ملّ العراقيون الحديث عن أزمة الكهرباء، التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن ايجاد حلول لها، وحتى عن تأمين استيراد الطاقة والغاز لتعذية محطات التوليد التي لا تغطي أكثر من ٦٠ بالمئة من حاجة البلاد في أحسن حالاتها. ورغم الوعود الحكومية بتحسين الوضع، يبقى الواقع في تدهور مستمر، لا سيما في ذروة موسمي الصيف والشتاء.
رمي الكرة في ملعب الغاز الإيراني
وصرح المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى لـ "طريق الشعب"، قائلاً، أن "توقف إمدادات الغاز الإيراني تسبب بخسارة المنظومة الكهربائية في العراق أكثر من 8,000 ميغاواط، ما أثر بشكل كبير على استقرار الكهرباء، خاصة في ظل انخفاض درجات الحرارة وزيادة الطلب على الطاقة".
وقال موسى، إن "توقف الغاز الإيراني أدى إلى تعطل بعض الوحدات التوليدية وتوقف محطات أخرى عن العمل، ما أسفر عن تراجع كبير في ساعات تجهيز الكهرباء، خاصة في محافظات بغداد والفرات الأوسط والمناطق الوسطى". وأشار إلى أن سبب التوقف يعود إلى أعمال صيانة في الجانب الإيراني.
وأكد موسى، أن "الوزارة تتواصل بشكل يومي مع الجانب الإيراني للإسراع في إكمال أعمال الصيانة واستئناف ضخ الغاز بالكميات المطلوبة لتلبية احتياجات المحطات التوليدية". وأضاف أن وزارته تنسق مع وزارة النفط، إلا أن المشكلة تكمن في أن الغاز الوطني والوقود المحلي لا يسدان احتياجات المنظومة بالكامل، ما أدى إلى توقف بعض المحطات وانخفاض إنتاج أخرى".
وتابع بالقول، إن هذا النقص يشكل السبب الرئيس وراء تراجع ساعات تجهيز الكهرباء في البلاد، مؤكداً استمرار الجهود لحل الأزمة في أسرع وقت ممكن.
وأكد موسى، أن الجانب الإيراني أخلّ بالعقد المبرم مع العراق بعد انقطاع إمدادات الغاز بشكل كامل، ما تسبب في تراجع ساعات تجهيز الكهرباء بشكل واضح، خاصة في بغداد ومحافظات الفرات الأوسط، مشيرًا إلى عدم إمكانية استبدال الغاز بمادة الكاز أويل.
اشد مشكلات العراق تعقيدا
ورأى المحلل السياسي محمد زنكنة أن أزمة الكهرباء في العراق تعد من المشكلات الأكثر تعقيدًا التي تواجه البلاد.
وقال، أن العراق كان يعاني من هذه المشكلة حتى في فترة الحرب العراقية _ الإيرانية، إلا أن البرنامج النووي في ذلك الوقت ساهم في استقرار نسبي لشبكة الكهرباء. ومع ذلك، كان هناك تمييز في توزيع الطاقة بين المحافظات.
وأوضح زنكنة لـ "طريق الشعب"، أن "هذه التفرقة أسهمت في خلق أزمات كبيرة، تفاقمت بشكل ملحوظ بعد اجتياح العراق الكويت عام 1991 وسقوط النظام المباد في 2003".
وأضاف، أن العراق يمتلك ثروة غازية ومعدنية ضخمة تكفي لتلبية احتياجات الطاقة وتصدير الفائض، إلا أن الانقسامات السياسية والضغوط الإقليمية حالت دون استغلالها بشكل كامل.
وانتقد زنكنة الاعتماد على الغاز المستورد من إيران، معتبرًا أنه رديء الجودة وغير ملائم لتشغيل محطات الكهرباء بشكل فعّال.
وأشار إلى أن تركمانستان يمكن أن تكون بديلًا لتوريد الغاز، إلا أن غياب قانون ينظم استغلال النفط والغاز العراقي يعرقل أي حلول.
وأشار إلى وجود مشاريع وهمية وصرف مبالغ على شركات غير حقيقية، ما يعيق تطلعات المواطنين في تحسين قطاع الكهرباء.
وختم بالقول إن الصفقات المشبوهة والمحاباة لدول الخارج من بين الأسباب الرئيسية التي تعطل إصلاح هذا القطاع الحيوي.
يقول المراقب للشأن الاقتصادي أحمد عبد ربه إن ملف الكهرباء في العراق يعاني من مشاكل هيكلية بسبب الفساد والإهمال داخل الوزارة.
وأكد عبد ربه لـ "طريق الشعب"، ضرورة اتخاذ خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمة المتفاقمة التي أثقلت كاهل المواطنين، مشيراً إلى أهمية التنسيق مع الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، الصين، وفرنسا، لإنشاء مفاعل نووي سلمي لتوليد الكهرباء.
وأوضح، أن "إنشاء محطة طاقة نووية بحجم كبير يمكن أن يسهم في تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة، خاصة مع وصول عدد السكان إلى حوالي 45 مليون نسمة". كما أشار إلى أن هناك جهوداً فرنسية للتعاون في هذا السياق.
ودعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات عملية وجادة لتحقيق هذا الهدف.
وأضاف عبد ربه، أن "مشاكل الكهرباء لا تقتصر على ضعف الأداء، بل تتضمن أيضاً الخلل في نظام الجباية والفساد الناتج عن التنسيق غير القانوني بين بعض موظفي الوزارة والمواطنين، مشددا على ضرورة إيجاد إصلاح شامل لمنظومة الكهرباء بالشكل الذي يتناسب مع النمو السكاني السريع".
وفي ما يتعلق بالعوامل المؤثرة على أزمة الكهرباء، أشار عبد ربه إلى أن غياب الاستقرار السياسي وعدم الاستمرارية في الحكومات بسبب تغيير رؤساء الوزراء كل أربع سنوات، يعيق تنفيذ مشاريع استراتيجية طويلة الأمد مثل مشروع الطاقة النووية.
وأكد أن مثل هذه المشاريع تحتاج إلى استقرار سياسي وزمني لضمان تنفيذها بنجاح وتحقيق نتائج ملموسة.
طهران لا تلتزم
مدير تحرير موقع منصة الطاقة عبدالرحمن صلاح، يقول ان "ايران أبلغت العراق في 24 تشرين الثاني بوقف ضخ الغاز لمدة 15 يومًا، نظرًا لأعمال صيانة، لكن في الحقيقة هذا ادّعاء، وليس السبب الحقيقي"، مبينا ان "السبب الحقيقي هو نقص الوقود في إيران مع الانخفاض الشديد في درجات الحرارة، وزيادة الحاجة للتدفئة، إلى جانب عدم تلبية الإنتاج المحلي للزيادة في الاستهلاك، بل وصل الأمر إلى درجة قطع الكهرباء لعدّة ساعات يوميًا في ايران".
وأشار الى ان "قطع الإمدادات ما زال الضخ متوقفًا، في وقت لم تقطع الغاز عن تركيا، التي تعتمد هي الأخرى على الغاز الطبيعي الإيراني بنسبة تتراوح بين 16 إلى 18%، وذلك رغم حاجة طهران لكل الغاز، لكنها تحترم اتفاقها مع أنقرة".
وأوضح، أن العقد المُبرم بين بغداد وطهران ينص على تصدير 50 مليون متر مكعب في الشتاء، و70 مليونًا في الصيف، لكن الإمدادات لم تصل حتى نصف هذا الرقم منذ ثلاث سنوات تقريبًا، رغم المطالبات المتكررة من جانب العراق بأن تلتزم إيران ببنود العقد المُبرم بينهما، منوها الى انه "في أفضل الأحوال، يحصل العراق على 20 مليون متر مكعب يوميًا من الغاز صيفًا وشتاءً، وعندما تجاوز هذا الرقم، توقَّف عند 25 مليونًا، لا أكثر".
واشار الى، انه "في 6 تشرين الأول من عام 2023، وقّعت بغداد اتفاقًا لجلب الغاز من تركمانستان إلى العراق عبر إيران، دون الإعلان رسميًا حينها عن حجم الصفقة، لكن الجانب التركماني قال إنه يمكنه تصدير 10 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا إلى بغداد".
وأردف "لكن ماذا حدث بعدها؟.. توقّف الإعلان تمامًا عن أيّ تطورات أو تفاصيل لمدة عام كامل، ثم في 19 تشرين الأول 2024، أعلن العراق أنه وقّع اتفاقًا جديدًا مع تركمانستان لاستيراد 10 ملايين متر مكعب من الغاز في الشتاء و20 مليونًا في الصيف، برغم ان الإعلان لم يتضمن أيّ إشارة لموعد بداية الضخ، ولا الترتيبات مع الجانب الإيراني، الذي سيمرّ الغاز من خلال أراضيه، مقابل رسوم عبور متَّفق عليها".
وشدد على ضرورة البحث عن مصادر أخرى مثل الغاز المسال (رغم أنه مرتفع التكلفة ويتطلب إقامة بنية تحتية بمليارات الدولارات)، وأيضًا ضرورة الاستغلال الأمثل لاحتياطيات العراق الوفيرة من الغاز، والتوقف عن حرق الغاز المصاحب.