اخر الاخبار

تعاني السجون العراقية منذ عقود من انتهاكات جسيمة، حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب النفسي والجسدي، بما في ذلك الصعق بالكهرباء، التعليق من السقف، والعنف الجنسي، إضافة إلى سوء المعاملة والإهمال الطبي، كما يعانون من انتشار الأمراض في ظل الاكتظاظ.

ووصفت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، التقارير المتزايدة حول تصاعد حالات التعذيب في السجون ومراكز الاحتجاز، بأنها انتهاك خطر للدستور العراقي والمواثيق الدولية.

وأعربت اللجنة في بيان لها عن قلقها البالغ إزاء انتهاكات الكرامة الإنسانية التي تتمثل في انتزاع الاعترافات بالقوة وغياب المعايير القانونية، مؤكدة أن هذه الممارسات تهدد الثقة بين المواطن والدولة وتشوّه صورة النظام القانوني للبلاد.

وفقا لمراقبون، فقد رسخ الغزو الأميركي عام 2003 هذه الممارسات، مع تعزيز الإفلات من العقاب. ورغم اعتراف الحكومة بوقوع انتهاكات، إلا أنها تقلل من حجمها دون اتخاذ خطوات حاسمة لوقفها، ما يترك المعتقلين ضحايا لنظام تعسفي يفتقر للرقابة والعدالة.

في مشهد يعكس واقعًا معقدًا وصعبًا يعصف بالسجون العراقية، كشف مصدر محلي من محافظة ذي قار، فضل عدم الكشف عن هويته، تفاصيل مريرة عن ممارسات التعذيب اليومية التي يتعرض لها المعتقلون في سجون الأمن والاستخبارات.

وأوضح المصدر، أن التعذيب مستمر دون انقطاع، حيث يتعرض المعتقلون لما يسميه أفراد الأمن بـ"الحفلة" أو "السهرة اليومية"، وهو مصطلح يوحي بممارسات قاسية لا إنسانية.

ويشمل التعذيب جميع الأساليب المتاحة، من الأذى النفسي والجسدي، بما في ذلك استخدام الصدمات الكهربائية على الأعضاء التناسلية للمعتقلين. كما يشهد السجن أعمالًا مروعة أخرى، مثل رسم مولد كهربائي أو دراجة هوائية أو حتى سلم على الجدران، ثم يُجبر المعتقل على استخدام هذه الأدوات بطريقة تعذيبيه. في أحد أساليب التعذيب، يملأ المعتقل كيسًا بالماء ثم يُجبر على وضع رأسه فيه، ليُضرب بقسوة حتى يفقد وعيه، وفقاً لما رواه المصدر.

السجون أكاديمية لتخريج المجرمين

تحدث عمر العلواني من منظمة حق لحقوق الإنسان بشفافية عن قضايا تمثل جرحًا عميقًا في جسد حقوق الإنسان في العراق. السجون، التي يفترض أن تكون أماكن للإصلاح وإعادة التأهيل، باتت في كثير من الحالات "أكاديميات لتخريج مجرمين"، على حد وصفه، حيث تُسلب الحقوق وتُنتهك الكرامة الإنسانية.

وقال العلواني لـ "طريق الشعب"، إن "الاكتظاظ في السجون العراقية أصبح ظاهرة معروفة تعترف بها حتى الحكومة. هذه المشكلة تتفاقم بسبب الفساد المستشري في منظومة توزيع الحصص الغذائية، حيث يعاني السجناء من نقص في التغذية الأساسية برغم وجود ميزانيات مخصصة لذلك".

وأضاف، أن "سجن الحلة، على سبيل المثال، يُعد أفضل حالًا مقارنة بسجن الحوت، الذي يُوصف بأنه الأسوأ من حيث الظروف. هذا التفاوت في مستويات السجون يعكس غياب سياسات واضحة لإصلاح منظومة السجون بشكل شامل".

التعذيب، الذي كان حاضرًا حتى في العهود السابقة، أصبح اليوم أكثر "مهنية واحترافية، كما وصفه العلواني بمرارة. ما يفاقم المأساة هو السكوت عن هذه الانتهاكات، مما يجعل التعذيب جزءًا متجذرًا من النظام القائم".

واستعرض العلواني حادثة حصلت مؤخراً في محافظة النجف، تلخص قصة وفاة شاب يبلغ من العمر 26 عامًا نتيجة التعذيب، بعدما تم احتجازه إثر مشاجرة كان يفترض أن تنتهي بكفالته وإطلاق سراحه. هذا الشاب هو مجرد حالة من بين مئات الحالات التي تتكرر في السجون العراقية.

وأوضح العلواني، أن السجون تفتقر إلى أية ملامح للإصلاح الحقيقي. بدلًا من ذلك، أصبحت السجون بيئات قاسية تعزز السلوك الإجرامي بدلًا من إصلاحه. علاوة على ذلك، يشير إلى أن النظام القضائي في العراق يساهم أحيانًا في تعقيد الوضع، حيث يتم تنفيذ أحكام قاسية بناءً على أدلة ضعيفة أو غيابية، ما يؤدي إلى إعدام أشخاص قد يكونون أبرياء.

انتهاكات بدوافع مختلفة

د. فاطمة العاني، مستشارة المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أكدت في حديثها مع "طريق الشعب"، أن بيان "لجنة حقوق الإنسان البرلمانية العراقية الأخيرة تدعم ما وثقته تقارير سابقة محلية ودولية حول تعرض السجناء لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك التعذيب الممنهج وسوء ظروف الاحتجاز".

وقالت ن "هذه الممارسات تمتد من لحظة الاعتقال وحتى الإفراج أو المحاكمة، مما يعكس نهجًا متكررًا يخالف المعايير الدولية لحقوق السجناء".

ووصفت العاني عمليات التعذيب في السجون العراقية بأنها ذات دوافع متعددة تشمل الطائفية، الانتقام، والابتزاز، مشيرة إلى أن أساليب التعامل مع السجناء وظروف الاحتجاز نفسها تعد شكلاً من أشكال التعذيب. وأكدت أن هذه الانتهاكات لا تمت للإنسانية بصلة، وأن العراق لم يلتزم بالمعايير الدولية رغم كونه طرفًا في التزامات حقوق الإنسان على المستوى الدولي.

ورأت العاني، أن "جذور هذه الانتهاكات تعود إلى فترة الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث كان يُفترض أن يُبنى نظام جديد يحمي الحقوق والحريات وفق الدستور. ومع ذلك، تصف الحقوق والحريات في العراق بأنها "وُلدت ميتة" بسبب غياب التطبيق العملي والمعايير الصحيحة".

وأكدت، أن "المسؤولية تقع على عاتق الاحتلال أولاً، ثم الحكومات العراقية المتعاقبة التي استمرت في انتهاك حقوق السجناء".

وشددت العاني، أن لهذه الممارسات تأثيرات خطيرة على المديين القريب والبعيد، إذ تسبب أضرارًا جسدية ونفسية للسجناء، تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة بسبب التعذيب أو الإهمال الطبي، وعلى بعيد المدى ستساهم في تفكك النسيج الاجتماعي من خلال التأثير على عائلات الضحايا، ما قد يدفعها إلى البحث عن الانتقام ويحول المجتمع إلى مجتمع غير مسالم".

ودعت العاني الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف هذه الانتهاكات والعمل على إصلاح منظومة السجون بما يضمن احترام حقوق الإنسان. كما ناشدت المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته في مراقبة الوضع الإنساني بالعراق، واتخاذ موقف حازم لوقف هذه الممارسات المنهجية التي تهدد استقرار المجتمع العراقي.

وأكدت على ضرورة البدء بمرحلة جديدة تقوم على سياسات تحترم كرامة الإنسان وتضمن معاملة حضارية للسجناء، وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

انتهاكات في أثناء التحقيق

المتحدث باسم المفوضية العليا لحقوق الإنسان، سرمد سعيد البدري، قال ان "هناك ضرورة ملحة لمواجهة الانتهاكات التي تحدث داخل السجون ومراكز الاحتجاز في العراق"، مشددا على أن المفوضية تواصل عملها الرصدي والتوثيقي بموجب المادة 5 من قانون المفوضية، والتي تخولها زيارة السجون دون الحاجة إلى إذن مسبق.

وأضاف سرمد لـ "طريق الشعب"، أن "التحدي الأكبر الذي تواجهه المفوضية يتعلق بملف العدالة الجنائية"؛ حيث أشار إلى أن "معظم الانتهاكات تحدث في مراكز الشرطة ومواقف التحقيق الأولي أثناء مراحل التحقيق الابتدائي".

ولفت إلى أن الانتهاكات داخل السجون، بما في ذلك الاكتظاظ الكبير، تُعتبر من القضايا التي يتم توثيقها في تقارير المفوضية.

وأشار إلى أن "مراكز الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية الأخرى غالبا ما تشهد خروقات خلال التحقيقات، رغم الإشراف القضائي ومتابعة مجلس القضاء الأعلى، الذي أصدر تعليماته لمنع أي انتهاكات أو حالات تعذيب أثناء التحقيق".

وأكد سرمد، أن "المفوضية تستقبل الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات من خلال منافذها، حيث تتم إحالتها إلى السلطات القضائية والادعاء العام، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية المعنية بالتحقيق".

وأشار إلى أن المفوضية تقوم بتوثيق هذه الشكاوى في تقارير رسمية تُرفع إلى الجهات المعنية، بما في ذلك لجنة حقوق الإنسان النيابية.

وفي سياق متصل، أوضح سرمد أن المفوضية تعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية وباقي الأجهزة الأمنية على تنفيذ برنامج تدريبي مستمر لتعزيز الوعي حول حماية حقوق الإنسان ومنع التعذيب أثناء التحقيق الأولي. ويتضمن البرنامج خططًا سنوية تهدف إلى تحسين أداء العاملين في الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع الهيئات ذات العلاقة.

واختتم سرمد حديثه بالدعوة إلى تكثيف الجهود من قبل الوزارات الأمنية والجهات القضائية للحد من الانتهاكات داخل مراكز التحقيق الأولي والسجون، مشددا على أهمية دور المفوضية في إثارة هذه القضايا، التي تُعتبر ذات أولوية لعملها الإنساني وملف العدالة الجنائية في العراق.

عرض مقالات: