اخر الاخبار

تعاني المواقع الأثرية في محافظة كربلاء من إهمال وتجاوزات مستمرة، أبرزها على قصر شمعون الذي يعود للقرن الخامس الميلادي، وكنيسة الأقصير أقدم كنيسة مشرقية. وبرغم وجود أكثر من 200 موقع أثري، فإن غياب الترميم ونقص التمويل يعرضها للاندثار. تركز الجهود الحالية على حصن الأخيضر، مع تأجيل صيانة باقي المواقع.

تنقيب غير قانوني

يؤكد حميد الشمري، الباحث في شؤون الآثار والدليل السياحي، أن هناك تقصيراً واضحاً في حماية الآثار وترميمها، إلى جانب تعرضها المستمر للتنقيب غير القانوني والتعديات من قبل السكان.

ويشير الشمري إلى وجود أكثر من 200 موقع أثري في كربلاء؛  تسعة منها مواقع ظاهرة فوق الأرض، وجميعها تعاني من مشكلات كبرى مثل الإهمال، السرقة، والتنقيب غير القانوني. ومن الأمثلة على ذلك “قصر الأخيضر”، الذي تعرض لعملية تنقيب غير قانوني قبل عامين برغم وجود فوج حماية على بابه. كما أن الاستجابة لحماية الموقع جاءت متأخرة بعد أسابيع من التعدي.

قصر شمعون

ومن بين أبرز الآثار المهملة قصر شمعون، الذي يمثل حقبة منسية من تاريخ كربلاء. ويعود القصر، بحسب الروايات، إلى فترة تمتد بين التاريخ اليهودي والمسيحي، إذ يقال إنه ينتمي لشمعون بن لخم. وتعرض هذا القصر، الذي يقع غرب كربلاء، لتجاوزات هائلة بعد عام 2003، أدت إلى انهيار أجزاء كبيرة منه، ولم يتبقَ سوى جزء صغير.

ويضيف الشمري أن هذا الإهمال لا يقتصر على قصر شمعون فحسب، بل يشمل مواقع أخرى مثل “كنيسة القصير”، التي تُعد أول كنيسة مشرقية مكتشفة في العالم وأول كنيسة في العراق. وبرغم عروض الترميم التي قُدمت منذ عام 2018، لم تتم أي خطوة فعلية لإنقاذها.

ويتهم الشمري بعض الجهات الدينية والسياسية داخل المحافظة بتعمد إهمال الآثار المسيحية أو التي تروي حقباً مغايرة للسرد التاريخي السائد في المدينة، وذلك لتغييب التنوع التاريخي والجغرافي الذي يميز كربلاء.

وتُظهر معاناة المواقع الأثرية في كربلاء الحاجة الماسة إلى تدخل عاجل لحمايتها وترميمها، ليس فقط لأنها تمثل إرثاً حضارياً للعراق، بل لأنها تعكس تنوعاً تاريخياً غنياً يعزز من فهم الهوية الثقافية للمدينة. الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لهذه الآثار يُعد خسارة لا تُعوض، ودعوة صريحة لإعادة النظر في السياسات المتعلقة بحماية التراث.

في حديث حول قصر شمعون الأثري في محافظة كربلاء، قال منقب الآثار حسن الشمري، ان "القصر يُعدّ من أبرز المعالم التاريخية في المحافظة وأحد أقدم القصور في العراق، حيث يعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس الميلادي، قبل الفتح الإسلامي. القصر يُنسب إلى شمعون بن جابر اللخمي، أحد رجال الدين المسيحيين البارزين في ذلك العصر، والذي كان له دور في دعم بناء الدولة اللخمية. الروايات الأخرى تشير إلى ارتباطه بملك يهودي يُدعى شمعون عاش وقومه في منطقة شثاثا غرب كربلاء قبل الإسلام".

وأضاف الشمري لـ "طريق الشعب"، ان "القصر شُيد من الحجر الكلسي والطين، وتم تصميمه بطريقة محصنة لتلبية الأغراض الدفاعية والهجومية، إلى جانب الضيافة والاستراحة. القصر يحتوي على ثلاثة سراديب، أحدها ما يزال بحالة جيدة، في حين تعرض الآخران إلى الهدم نتيجة الإهمال وعوامل التعرية الطبيعية. ويبلغ محيط القصر 500 متر يتضمن جدرانًا بسمك مترين وارتفاعا يصل إلى سبعة أمتار، إلا أن معالمه التاريخية تغيّرت كثيرًا بسبب عوامل الإهمال والتوسع العمراني في المنطقة".

وأشر الشمري إهمالا حكوميا لهذا الموقع الأثري، حيث قال: "للأسف، تعاني معالمنا التاريخية، بما في ذلك قصر شمعون، من غياب الترميم والتطوير بسبب نقص التمويل والدعم الحكومي. هذا الإهمال يعرض القصر للاندثار، رغم أهميته الكبيرة في إبراز تاريخ كربلاء الغني، التي كانت ملتقى طرق رئيسية واستوطنت مبكرًا ضمن منطقة الفرات الأوسط، قرب مدينة بابل الأثرية."

ودعا الشمري الجهات المعنية إلى تخصيص ميزانيات كافية للعناية بالموقع، مضيفًا: ان "قصر شمعون ليس مجرد معلم أثري، بل شاهد حي على تاريخ العراق العريق، وينبغي أن يحظى بالاهتمام الذي يستحقه للحفاظ عليه".

112 موقعاً أثرياً

أحمد حسن العابدي، مدير مفتشية الآثار والتراث في محافظة كربلاء، تحدث عن واقع التراث الأثري في المحافظة، مسلطا الضوء على التحديات التي تواجهها عملية الحفاظ على المواقع الأثرية.

وتعد كربلاء من أبرز المدن العراقية الغنية بالإرث التاريخي والثقافي، حيث تضم العديد من المواقع الأثرية التي تجمع بين المواقع الشاخصة والمواقع المدفونة تحت التلال الأثرية. ووفقاً للعابدي فإن "عدد التلال الأثرية في المحافظة يبلغ نحو 212 موقعاً أثرياً. أما المواقع الشاخصة البارزة، فتشمل كنيسة القصير، حصن الأخيضر، منارة موجدة وكهوف الطار، خان الربع، خان العطش، والقنطرة البيضاء".

وقال العابدي، أن "حماية المواقع الأثرية تأتي على رأس أولويات المفتشية. تتجسد هذه الحماية من خلال المتابعة الميدانية اليومية التي يقوم بها فريق من الحراس المدنيين وشرطة حماية الآثار. كما تعمل المفتشية على التنسيق مع الدوائر الحكومية في القضايا المتعلقة بالمواطنين، مثل منح الموافقات أو رفضها بما يضمن الحفاظ على المواقع الأثرية".

ويشير الى انه "برغم الأهمية البالغة لصيانة المواقع الأثرية، تواجه المفتشية تحدياً كبيراً يتمثل في الأزمة المالية التي أثرت بشكل كبير على مشاريع الصيانة. حاليًا، تُركز الجهود على حصن الأخيضر فقط، حيث خُصص له مبلغ مالي خلال هذا العام. أما بقية المواقع، فإن الصيانة مؤجلة إلى السنوات القادمة على أمل توفر التمويل اللازم".

إلى جانب التحدي المالي، أشار العابدي إلى المعوقات الإدارية التي تظهر نتيجة التعارض بين قانون الآثار وبعض الدوائر الأخرى. إلا أن هذه المشكلات تُحل غالباً بالطرق القانونية، مع التأكيد على أهمية اعتبار الآثار ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة.

عرض مقالات: