اخر الاخبار

في ظل تزايد المنافسة بين الجامعات الأهلية على استقطاب الطلبة، لجأت بعض المؤسسات إلى أساليب ترويجية أثارت جدلاً واسعاً، حيث يبدو انها لم تجد أفكارا للترويج سوى استخدام الطالبات كوسيلة دعائية بطريقة وصفها مراقبون بأنها "غير أخلاقية". هذا النهج يعكس حالة من تسليع التعليم، ويعكس غياب معايير واضحة لتنظيم عملية الترويج في هذا القطاع الحساس.

ويرى مختصون أن هذه الظاهرة تعكس تراجعاً في القيم التربوية والأخلاقية، خاصة مع وجود هيمنة سياسية ومصالح شخصية تؤثر على مسار التعليم العالي، مطالبين بضرورة وضع ضوابط صارمة تمنع استغلال الطلبة في الدعاية، وترسّخ مبادئ الشفافية والجودة في إدارة المؤسسات التعليمية.

"نريدهن جميلات"

هدى أسعد، طالبة في إحدى الجامعات الأهلية، تروي لمراسل "طريق الشعب" قصة زميلة لها من قسم آخر حصلت على المرتبة الأولى في المرحلة الرابعة، وهو إنجاز كان من المفترض أن يفتح أمامها أبواب التعيين في الجامعة، إذ يُعتبر شرطًا أساسيًا أن تكون ضمن الأوائل ليتم النظر في طلب تعيينها.

إلا أن الزميلة فوجئت برفض طلب تعيينها ليس بسبب الكفاءة أو التحصيل العلمي، بل بسبب معايير تتعلق بالمظهر الخارجي. وفقًا لما نقلته هدى، فهم يفضلون اختيار أساتذة يتمتعون بمعايير جمالية معينة، دون الاكتراث بالقدرات الأكاديمية أو الكفاءة المهنية. هذا القرار أدى إلى دخول الطالبة في حالة صدمة نفسية، وتعرضها لنوبات من الاكتئاب وانعدام الثقة بالنفس.

وتعكس هذه الواقعة ظاهرة خطيرة تتعلق بانتشار معايير غير مهنية في بعض المؤسسات التعليمية، حيث يتم تهميش الكفاءات لصالح معايير سطحية. هذه الظاهرة تعكس مشكلات أعمق تتعلق بالتمييز، وانعدام العدالة في فرص التوظيف، ما يؤثر سلبًا على بيئة التعليم العالي.

وتخلص هدى الى أن تركيز الجامعة لا ينصب على الحضور أو الغياب، ولا حتى على أداء الامتحانات ومستوى التحصيل العلمي، بقدر ما ينصب على الالتزام بتوقيتات دفع الأقساط الدراسية.

محتوى يجذب المال!

فيما تقول نور الخفاجي، التدريسية وعضو نقابة المعلمين، أن التعليم الأهلي في العراق يعاني من تحديات كبيرة تجعله بعيدًا عن رسالته الحقيقية في بناء الأجيال وصقل الكفاءات، مشيرة إلى أن "بعض الجامعات الأهلية أصبحت تنتهج سياسات تهدف إلى تحقيق الربح المادي فقط، متجاهلة الأسس الأكاديمية والأخلاقية التي يجب أن تقوم عليها المؤسسات التعليمية".

وتضيف الخفاجي في حديثها لـ "طريق الشعب"، قائلة "شهدنا ظاهرة مقلقة لدى بعض الجامعات الأهلية تتمثل في تسليع الطالبات، حيث يتم استغلالهن كواجهة للترويج وجذب الطلبة الجدد. هذه الممارسات لا تنتهك فقط كرامة الطالبات، بل تعكس أيضًا تحول التعليم إلى تجارة مربحة خالية من القيم الأكاديمية والتربوية".

وتشير الى ان العديد من تلك الفتيات استخدمن كمحتوى إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي، ما يجعلهن عرضة لترك الدراسة أو التنمر والابتزاز.

وتجد الخفاجي أن التعليم في العراق يواجه أزمة حقيقية في ظل انتشار الجامعات الأهلية بشكل عشوائي ودون رقابة صارمة. كثير من هذه المؤسسات تفتقر إلى الكوادر المؤهلة والمناهج العلمية الرصينة، ما يؤدي إلى تدهور جودة التعليم وتخريج أجيال غير قادرة على مواكبة متطلبات سوق العمل أو المساهمة في بناء الوطن.

وتدعو الخفاجي الجهات المعنية إلى اتخاذ خطوات جادة لإصلاح قطاع التعليم، مشددة على أهمية وضع معايير صارمة لإنشاء الجامعات الأهلية والإشراف على أدائها، بالإضافة إلى ضمان احترام القيم الأخلاقية والإنسانية داخل الحرم الجامعي.

وتؤكد بالقول: ان "التعليم هو عماد التقدم والتنمية، ولا يمكننا تحقيق ذلك إذا ما تحول إلى سلعة تُباع وتشترى. نحن بحاجة إلى إرادة سياسية وتعليمية حقيقية لإعادة التعليم في العراق إلى مساره الصحيح".

فساد ومنافسة سياسية!

المحلل السياسي محمد زنكنة، قال إن "التعليم العالي في العراق يعاني من مشاكل جوهرية تتعلق بالفساد والمنافسة السياسية، التي تعيق التنمية الحقيقية في هذا القطاع".

ووفقاً لزنكنة، إن الجامعات الأهلية في العراق تحولت إلى ساحة للمنافسة السياسية، حيث يتم منح الشهادات بشكل غير قانوني ولأغراض مالية أو لتسوية الحسابات الشخصية. وهذه المسألة متبعة منذ ما بعد 2005 و2006.

واعتبر زنكنة، أن "التعليم العالي في العراق يعاني من إجراءات تعليم جامعية متزمتة وشروط دراسية تعيق تقدم الأفراد في المجتمع. هذه العقبات، إلى جانب الفساد السياسي، أدت إلى تضاعف عدد شهادات الماجستير والدكتوراه، ومنح شهادات وهمية لأغراض مالية، ما يقلل من قيمتها الحقيقية ويؤدي إلى تراجع جودتها. هذا الأمر لا يقتصر على الجامعات الأهلية بل امتد ليشمل الجامعات الحكومية، حيث يُستغل التعليم العالي لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح شخصية".

ويشدد زنكنة على أن "الفساد في التعليم الجامعي له أبعاد سياسية واجتماعية، حيث يتم استغلال النساء كسلع للوصول إلى المناصب العليا، سواء في الجامعات أو في السياسة"، مشيرا إلى أن "هناك نساء يدخلن الجامعات ليس بناءً على الكفاءة، بل استناداً إلى علاقات مشبوهة مع شخصيات متنفذة، وهو ما يشير إلى صورة نمطية متكررة في المجتمع العراقي".

وبحسب زنكنة، فان هذا الوضع يهدد النزاهة التعليمية ويؤثر سلباً على مستقبل الأجيال.

ويدعو المتحدث الى تشديد الرقابة على الجامعات بشكل صارم وفعال، مستدركا "لكن حتى الرقابة ليست كافية، إذ أن الفساد منتشر إلى حد يجعل من المستحيل ضبط الأمور دون تغييرات جذرية في السياسات والإجراءات".

وفي حديثها لـ "طريق الشعب"، تناولت الناشطة السياسية وجدان الناشي الوضع الراهن للتعليم العالي في العراق، حيث أبدت استياءها من تحول الجامعات الأهلية إلى ساحة تجارية بحتة، مؤكدة ضرورة التركيز على القطاع العام كوسيلة رئيسية للتعليم.

 الناشي قالت إن الدول المتقدمة تدعم القطاع الخاص بشكل كبير للاستثمار، في حين تحول في العراق الى قطاع تجاري هدفه الربح بعيدا عن المعايير العلمية والشفافية الحقيقية.

وأضافت الناشي، أنّ "التقييم الأكاديمي لطلبة الجامعات الأهلية لا يعتمد على الكفاءة العلمية، حيث يتم التساهل في القبول والتقييم نتيجة للتداخلات السياسية. أصبحت الجامعات الأهلية بمثابة منصة لتحقيق مصالح شخصية، حيث يمكن للطالب أن يدفع مبلغاً معيناً ليحصل على الشهادة، حتى وإن لم يكن يحمل مستوى تعليمياً مناسباً". و

أشارت إلى أن هذه الطريقة تشجع على الفساد والرشوة داخل الجامعات.

واختتمت ان "الحكومة لم تضع أولوية للتعليم، لذلك نجد أنفسنا نرسل أطفالنا إلى المدارس الأهلية التي تقدم خدمات أفضل، ولكنها ليست بالضرورة تعليمية".

تحول المشهد التعليمي

الباحث الأكاديمي حيدر ناصر يقول لـ "طريق الشعب"، أن "التعليم الأهلي في العراق يمثل تحولاً كبيراً في المشهد التعليمي، حيث أصبح يشمل الجامعات، والكليات، والمدارس الابتدائية والمتوسطة والإعدادية".

وأوضح، أن "هذا النظام بدأ ينشط بشكل ملحوظ بعد عام 2003 نتيجة الاكتظاظ الكبير في المؤسسات الحكومية وضعف قدرتها على تقديم المناهج العلمية والتربوية بكفاءة تتماشى مع الأهداف المعلنة من وزارتي التربية والتعليم العالي".

وأشار إلى، أن "الظروف الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى العائد الاقتصادي المغري للمستثمرين، كانت من بين الأسباب الرئيسة لازدهار هذا النوع من التعليم". وأكد أن هناك المئات من الجامعات والمدارس حصلت على تراخيص من الجهات المعنية، ما يجعل التعليم الأهلي جزءًا أساسيًا من النظام التعليمي في البلاد".

ورأى أن "التعليم الأهلي يتمتع ببعض المميزات مثل جودة التعليم في المراحل الأساسية، حيث تتفوق المدارس الأهلية على الحكومية من حيث الوسائل التعليمية والاهتمام الفردي بالطلبة"، منبها إلى أن المعلمين في هذه المدارس يخضعون لضغط ومحاسبة مستمرة من المستثمرين، ما يدفعهم لتقديم أفضل أداء".

وزاد بالقول، أن الإشكالية الكبرى تكمن في أن الإدارات الأهلية لا تهتم كثيرًا بمعدلات النجاح والرسوب إلا في المرحلة المنتهية، ما يطرح تساؤلات حول أهداف التعليم الأهلي ومدى التزامه بالمعايير التربوية الرصينة، فيما انتقد غياب المتابعة الجادة في المؤسسات الحكومية مقارنة بالمدارس الأهلية، حيث تعتمد الأخيرة على رقابة مستمرة ومحاسبة صارمة، بينما ينشغل المشرفون التربويون في المؤسسات الحكومية بأعمال روتينية مثل إعداد الخطط والتقارير والغيابات وغيرها.

وأكد، أن منح التراخيص للجامعات والمدارس الأهلية غالبا ما يتم على أسس مادية مثل المباني والتجهيزات دون مراجعة دقيقة للمناهج أو التخصصات، محذرا من خطورة تسليع التعليم، حيث تتحول المؤسسات التعليمية إلى مشاريع تجارية بحتة.

وأشار إلى، أن هذه الظاهرة قد تؤدي إلى نتائج كارثية على مخرجات التعليم العالي ومصداقية النظام التعليمي في العراق، خاصة في التخصصات الحساسة مثل الطب والقانون التي تمس حياة الناس ومصائرهم بشكل مباشر.

وأضاف، ان "الاعتماد المتزايد على التعليم الاهلي يثير تساؤلات حول جودة التعليم وكفاءة المخرجات. ويتطلب الوضع مراجعة شاملة لإطار العمل في المؤسسات الأهلية لضمان أن تبقى رسالة التعليم سامية، بعيدة عن الحسابات المادية البحتة، مع التأكيد على الالتزام بالمعايير الأكاديمية والأخلاقية".

وأوضح، أن "أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الشباب نحو التوجه للجامعات الأهلية هو التأثير الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُعد الأجيال الحالية الأكثر تأثراً بما يُعرض على الهواتف الذكية".

ووصف الصورة التي يُروج لها في التعليم، والتي تظهر الفتيات وكأنهن أداة لجذب المال، بأنها "غير أخلاقية"، مشيراً إلى أن هذا السلوك يعكس انحداراً في القيم التربوية، ويشكل انتهاكاً واضحاً لمبادئ التعليم التي يجب أن تقوم على الاحترام والمساواة، بعيداً عن الاستغلال أو التشويه.

عرض مقالات: