اخر الاخبار

وسط جهودٍ مستمرة لتطبيق قانون الضمان الاجتماعي الجديد في العراق، تظهر العديد من التحديات التي تعيق تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية حقوق العمال، والتي من بينها تهرّب أصحاب العمل في القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني من تسجيل موظفيهم ضمن نظام الضمان الاجتماعي. هذا التهرب لا يقتصر على ضعف الالتزام بالقوانين، بل يتجذر في طبيعة العمل غير المستقرة، ونقص الموارد المالية، وحتى بعض الممارسات غير القانونية التي يتحمل العامل أعباءها.

 

عمل غير مستقر

كشفت رؤى خلف، ناشطة مدنية في إحدى منظمات المجتمع المدني، تحدثت عن تحديات متعددة تواجه تسجيل العاملين وتأمين حقوقهم داخل هذه المنظمات، مشيرةً إلى أن طبيعة العمل في هذا القطاع تختلف جذرياً عن القطاع الخاص، مما يجعل الامتثال للقوانين المرتبطة بتسجيل العاملين وضمانهم الاجتماعي أمراً معقداً.

وقالت خلف لـ "طريق الشعب"، إنّ "العمل في منظمات المجتمع المدني غالباً ما يتسم بعدم الاستقرار، حيث يعمل الموظفون بشكل غير منتظم، ما يخلق صعوبات في تحقيق التزامات قانونية مثل تسجيل العاملين وضمانهم الاجتماعي"، مضيفة أن "طبيعة الدعم والعمل في هذه المنظمات تختلف عن القطاع الخاص الذي يعتمد على الإنتاجية والأرباح، وبالتالي لا تستطيع المنظمات تنفيذ العديد من الالتزامات القانونية بسبب قلة الموارد".

وأشارت إلى مشكلة أخرى تتعلق بكُتّاب المشاريع داخل المنظمات، الذين قد يترددون في إدراج تكاليف الضمان الاجتماعي ضمن الميزانية، إما بسبب تعقيد الإجراءات أو لزيادة التكاليف التي قد تتحملها المنظمة أو العامل نفسه، مؤكدة أن "بعض المنظمات قد تضطر إلى تحميل العامل كامل نسبة الاستقطاع الخاصة بالضمان الاجتماعي، والتي تصل إلى 17 في المائة بدلاً من النسبة القانونية البالغة 5 في المائة، بسبب عدم التزام المانحين بتغطية هذه المصاريف".

وأضافت خلف أن "جشع بعض أصحاب العمل قد يؤدي إلى ممارسات غير قانونية، مثل تحميل الموظف كامل قيمة الاستقطاع أو التلاعب بتسجيل سنوات الضمان".

وتحدثت خلف عن تعرضها لحالة تلاعب: "استُقطع مني ضمان اجتماعي لمدة ثلاث سنوات، ثم اكتشفت لاحقاً أنني مسجلة في الضمان لمدة سنة واحدة فقط. هذه الممارسات تهدف إلى توفير التكاليف على أصحاب العمل على حساب حقوق العاملين".

وتابعت خلف، أن هذه التحديات تُظهر غياب الإرادة والرغبة الكافية لدى بعض الجهات في ضمان حقوق العاملين، ما يتطلب جهوداً أكبر لتوعية الأطراف كافة، وتحقيق التوازن بين متطلبات القانون وقدرات المنظمات.

تعزيز حقوق الطبقة العاملة

وقال المتحدث باسم وزارة العمل نجم العقابي، أن "قانون التقاعد والضمان الاجتماعي الجديد رقم 18 لسنة 2023 دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 28 تشرين الثاني 2023، ليحل محل القانون السابق رقم 39 لسنة 1971".

وأضاف العقابي في حديث خصّ به "طريق الشعب"، أن "القانون الجديد يمثل نقلة نوعية في تعزيز حقوق الطبقة العاملة في العراق، وتحسين الواقع الاقتصادي من خلال دعم القطاع الخاص وحماية حقوق العمال والمتقاعدين على حد سواء".

وأكد العقابي، أن "القانون الجديد يهدف إلى توفير امتيازات شاملة للعمال، حيث تم اعتماد معادلة تقاعدية جديدة تُحقق العدالة"، مشيرا إلى أن "هذه المعادلة تجعل رواتب المتقاعدين مشابهة لتلك التي يحصل عليها الموظفون في القطاع العام، مع مراعاة زيادتها سنويا، وفقا لنسب التضخم".

وتابع أن "القانون يعمل على توسيع نطاق الشمول بالضمان الاجتماعي ليشمل فئات جديدة، منها العاملون لحسابهم الخاص، والعاملون في القطاع غير المنظم، فضلًا عن توفير خيار الضمان الاختياري".

وفي السياق، أشار إلى إدخال فرع جديد للتعطل عن العمل، يتم من خلاله صرف رواتب للعاملين الذين يفقدون وظائفهم بسبب ظروف طارئة أو قاهرة، وذلك بموجب ضوابط وآليات محددة في القانون.

وفيما يتعلق بتحسين استحقاقات العمال، أوضح العقابي أن "القانون يتيح للعمال شراء سنوات خدمة تصل إلى خمس سنوات لاستكمال مدد الخدمة المضمونة اللازمة للحصول على راتب تقاعدي. كما يسمح بانتقال الخدمة بين القطاعين العام والخاص واحتسابها لجميع الأغراض، بما في ذلك العلاوة والترفيع والتقاعد، بالإضافة إلى إدراج سنوات الخدمة العسكرية كجزء من الخدمة التقاعدية".

وأشار العقابي، إلى أن "القانون منح المرأة العاملة امتيازات خاصة، حيث يُخفض سن وخدمة التقاعد المطلوبة بخمس سنوات مقارنة بالرجل، مع توفير رواتب بأجر كامل خلال فترة الحمل والولادة لمدة تصل إلى 14 أسبوعًا".

وأكد أن القانون يوفر تغطية تأمينية صحية شاملة للعمال المضمونين، تشمل الفحوصات السريرية والعلاجات الطبية داخل العراق وخارجه، إلى جانب توفير ضمانات السلامة المهنية وحماية حقوق العمال في حالة إصابات العمل، من خلال منحهم رواتب تقاعدية في حال التعرض لمثل هذه الإصابات.

وبشأن التحديات التي تواجه تطبيق القانون، أشار العقابي إلى أن تهرب بعض أصحاب العمل من شمول عمالهم بالضمان الاجتماعي يشكل عقبة كبيرة، مرجعا ذلك إلى رفضهم دفع المساهمات المفروضة عليهم، والتي تبلغ نسبتها 12 في المائة عن كل عامل.

وأكد، أن الوزارة تتخذ إجراءات قانونية صارمة لمعالجة هذه المخالفات، بما في ذلك إحالة أصحاب المشاريع الممتنعة إلى المحاكم المختصة وفقًا لأحكام المادة 92 من القانون الجديد.

وختم العقابي بالتأكيد على أن القانون الجديد يمثل خطوة كبيرة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية ودعم العمالة في العراق، بما يضمن لهم حياة كريمة وبيئة عمل آمنة ومستقرة.

دعوة للالتزام بالقانون

بدورها، انتقدت الناشطة العمالية سميرة الخفاجي قلة التزام بعض أصحاب العمل في القطاع الخاص والمنظمات بضمان حقوق العاملين لديهم، لافتةً إلى أن بعض أصحاب العمل يضمنون أفرادًا محددين فقط، مثل أقاربهم، بينما يُحرم باقي العاملين من الضمان.

وأبدت الخفاجي استغرابها من المنظمات الكبيرة، التي يفترض أن تكون قدوة في تطبيق القوانين، لكنها في كثير من الأحيان لا تضمن العاملين لديها، حتى من يعملون لسنوات طويلة في مشاريع متتالية.

وقالت الخفاجي في حديث مع "طريق الشعب"، أن الضمان الاجتماعي ليس مجرد قانون، بل حق من حقوق العاملين، سواء في القطاع الخاص أو في المنظمات، داعية أصحاب المنظمات إلى ضمان العاملين لديهم، حتى لو استند ذلك إلى القوانين القديمة، لما لذلك من تأثير إيجابي على استقرار العاملين ومستقبلهم التقاعدي.

وشددت الخفاجي على ضرورة أن تكون المنظمات وأصحاب العمل في مقدمة الملتزمين بتطبيق قوانين الضمان الاجتماعي، ليس فقط من باب الامتثال للقوانين، ولكن أيضًا كمسؤولية أخلاقية تجاه العاملين الذين يخدمون لسنوات طويلة. وأكدت أن تحسين الضمان الاجتماعي يشكل خطوة أساسية نحو تعزيز استدامة القطاع الخاص وزيادة جاذبيته للشباب الباحثين عن فرص عمل.

وسلطت الخفاجي الضوء على أهمية قانون الضمان الاجتماعي الجديد، مشيرةً إلى دوره الحيوي في تحسين أوضاع العاملين في القطاع الخاص وغير المنظم.

وأوضحت، أن "غياب الضمان الاجتماعي يشكل عائقًا أمام الشباب الذين يبحثون عن فرص عمل خارج القطاع العام، ما يزيد العبء على هذا القطاع، ويقلل من كفاءته الاقتصادية"، مشيرة إلى أن "تحسين أنظمة الضمان الاجتماعي يمكن أن يُحدث نقلة نوعية في جذب الشباب للعمل بالقطاع الخاص، خاصةً مع تقديم مزايا تأمينية تشمل التقاعد والحوادث".

ولفتت إلى أن "القانون الجديد يتضمن خيار الضمان التقاعدي الاختياري، الذي يتيح للأفراد اختيار نظام يناسب احتياجاتهم"، داعيةً إلى الترويج لهذا الخيار كجزء من حملات توعية تستهدف العاملين في القطاع الخاص وغير المنظم.

وأبرزت الخفاجي التطور الحاصل في أساليب التوعية، مثل المنصات الإلكترونية التي أطلقتها وزارة العمل، والتي تمكن الأفراد من التسجيل واختيار نظام الضمان المناسب لهم. ودعت إلى توسيع نطاق الحملات التوعوية لزيادة الوعي بأهمية هذه المنصات وتشجيع استخدامها، مشيرةً إلى أن هذه الوسائل شائعة في الدول المجاورة ويجب استثمارها بشكل أكبر محليًا.

عرض مقالات: