتذكير المسؤولين الحكوميين بأهمية تأمين حقوق هذه الشريحة، وبضرورة معالجة الاشكاليات التي حدثت والتي ستحدث في المستقبل”.

النزوح يسلب الطفولة ملامحها

بعد النزوح الداخلي الذي عصف بالعراق سنواتٍ نتيجة الاضطرابات الأمنية، شهدت البلاد خلال السنوات الأخيرة، ولا تزال تشهد، نزوحا جديدا مرتبطا بالتغيرات المناخية التي طاولت مناطق كثيرة في معظم المحافظات.

وفي هذا السياق، تقول الناشطة المتخصصة في حقوق الطفل، شروق محمد، أن “النزوح له تأثير سلبي على حياة الأطفال وتكوينهم”، مضيفة في حديث صحفي قولها أنه “بسبب التغيرات المناخية وأزمة الجفاف، اضطر الكثيرون من سكان القرى والأرياف إلى بيع ما تبقى لديهم من ثروة حيوانية، وبالتالي مغادرة أراضيهم واللجوء مع أطفالهم إلى المدن. ونظرا لقلة فرص العمل وصعوبة تأمين متطلبات المعيشة، يضطر الأطفال إلى العمل لمساعدة عائلاتهم، ما يؤثر سلبا على طفولتهم”.

وتوضح، أن “لجوء أطفال القرى والأرياف إلى المدن يتطلب منهم إعادة التأقلم مع المكان الجديد. إذ تختلف اللكنة والملابس والعادات وغيرها، ما يعني البدء بحياة جديدة وكأنهم ولدوا حديثاً”.

وتُعرِّف منظمة العمل الدولية عمالة الأطفال بأنها “عمل يحرم الأطفال من طفولتهم وإمكاناتهم وكرامتهم، ويضر بنموهم البدني والعقلي”. ومنذ عام 2002، حثت المنظمة المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات فورية وفعالة لإلغاء وحظر عمل الأطفال بأي شكل من الأشكال.

 نسبة الأمية مقلقة!

من جهته، يقول العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، أنس العزاوي، ان “نسبة الأمية في العراق تقدر بـ47 في المائة، بحسب إحصائيات اليونيسيف. فيما يشكل الأطفال من هم دون سن 10 سنوات ما يقارب 13 في المائة من أعداد الأميين”، لافتاً إلى أن “هذه الإحصائيات متغيرة وفقاً للتقديرات السنوية، وفي كثير من الأحيان لا تتطابق الإحصائيات الحكومية مع الإحصائيات الأممية”.

ويشير العزاوي في حديث صحفي سابق إلى أن “إحصائيات وزارة التخطيط تقدر أعداد الأطفال في سوق العمل بحدود 900 ألف طفل”، مؤكدا أن “الطفل العراقي لكي يتمتع بالحقوق الدستورية الأساسية، يحتاج الى تشريع قانوني حماية حقوق الطفل ومناهضة العنف الأسري، وتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، وتعديل الأنظمة والتعليمات الخاصة بالطفل في المؤسسات الحكومية، فضلا عن تعديل النصوص العقابية الخاصة بالأطفال والأحداث في قانون العقوبات العراقي”.

 عنف لفظي وجسدي

“يتعرض الطفل في العراق إلى العنف الجسدي واللفظي سواء من الأهل أم المدرسة أم الأقرباء أم حتى من الشارع” - وفق رئيس “جمعية حماية وتطوير الأسرة” العراقية، حقي كريم هادي، الذي يبيّن أن “هذا العنف يأتي نتيجة عدم تشريع قانوني العنف الأسري وحماية الطفل”.

ويدعو هادي في حديث صحفي، الحكومة إلى “تفعيل قوانين الأمم المتحدة والقوانين الدولية المعنية بحماية الطفل من العنف الأسري”، موضحاً أن “موضوع العنف الأسري يخضع للمزايدات السياسية، لذلك لا توجد له معالجات”.

وحسب الخبير القانوني علي التميمي، فإن “المادة 41 من قانون العقوبات العراقي تتيح للزوج والآباء والمعلمين حق التأديب في حدود الشرع والقانون”، منبهاً في حديث صحفي إلى أن “نص المادة المذكورة فضفاض ويُساء استخدامه ويجعل المحكمة مُقيّدة في المساءلة. وقد تم الطعن في هذه المادة أمام المحكمة الاتحادية لمخالفتها المواد 14 و29 و30 من الدستور”.

ويوضح أن “العنف يحطّم الصغار ويجعلهم حاقدين على المجتمع، وقد يحوّلهم إلى مجرمين”، مشيرا إلى أن “جرائم العنف تُخالف اتفاقيات الطفل وميثاق العهد الدولي وحقوق الإنسان. لهذا أصبحت الحاجة مُلحّة لتشريع قانون الحماية من العنف الأسري، كما فعل إقليم كردستان حينما شرّع هذا القانون”.

ومنذ العام 2020 أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون مناهضة العنف الأسري، وأرسله إلى البرلمان، لكن القانون لم يُقرّ حتى الآن بسبب معارضته من جهات سياسية، خصوصاً تلك المنتمية إلى الأحزاب الدينية.

وكانت منظمة اليونيسيف قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال العراقيين، والذي يبلغ مستويات خطيرة. وقد ذكرت في تقارير لها أن 4 من بين كل 5 أطفال في العراق يتعرضون للعنف والضرب.