اخر الاخبار

يعاني الأطفال من نقص حاد في المرافق التي تدعم الأنشطة الترفيهية في المدارس، حيث يفتقرون إلى المسارح ودروس الرياضة، ما يجعل يومهم الدراسي يتكون من ساعات طويلة من التعليم النظري دون أي فرص للترويح عن النفس أو التعبير عن إبداعاتهم.

هذا الفقر في الأنشطة الترفيهية داخل المؤسسات التعليمية يجعل الأطفال يواجهون صعوبة في التكيف والتفاعل الاجتماعي، كما ينعكس سلبًا على نموهم النفسي والعقلي.

أما خارج جدران المدارس، فيفتقر الأطفال إلى الأماكن المخصصة للعب أو الأنشطة الترفيهية التي تلبّي احتياجاتهم النفسية والاجتماعية. فعدم وجود هذه الفرص يجعلهم يفتقدون جزءًا كبيرًا من طفولتهم، ويزيد من معاناتهم بشكل عام. هذا الواقع لا يؤثر فقط على حياتهم اليومية، بل يضع عوائق أمام تطورهم الشخصي وقدرتهم على الإبداع والابتكار.

ت

تقول نادية عبد الجبار، وهي أم لخمسة أطفال، اثنان منهم في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط، إن "درسي الفنية والرياضة غالباً ما يكونا شاغرين، إما يخرج الأطفال للعب في الساحة الخارجية، أو يجلسون في الصف، أو يتم اخذ الحصة الدراسية لصالح درس آخر".

وتضيف نادية  لـ "طريق الشعب"، أن جدول الدوام المدرسي يتضمن ثلاث واجبات دراسية، ما يحرم أطفالها من الحصول على وقت للترفيه، حتى خارج أوقات الدوام المدرسي. وأكدت أن هذا الضغط الدراسي يؤثر سلباً على قدرة الأطفال على الاستمتاع بوقتهم خارج الدراسة، ما يسهم في شعورهم بالإرهاق وعدم التوازن بين الدراسة والترفيه.

وتشير نادية إلى أنه في الماضي كانت الدروس الفنية والرياضية تحظى بأولوية أكبر في التعليم، حيث كانت تعتبر جزءاً مهماً من منهج التعليم الشامل الذي يساهم في نمو الطفل وتطوير مهاراته الشخصية والاجتماعية. كانت هذه الدروس تعزز من قدرة الأطفال على التعبير عن أنفسهم وتطوير قدراتهم البدنية والفنية. ولكن مع تغير المناهج الدراسية وضغط المواد الأكاديمية، أصبحت هذه الأنشطة أقل أهمية، ما أثر على توازن حياة الأطفال وجعلهم يفتقرون للفرص الكافية للتسلية.

وأشارت إلى غياب المرافق الترفيهية المجانية الجيدة للأطفال، حيث أن هذه المرافق محدودة جداً، والباقي منها يتطلب مبالغ كبيرة، مثل صالات الألعاب الإلكترونية. هذا الواقع يجعل الترفيه مقتصراً على الأطفال الميسورين، ويحرِم باقي الأطفال من هذا الحق الأساسي في التسلية والاستمتاع بطفولتهم.

عنصر أساس في دعم الاطفال

ويشير الأكاديمي حيدر ناصر، أستاذ جامعي، إلى أهمية الترفيه كعنصر أساسي في دعم تطور الأطفال وضمان نموهم السليم، حيث يعتبر الترفيه وسيلة فعالة لتكوين شخصية الطفل المستقلة وتمكينه من التعبير عن ذاته واكتشاف مواهبه ومهاراته.

وفي حديث مع "طريق الشعب"، أوضح ناصر أن "الترفيه يفتح أمام الطفل أبوابًا لاستكشاف العالم من حوله، ما يعزز خبراته وإدراكه، بالإضافة إلى تطوير قدراته الجسدية والحركية والاجتماعية".

وأضاف، أن هذه الأنشطة تسهم في خلق حالة من الاستمتاع بالحياة وتحفز الأطفال ليصبحوا أفرادًا منتجين في المجتمع، مشيرا إلى أن الترفيه يشمل أنشطة متنوعة، سواء كانت فردية أو جماعية، تسهم في تفريغ الطاقة السلبية والتخلص من التوتر، مع توجيهها نحو أنشطة إيجابية تلبي احتياجات الأطفال، مما يساعدهم على الشعور بالراحة النفسية والرضا. ويؤكد ناصر أن الترفيه يلعب دورًا رئيسيًا في تجديد النشاط والتخلص من مشاعر الملل والفراغ، مما ينعكس إيجابًا على أداء الطالب والانسان بصورة عامة، وإنتاجيته.

وفي سياق الأنشطة الترفيهية المدرسية، يوضح ناصر أنها تتيح للطلبة فرصة استخدام خيالهم وتطوير إبداعهم وبراعتهم البدنية والمعرفية. ومن خلال اللعب والمشاركة مع أقرانهم، يمكن للأطفال بناء مهارات اجتماعية جديدة والتغلب على المخاوف، ما يساعدهم على النمو المتوازن والشامل، مردفا أن بعض المدارس تنفذ برامج ترفيهية مناسبة وهذه لها أثرها الإيجابي على تطور أداء ونشاط الطلبة.

وعبّر ناصر عن قلقه من غياب مثل هذه الأنشطة في العديد من المؤسسات التربوية، محذرًا من انعكاسات هذا الغياب في ظل ارتفاع معدلات المشاكل الاجتماعية، مثل تعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية، داخل الوسط التربوي. ولفت إلى أن التدهور في التعليم بالعراق لا يرتبط فقط بالأساليب التقليدية المتبعة منذ سنوات طويلة، بل يتأثر أيضًا بغياب الأنشطة الترفيهية التي يمكن أن تعزز بيئة تعليمية متكاملة ومشجعة للطلبة.

ويؤكد ضرورة إعادة النظر في المناهج التعليمية وتعزيز الأنشطة الترفيهية في المؤسسات التربوية كجزء من استراتيجية شاملة للنهوض بالقطاع التعليمي.

غياب الاهتمام المؤسسي بالطفولة المبكرة

يقول علي حاكم، مؤسس المدرسة الحرة والناشط في مجال التعليم، أن الدولة العراقية لا تولي شريحة الأطفال اهتماماً كافياً، بينما هذه نقطة انطلاق أساسية لأي نظرة مستقبلية تجاه بناء المجتمع.

ويؤكد، أن الأطفال هم أساس التغيير الجذري في أي مجتمع، مشدداً على أن التوجه نحو تنمية الطفل والعمل عليه منذ سنوات عمره المبكرة هو الحل الوحيد لتحقيق تحولات مستدامة في العراق.

ويشير حاكم إلى أنّ العقلية الأساسية للأطفال تتشكل بنسبة تتراوح بين 60 إلى 70 في المائة قبل بلوغهم سن الست سنوات. ومع ذلك، يفتقر العراق إلى مؤسسات متخصصة في الطفولة المبكرة، على عكس دول مثل عمان، حيث تبدأ عملية التنشئة في السنوات الأولى من عمر الطفل. ويوضح أن غياب هذه المؤسسات يعيق تنمية الأطفال منذ الصغر، ما يؤثر لاحقاً على مراحل حياتهم التالية، سواء في المدارس الابتدائية أو في المراهقة والشباب.

وتطرق حاكم خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، إلى طبيعة النظام التعليمي في العراق، موضحاً أن الأطفال العراقيين يواجهون مشاكل متعددة فور دخولهم المدارس الابتدائية. فالواجبات الثقيلة والتركيز المفرط على الدرجات، مثل “العشرات”، تجعل الأطفال يكرهون المدرسة بدلاً من أن يحبوها.

وواصل أن هذه الثقافة تولّد بيئة تعليمية غير صحية، حيث يُطلب من الأطفال التفوق لإرضاء الأهل والمنظومة الاجتماعية، دون الاهتمام بتنمية شخصياتهم أو ترسيخ قيم المواطنة لديهم.

ويصادف يوم 20 تشرين الثاني من كل عام يوم الطفل العالمي، وهو يوم مخصص للاحتفال بحقوق الأطفال في جميع أنحاء العالم. يُعتبر هذا اليوم فرصة لتوعية المجتمع الدولي بالتحديات التي يواجهها الأطفال، مثل الفقر، والتعليم، والصحة، والحماية من الاستغلال، بالإضافة إلى التأكيد على أهمية توفير بيئة مناسبة لنموهم وتطورهم في مختلف جوانب الحياة.

عرض مقالات: